في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأربعاء 7 تمّوز 2021، التقى غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، الأساقفة والكهنة في الأبرشيات الكاثوليكية في الأراضي المقدسة، والمجتمعين في رياضتهم الروحية السنوية، بعنوان "القديس يوسف، مثال عظيم في حياة الكهنة"، وذلك في كنيسة ودير جبل الكرمل، في مدينة حيفا، الأرض المقدسة.
شارك في اللقاء أصحاب السيادة: موسى الحاج مطران أبرشية حيفا وسائر الجليل للموارنة، ويوسف متّى رئيس أساقفة حيفا وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك، وبولس ماركوتسو، والآباء الخوارنة والكهنة الكاثوليك من مختلف الكنائس والأبرشيات في الأراضي المقدسة.
ورافق غبطتَه صاحبا السيادة مار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن والمدبّر البطريركي لأبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ثائر عبّا كاهن رعية عمّان وسائر الأردن.
أدّى غبطته صلاة الشكر في كنيسة الدير، وزار المغارة الموجودة في أسفلها، حيث شاهد إيليّا الغيمة المذكورة في الكتاب المقدس.
ثمّ عقد غبطة أبينا البطريرك لقاءً روحياً مع الأساقفة والكهنة، أعرب خلاله غبطتُه عن سعادته أن يلتقي الأساقفة والكهنة الكاثوليك في الأراضي المقدسة للمرّة الأولى، فهي "نعمة لي أن أكون معكم اليوم، وهذه ليست أول مرّة أزور فيها الأراضي المقدسة، فقد أتيتُ لأول مرّة قبل 22 سنة حينما كنتُ مطراناً في أميركا مع وفد من مطارنة أميركا بمناسبة يوبيل الألفين ذلك عام 1999، ومن ثمّ قمتُ بأربع زيارات في عهد بطريركيتي".
وتناول غبطته موضوع الرياضة الروحية، متأمّلاً بدور مار يوسف في الكنيسة اليوم، كحامٍ للكنيسة المقدسة، مشيراً إلى أنّه "في اللغة السريانية وبحسب إنجيل متّى، كان يوسف رجلاً باراً ܓܰܒܪܳܐ ܟܺܐܢܳܐ، أي ذاك الذي يعيش حقيقةً بالبرارة، ويقدّم نفسه كلّياً لله تعالى، ولا يلتفت إلى الوراء، بل هو مقتنع كلّياً أنّ الله هو الذي يريده، وهو بالمقابل يصغي إليه ويتمّم مشيئته مثل كثيرين من الأبرار على هذه الأرض الفانية".
وأشار غبطته إلى أنّنا "كمسيحيين إزاء تحدّيات كبيرة، في الأرض المقدسة كما في لبنان وسوريا والعراق وسواها من بلدان الشرق، إذ يجب أن يكون السمؤولون ذوي حكمة وفطنة واعتدال، ليدركوا أنّ المسيحيين هم ثروة للبلد، ويقدّموا أنفسهم للمساعدة في نهضة البلد من كلّ النواحي".
ولفت غبطته إلى أهمّية أن نتمكّن "بما أنّنا رعاة كنسيون، أن نبني الجسور الصحيحة مع إخوتنا المسلمين، إذ علينا أن نتطلّع إلى الأمام، متذكّرين أنّ الله هو أب للجميع ولا يميّز".
ونوّه غبطته إلى "الأزمة المخيفة التي تحيط بالمسيحيين اليوم، ولو أنّهم في الماضي عانوا الكثير، ولكن في الأيّام الحديثة الأزمة مخيفة، لأنّه لم يعد هناك مجال كي نقنع الأجيال الشابّة بالبقاء متجذّرين في هذه الأرض، إذ لديهم سُبُل وإمكانيات كثيرة، ويعرفون ماذا يحدث في العالم، ويريدون أن يكوّنوا ذواتهم"، مذكّراً أنّه "من قبل كانت هناك هجرات كثيرة، لكنّها كانت محصورة، لكن اليوم وبألم شديد، نحن كلّنا كمسيحيين شرقيين، من الصعوبة بمكان أن نقنع شبابنا بعدم الهجرة، سواء الأراضي المقدسة أو في العراق أو سوريا، وللأسف اليوم حتّى في لبنان بعدما اختبرنا وعشنا ولا نزال نعيش هذه الأزمة الخانقة، سياسياً واقتصادياً ومالياً، والناتجة عن تدخّلات الخارج ومساهمة المسيحيين الذين لا يعرفون أن يتّحدوا ويضحّوا بكلّ شيء من أجل خير لبنان".
واعتبر غبطته أنّه "بطريرك كنيسة صغيرة العدد لكنّها منتشرة، هي كنيسة شاهدة وشهيدة، ومطلوب منّا أن نشهد للرب يسوع، ولا يجب أن نخجل أو نستحي، لأنّ يسوع واضح في كلامه: من استحى بي أمام الناس أستحي به أمام أبي الذي في السماوات. يجب أن نشهد له لأنّه هو الرب الذي حقّق لنا الخلاص بالسلام والمحبّة والأخوّة الحقيقية، ونكون أيضاً مستعدّين أن نستشهد من أجل هذا الإيمان. لكن هنا أميّز، فاستشهادنا كأشخاص نقبله، لأنّنا إن كنّا أمناء للرب يسوع نتبعه على طريق الصليب، لكنّ الخطورة اليوم تكمن في أنّ كنائسنا الشرقية المؤسَّسة على الرسل هي المُهدَّدة بالهجرة ثمّ الزوال".
وأكّد غبطته على ضرورة أن "تحفاظ الكنائس على الجذور والتراث وروحانية والطقوس، أمّا الخوف من الهجرة، فهذا الخوف نهاجر به أمام الجميع، وقد جاهرتُ به أمام قداسة البابا فرنسيس وأمام السياسيين الغربيين والشرقيين، وقلتُ لهم بأنّنا كمسيحيين مستعدّون للاستشهاد، لكن يجب أن تنتبهوا أنّنا كنائس رسولية، وإذا زالت هذه الكنائس، فهي خسارة كبرى، ليس لنا فقط، بل للكنيسة الجامعة، وحتّى للحضارة الانسانية".
وختم غبطته كلمته شاكراً منظّمي الرياضة الروحية والمشاركين فيها "على دعوتهم إلى هذا اللقاء الأخوي، ونبقى نعيش الرجاء رغم كلّ رجاء".
ثمّ أجاب غبطته على أسئلة واستفسارات عدد من الأساقفة والكهنة في جوّ عائلي.
وبعد قضاء بعض الوقت سويّةً، غادر غبطته والوفد المرافق مودَّعاً كما استُقبِل بالحفاوة البنوية والإكرام.
|