الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
نص الموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك في القداس الحبري الذي احتفل به غبطته بمناسبة يوبيله الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضّي

 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، في القداس الحبري الذي احتفل به غبطته، بمناسبة يوبيله الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضّي، في الكنيسة الكبرى بدير سيّدة النجاة البطريركي – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، مساء يوم الجمعة 17 أيلول 2021:

 

موعظة غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي

في القداس الحبري بمناسبة

يوبيله الكهنوتي الذهبي (1976-2021)، ويوبيله الأسقفي الفضّي (1996-2021)

 

كنيسة دير سيّدة النجاة البطريركي – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان

الجمعة 17 أيلول 2021، الساعة السادسة مساءً

 

 

    ܐܰܚ̈ܰܝ ܘܚܰܒܺܝ̈ܒܰܝ܆

    ܚܰܕܽܘܬܳܐ ܪܰܒܬܳܐ ܐܳܚܕܳܐ ܠܰܢ ܒܗܳܢܳܐ ܝܰܘܡܳܐ ܩܰܪܝܳܐ ܘܩܰܕܺܝܫܳܐ܆ ܕܒܶܗ ܥܰܡ ܚܕܳܕ̈ܶܐ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ܆ ܘܠܰܐܠܳܗܳܐ ܡܪܰܝܡܳܐ ܡܰܘܕܶܝܢܰܢ܆ ܥܰܠ ܕܰܐܫܘܝܰܢܝ̱ ܕܰܠܗܳܕܶܐ ܫܳܥܬܳܐ ܒܪܺܝܟ̣ܬܳܐ ܐܶܡܛܶܐ܆ ܘܰܠܗܳܢܳܐ ܙܰܒܢܳܐ ܝܽܘܒܳܠܳܝܳܐ ܐܶܡܰܢܰܥ܆ ܒܬܶܫܡܶܫܬܳܐ ܕܒܰܚܩܰܠ ܥܺܕܬܳܐ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ܆ ܐܰܝܟ ܦܳܠܚܳܐ ܟܰܫܺܝܪܳܐ ܒܟܰܪܡܶܗ ܘܪܳܥܝܳܐ ܠܥܳܢ̈ܶܗ ܡܠܺܝܠܬܳܐ.

    ܡܶܟܺܝܠ܆ ܠܶܗ ܠܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ܆ ܪܳܥܝܳܐ ܛܳܒܳܐ܆ ܡܨܰܠܶܐ ܐ̱ܢܳܐ ܕܰܢܣܰܝܥܰܢܝ̱ ܘܰܢܗܰܕܪܰܢܝ̱ ܘܰܢܚܰܝܠܰܢܝ̱܆ ܕܶܐܗܘܶܐ ܡܳܐܢܳܐ ܓܰܒܝܳܐ ܠܬܶܫܡܶܫܬܶܗ܆ ܐܰܟ̣ܡܳܐ ܕܘܳܠܶܐ ܘܙܳܕܶܩ܆ ܡܶܛܽܠ ܪܽܘܡܪܳܡ ܫܡܶܗ ܩܰܕܺܝܫܳܐ ܘܢܶܨܚܳܢ ܩܰܪܢܳܐ ܕܥܺܕܬܶܗ ܘܰܕܥܰܡܶܗ.    

 

    "ماذا أردُّ للرب عن كلّ ما أحسنَ به إليّ؟ أرفعُ كأسَ الخلاص، وأدعو باسم الرب" (مز116: 12)

    هذا البيت من المزمور طالما ردّدناه أكثرنا في غمرة حياتنا، كمؤمنين أو كهنة أو أساقفة دعاهم الرب لخدمة كنيسته. فنُقرّ بأنّنا عاجزون على ردّ إحسانات الرب لنا، ونُسرّ نحن غير المستحقّين، ونلهج بالشكر لاسمه القدوس، للنِّعَم التي أغدقها علينا، ونحن نسعى كي تُثمِرَ دعوتُنا الثمار المرجوّة، ونشكره لفيضِ مراحمه الإلهية.

    نعم، تبتهج نفسي وتتهلّل روحي في هذا اليوم المبارك، فأشكر الرب وأقرّ بفضله وجزيل نِعَمِه وفيض بركاته عليَّ أنا الضعيف. فقد وهبني الحياة، وهداني لأكرّس ذاتي له بكلّيتي. فأسير درب الكهنوت، لينعم عليَّ بعدئذٍ بموهبة رئاسة الكهنوت - الأسقفية، ثمّ يختارني لأرعى كنيسته المقدسة وشعبه المبارك، "فشكراً له على عطيته التي لا يُعبَّر عنها".

    وإذ أردِّدَ مِن أعماق قلبِي، اعترافي بأفضال الرب السخيّة، أشكركم أنتم إخوتي البطاركة والأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين المبارَكين الأعزاء، لأنّكم تكبّدتم مشقّة السفر والحضور، كي تشاركوني فرحة اليوبيلين في هذا المساء. وأرى في محبّتكم خيرَ دليلٍ على إحسانات الرب لي، أنا غيرُ المستحقّ.

    منذ تلبيتي الدعوة الكهنوتية، كان الرب رحوماً وغفوراً معي، مقوّياً ضعفي، معزّياً لي في إخفاقاتي وفشلي وآلامي، وهادياً لي بحنانه الإلهي، كي أبقى أميناً للدعوة التي لها اختارني، إن في الخدمة الكهنوتية أو الأسقفية أو البطريركية، ولكي ألهج بالشكر الدائم لمحبّته وحنانه. 

    لقد سعيتُ لأعملَ بمشيئته وأُتمّمَها، مُتّكلاً على نعمته الفائقة أينما دعاني، إن كان في مشرقنا هذا الذي طالَ دربُ آلامه ولا يزال يحمِل صليبه، أو في كنيسة الانتشار في بلاد الغرب، حيث ثقافة العالم المادّية، التي تتغنّى بالحرّية الفردية، وتريدُنا باسم التقنيّات الحديثة وإيديولوجية الإلحاد، أن نخونَ إيمانَـنا الذي ورثناه عن الألوف من شهدائنا وشهيداتِنا على مرّ القرون. ويكاد الإيمان المسيحي يتحوّل هناك إلى مجرَّد مشاعرَ إنسانية هدفها الأول بناء ملكوت الإنسان على هذه الفانية، إذ يتجاهل الكثيرون هناك قول معلّمهم الإلهي الواضح لتلاميذه: "أنا اخترتُكم مِن العالم، ولكنّكم لستم من العالم" (يو 15:19).

    حضورُكم ومشاركتكم فرحتي اليوم، أيّها الأعزاء، هما تأكيدٌ على محبّتِكم الأخوية الصادقة، وعلى دعائكم إلى الرب يسوع، كي يرضى على الخدمة التي أقوم بِها، بالرغم من ضعفي ونقائصي. لكم جزيل شكري وامتناني: 

    أخص بالشكر إخوتي البطاركة الذين يشاركونني خدمة الكنيسة في هذه الظروف العصيبة في شرقنا، والذين أرادوا أن يكونوا معنا في هذه المناسبة اليوم ويشاركونا هذه الذبيحة الإلهية رغم مهامهم الكثيرة:

    صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة،

    وصاحب القداسة مار اغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع،

    وصاحب الغبطة يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك،

    وسيادة السفير البابوي في لبنان المطران جوزف سبيتيري،

    وأصحاب النيافة والسيادة ممثّلي الإخوة البطاركة،

    وأصحاب النيافة والسيادة المطارنة الأحبار الأجلاء،

    وأخصّ بالشكر أيضاً إخوتي أصحاب السيادة المطارنة آباء السينودس المقدس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، والذين شاءوا أن يبادروا إلى الدعوة لإحياء هذه المناسبة في ختام مجمعنا الأسقفي المقدس. لهم محبّتي بروح الخدمة الراعوية والشراكة المجمعية التي تجمعنا معاً.

 

    "تكفيك نعمتي، لأنّ قوّتي في الضعف تكمل. فبكلّ سرورٍ أفتخر بالحريّ في ضعفي، لكي تحلّ عليَّ قوّة المسيح" (2 كور 12: 9). هذا ما كتبه بولس رسول الأمم إلى كنيسة كورنثوس، مؤكّداً أنّ قوَّتَه في أداء رسالته، الأمينة لمعلّمه الإلهي ولكنيسته، تكمن في ضعفه! لم يفكّر بولس أن يبرّر تقصيره وفشله، وينسبه إلى ضعفه البشري، ولكنّه أراد أن يعترف بأنّ كلّ ما حقّقه من نجاحٍ في كرازته بالإنجيل، كان بفضل الرب الذي اختاره وأغدقَ عليه نِعَمَه. لذا نرى هذا الرسول يضع اتّكالَه الكامل على الرب، والرب هو الذي يحيا فيه، وهو الذي بدّل حياته وجعله إناءً مُختاراً لتمجيده.

    إنّ اليوبيل هو لحظةٌ مفصليةٌ في حياة الإنسان، فيها يقف متأمّلاً بما مضى من أيّامٍ وسنواتٍ، باركه فيها الرب، فيجدّد العهد معه بمتابعة العمل كي يأتي بالثمار اليانعة، ثلاثين وستّين ومئة. فاليوبيل ليس توقّفاً، إنّما هو إكمالٌ للمسيرة بالتجدّد، فينفُضَ الإنسان غبار الماضي، ويجدّد شبابه، متّكلاً على نعمة الرب الذي "يجدّد كالنسر شبابه"، فيحلّق في سماء الروح، وتكون مسيرته أنشودة تسبيحٍ وشكرٍ للرب.

    في طقسنا السرياني، نستعمل عبارة ܩܽܘܒܳܠ ܛܰܝܒܽܘܬܳܐعلامةً للشكر والعرفان بجميل الرب علينا، وهي تعني تقبُّل النعمة. فالشكر في الأساس هو قبولٌ لنعمة الرب وحملها زاداً روحياً يغني حياتنا. من هنا نرفع كأس الخلاص وندعو باسم الرب، لأنّ منه كلّ عطيةٍ صالحةٍ، وكلّ موهبةٍ تامّة.

    اليوم، وبعد خمسين سنةً قضيتُها في خدمة كنيسة الرب، ككاهنٍ ثمّ أسقفٍ فبطريرك، لمستُ فيض نعمة الرب عليَّ، وأيقنتُ أهمّية السند الأخوي الذي يعضد الإنسان ويقوّيه.

    في مسيرتي ابتغيتُ أولاً وأخيراً مرضاة الرب، ولئن ارتكبتُ الأخطاء مرّاتٍ كثيرةً، لأنّ من يعمل يخطئ، وجلّ من لا يخطئ. وسعيتُ دائماً لأكون خادماً أميناً على ما استودعني إيّاه الرب، فأدبّر بيته حسناً. فكانت النجاحات الكثيرة التي منَّ بها عليَّ، كما الإخفاقات التي واجهَتْني، لكنّي تغلّبتُ عليها بقوّة الرب، ومؤازرة الإخوة والمحبّين.

    بدأتُ خدمتي الكهنوتية في إكليريكية دير الشرفة، حيث رافقتُ الطلبة الإكليريكيين لمدّة سنتين دراسيتين، وهم - أي الإكليريكية - قلب الكنيسة ورعاتها المستقبليون. ثمّ انتقلتُ إلى الخدمة الراعوية في رعيتي الأمّ، في الحسكة بسوريا، وهناك خدمتُ وعملتُ مع الشبيبة والمؤمنين كافّةً في زرع بذار البشارة، إلى أن انتقلتُ بعدها إلى لبنان حيث خدمتُ تحت كنف المثلّت الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، الذي عيّنني لخدمة رعية سيّدة البشارة في المتحف - بيروت، فيما كانت الحرب ملتهبةً وتحطّ أوزارها، لكنّي شجّعتُ المؤمنين على الثبات والصبر وعيش فرح الإنجيل معاً رغم الظروف العصيبة.

    ولمّا دعاني البطريرك حايك لتأسيس الرعايا والإرساليات وخدمة كنيسة الإنتشار في الولايات المتّحدة الأميركية، لم أتردّد، بل قمتُ بعزمٍ ونشاطٍ، وأدّيتُ الخدمة رغم تحدّياتها الجمّة، ورحتُ أبحث عن أبناء الرعية المشتَّتين. وبمؤازرة المؤمنين الغيارى، نمت وتعزّزت الرعية تلو الأخرى في الولايات المتّحدة، حتّى كرّمَنا الله بإعلان إنشاء أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، وهي الأبرشية الأولى في كنيسة الإنتشار، واختارني البابا القديس يوحنّا بولس الثاني أول أسقفٍ لها، بعد ترشيحي وانتخابي من السينودس المقدس لهذه الخدمة.

    ومنذ خمسٍ وعشرين سنةً، رقّاني المثلّث الرحمات البطريرك حايك إلى الدرجة الأسقفية، فبدأتُ فصلاً جديداً وصفحةً جديدةً من الخدمة التي شملت الأراضي الشاسعة والواسعة في الولايات المتّحدة وكندا، حيث عملتُ مع إخوتي الكهنة والمؤمنين لتأسيس رعايا جديدة وبناء كنائس لخدمة المؤمنين، إلى أن اختارني الله بصوت آباء السينودس لأكون بطريركاً على كرسي أنطاكية الرسولي في 20 كانون الثاني 2009.

    وهنا أيضاً مرحلةٌ جديدةٌ بدأت، كبرت فيها الوزنة، وعظمت المسؤولية، وازدادت التحدّيات والصعوبات، ولكنّي بشعاري الذي اتّخذتُه "كلاً للكلّ"، عملتُ على خدمة الكنيسة بما منحني الله من قوّةٍ، متعاوناً مع إخوتي الأحبار الأجلاء آباء السينودس، والخوارنة والكهنة الأفاضل، والشمامسة والرهبان والراهبات الأعزّاء، والمؤمنين الأحبّاء، في غمرة ما يعيشه عالمنا اليوم من صعوباتٍ جمّة، سواء في شرقنا العزيز أو في بلاد الإنتشار.

    إنّ الكنيسة في الشرق تعاني نتيجة الأوضاع الصعبة والمخيفة والتي ألمّت بها في السنوات الأخيرة، وهي أقسى الويلات التي أصابت كنيستنا وكنائس إخوتنا الذين تألّموا. وأذكر اليوم كيف توجّهنا نحن البطاركة إلى شمال العراق في آب عام 2014، لنتفقّد شؤون أولادنا الذين هُجِّروا من الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى.

    الكنيسة في الشرق تعاني الكثير، سواء في سوريا التي قاست صعوبات الحرب لأكثر من عشر سنوات، أو في العراق الذي كابد هو الآخر الأزمات التي كان أقساها اقتلاع أبنائنا من أرضنا، أو في الأراضي المقدسة التي تبارَكْنا بزيارتها في شهر تمّوز المنصرم، والتي نصلّي كي تحلّ فيها المسامحة والمصالحة وتنتهي الحروب والأزمة السياسية والإتنية والدينية منذ أكثر من سبعين سنة، أو في مصر والأردن حيث يعيش أبناؤنا بالاحترام المتبادَل مع إخوتهم، أو تركيا التي يتابع فيها أبناؤنا شهادتهم للرب في أرض الآباء والأجداد.

    ولا يغيب عن بالنا وطننا الحبيب لبنان الذي يرزح تحت وطأة أزماتٍ خانقةٍ لم يعرف لها مثيلاً، من اقتصادية وسياسية واجتماعية، أثقلت كاهل المواطنين ودفعت بالكثيرين منهم، خاصّةً الشباب، إلى الهجرة بسبب فقدان أدنى مقوّمات الحياة الكريمة. ونحن ندعو للحكومة الجديدة بالتوفيق في عملها، كي تسعى جاهدةً لإنقاذ لبنان من القعر السحيق الذي وصل إليه بسبب غياب الضمير لدى المسؤولين فيه، مجدّدين التأكيد على أنّنا أبناء وبنات هذا الوطن، لا سيّما نحن المسيحيين، ومن حقّنا أن تُتاح لنا الفرصة للعيش فيه بالحرّية والكرامة، كذلك أن نعمل فيه نحن السريان ونخدمه في مختلف المناصب والوظائف.

    ولا أنسى كنيسة الإنتشار وأبناءنا وبناتنا في أوروبا والأميركيتين وأستراليا، وأشجّعهم على عيش إيمانهم والتزامهم الكنسي، متعلّقين بأوطانهم الأمّ في الشرق، ومخلصين للأوطان الجديدة التي احتضنتهم.

    تعود بي الذاكرة إلى أرض الآباء والأجداد، وأنا ابنُ عائلةٍ نازحةٍ مهجَّرةٍ من بلدة قلعة مَرا قرب ماردين في تركيا، نزح والديَّ إلى الحسكة في الجزيرة السورية، طفلَين، مثل كثيرين من أهل إخوتي الأساقفة والكهنة والمؤمنين الحاضرين معنا اليوم. لكنّهم حافظوا على الإيمان متّقداً في قلوبهم، رغم كلّ المحن والنكبات، وأضحوا عائلاتٍ شهيدةً ومعترفةً، وربّوا أولادهم على هذا الإيمان والتعلّق بالكنيسة، ولم ينتظروا أن يبقوا في مخيّماتٍ، تساعدهم منظّماتٌ ودولٌ، بل اتّكلوا على أنفسهم، وعاشوا حياةً كريمةً في البلاد التي التجأوا إليها، أكان في لبنان وسوريا والعراق وفي بلاد المهجر.

    إنّها الدعوة لنا جميعاً لتجديد هذا الإيمان وتقويته والعيش بموجبه على مثال آبائنا وأجدادنا، والإعتزاز بأمّنا الكنيسة المقدسة.

    وهنا أذكر بعاطفة الشكر والامتنان إخوتي وأخواتي وعائلاتهم، وهم أغلبهم في المهجر. وأخصّ بالذكر شقيقتي "أمّ سامر" التي تحضر باسمهم معنا اليوم والقادمة من حمص – سوريا. وأترحّم على روح والديَّ العزيزين، اللذين زرعا فيَّ محبّة الرب وكنيسته.

    ليس لي فضلٌ أو منّةٌ في أيّ عملٍ قمتُ وأقوم به، بل الفضل لله الذي نحن إنّما نخدم في كرمه كعبيدٍ بطّالين، ولا نقوم إلا بالواجب الملقى على عاتقنا: "كذلك أنتم أيضاً، متى فعلتم كلَّ ما أُمِرتُم به فقولوا: إنَّنا عبيدٌ بطَّالون، لأنَّنا إنَّما عملنا ما كان يجب علينا" (لو 17: 10).

    وهنا أقتبس للعلّامة المفريان مار غريغوريوس يوحنّا ابن العبري القائل: "ܗܘܺܝ ܠܳܟ ܐܰܡܺܝܢܳܐ ܘܰܥܡܺܝܠܳܐ ܒܗܳܢܳܐ"،"كن مثابراً ومواظباً على عملك".

وها أنا أمامكم، أطلب صلاتكم من أجلي كي يعينني الرب، كالعبد البطّال، على المواظبة في عملي وخدمتي بالتواضع والبساطة والوداعة، فأستحقّ الطوبى المُعدَّة للعاملين الصالحين، على ما تقول الترنيمة الشهيرة:

    "ܛܽܘܒܰܝܗܽܘܢ ܠܥܰܒܕ̈ܶܐ ܛܳܒ̈ܶܐ ܡܳܐ ܕܳܐܬܶܐ ܡܳܪܗܽܘܢ܆ ܘܡܶܫܟܰܚ ܠܗܽܘܢ ܟܰܕ ܥܺܝܪ̈ܺܝܢ ܘܰܒܟܰܪܡܶܗ ܦܳܠܚܺܝܢ. ܐܳܣܰܪ ܚܰܨܰܘ̈ܗ̱ܝ̱ ܘܰܡܫܰܡܶܫ ܠܗܽܘܢ܆ ܕܰܠܐܝܘ ܥܰܡܶܗ ܡܶܢ ܨܰܦܪܳܐ ܠܪܰܡܫܳܐ. ܐܰܒܳܐ ܡܰܣܡܶܟ ܦܰܠܳܚ̈ܰܘܗ̱ܝ̱ ܘܰܒܪܳܐ ܡܫܰܡܶܫ ܠܗܽܘܢ܆ ܘܪܽܘܚ ܩܽܘܕܫܳܐ ܦܰܪܩܠܺܝܛܳܐ ܟܠܺܝܠ̈ܰܝܗܽܘܢ ܓܳܕܠܳܐ܆ ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ ܘܣܳܝܡܳܐ ܒܪ̈ܺܝܫܰܝܗܽܘܢ". "طوبى للعبيد الصالحين الذين إذا جاء سيّدهم، يجدهم مستيقظين وعاملين في كرمه، فيشدّ حقويه ويخدمهم، إذ تعبوا معه من الصباح حتى المساء. الآب يُتكِئ خدّامه، والابن يخدمهم، والروح القدس الفارقليط يضفر لهم الأكاليل، هللويا ويضعها على رؤوسهم".

    أختم مجدِّداً شكري لجميعكم فرداً فرداً، وخاصّةً للذين تعبوا في الإعداد لهذه المناسبة، ذاكراً أبناء وبنات رعايانا في لبنان، وأعضاء حركاتنا الشبابية الحاضرين معنا هنا، ومؤكّداً أنّ افتخارنا ليس بعملٍ نعمله، إنّما بالرب الإله يسوع المصلوب:

    "ܒܰܨܠܺܝܒܳܟ ܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܐܳܚܕܺܝܢܰܢ ܓܰܘܣܳܐ ܟܽܠܝܽܘܡ܆ ܕܗܽܘ ܡܦܰܨܶܐ ܠܰܢ ܡܶܢ ܒܺܝܫܳܐ܆ ܘܡܰܘܪܶܬ ܠܰܢ ܡܰܠܟܽܘܬ ܪܰܘܡܳܐ"، "إنّنا نتّخذ صليبك يا ربّنا يسوع ملجأً كلّ حين، فهو ينجّينا من الشرّير ويورثنا الملكوت السماوي".

    هذا ما نطلبه، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، ولله المجد والشكر والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

 

 

إضغط للطباعة