في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت ٢٥ كانون الأول 2021، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بقداس عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بحضور ومشاركة الأب طارق خيّاط الكاهن المساعد في إرسالية العائلة المقدسة، والشمامسة، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين الذين قدموا ليشاركوا في القداس ويهنّئوا غبطته بالعيد.
رنّم غبطة أبينا البطريرك الإنجيل المقدس من بشارة القديس لوقا، ثمّ أضرم ناراً في موقدة وُضِعت في وسط الهيكل، وزيّح فوقها الطفل يسوع. بعدئذٍ طاف غبطته في زيّاح حاملاً الطفل يسوع، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، ليوضَع بعدها الطفل يسوع في المكان المرموز به إلى المذود في المغارة التي نُصِبت داخل الكنيسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، والتي استهلّها بتحيّة المعايدة الميلادية "وُلِدَ المسيح... هللويا"، نوّه غبطة أبينا البطريرك إلى أنّنا "اليوم نحتفل بعيد ميلاد مخلّصنا يسوع المسيح، اسم يسوع يعني يشوع - الله مخلّص، عمانوئيل – الله معنا. هذا هو السرّ العجيب الذي نؤمن به لأنّه أتانا من الإنجيل المقدس، كما سمعنا من إنجيل لوقا. كان لوقا طبيباً من أنطاكية، وتعرّف إلى مريم العذراء، ومنها استقى هذه المعلومات عن ميلاد يسوع في بيت لحم. ويعطينا لوقا بعض المراجع التاريخية، فقد وُلِدَ يسوع في زمن أوغسطس قيصر الذي كان من أعظم أباطرة الرومان".
ولفت غبطته إلى أنّنا "نحن اليوم مثل مريم العذراء نحفظ هذا الكلام الذي أتانا من الإنجيل المقدس ونتأمّل فيه، هذه اللوحة التي يذكرها الإنجيل تستحقّ حقيقةً أن تُقال وتُكتَب كقصّة وكفيلم: يوسف ومريم يذهبان إلى بيت لحم كي يكتتبا، لأنّ ذلك جاء بأمر من الأمبراطور الذي كان يريد أن يعرف عدد سكان كلّ هذه الأمبراطورية التي كانت تحتلّ بلاداً ومناطق كثيرة على حوض المتوسّط".
وأشار غبطته إلى أنّ "يوسف ومريم ذهبا من الناصرة إلى بيت لحم، وهناك مسافة طريق بين بيت لحم والناصرة، أقلّه ثلاثة أيّام سيراً على الأقدام في ذلك الزمن، وحتّى اليوم هاتان المدينتان موجودتان في الأرض المقدسة. وفي بيت لحم لم يتمكّنا أن يجدا مكاناً كي ينزلا فيه، والظاهر أنّهما وجدا كلّ الفنادق والنزل محجوزة، وهما كانا رجلاً وامرأة معروفين من الجليل، أي أنّهما يأتيان من مكان بعيد، وكانا فقيرين. فلم يستطيعا أن يجدا مكاناً إلا في مغارة كانت زريبة للمواشي، هناك حانت ساعة مريم، فولدت يسوع ولفّته بقمطٍ، ولم يجدا له سوى مذودٍ لعلف الحيوانات وضعاه فيه".
وذكّر غبطته أنّ "أوّل الناس الذين عَلِموا بميلاد يسوع هم الرعاة، كما سمعنا من الإنجيل المقدس، هؤلاء الناس البسطاء كانوا يسهرون مع مواشيهم في مكانٍ من أراضي بيت لحم. فظهر لهم الملاك وأنبأهم ألا يخافوا، وقال لهم: لا تخافوا، أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون للعالم كلّه، اليوم وُلِدَ لكم مخلّص في بيت لحم. والعلامات تعرفونها: ستجدون الطفل مُضجَعاً في مذودٍ وملفوفاً بقمطٍ، هو المسيح المخلّص. يذهب الرعاة ويسجدون لهم ويسبّحون الله، كما يخبرنا الإنجيل. هؤلاء الأشخاص الذين نجدهم في هذا المشهد لميلاد يسوع: مريم تحفظ الكلام وتتأمّل في هذا السرّ العجيب الذي تمّ فيها، فقد اختارها الله كي تكون والدة الإبن الإلهي. لذلك نسمّي ميلاد يسوع بالسريانية ܕܽܘܡܳܪܳܐ العجب، هذا السرّ العجيب الذي لا يستطيع أيّ إنسان أن يؤمن به إلا بنعمة إلهية، ونحن تعمّدنا ونلنا هذه النعمة، لذلك نقبل ونؤمن بهذا السرّ العجيب".
وتابع غبطته: "كما تعلمون، نحن نعيش في محيط أغلبيته لا يقبلون أنّ هذا الطفل المولود في بيت لحم هو كلمة الآب الأزلي، إله من إله، نور من نور. لكن نحن نعلم أنّ الله محبّة، لذلك يمكنه أن يفعل كلّ هذه الأعاجيب، وهذه هي الأعجوبة الكبرى، ميلاد ابنه يسوع من أحشاء مريم العذراء بقوّة الروح القدس".
وأردف غبطته: "الشخص الثاني الذي نراه في مشهد الميلاد، يوسف، هذا الرجل البارّ كما يقول عنه الإنجيل، والذي أطاع صوت الله وحمى مريم والطفل الإلهي، وتحمّل الكثير من المشقّات، ونحن نعلم أنّه هرب مع مريم والطفل من بيت لحم إلى مصر لأنّ هيرودس المتجبّر أراد أن يقتله".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة: "اليوم، نحن أحبّائي نتأمّل ونعيش الميلاد للأسف هنا في لبنان كما في سوريا والعراق، لا نستطيع أن نعيش حقيقةً هذه الفرحة التي كنّا نعيشها في السنوات الماضية مع أهلنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا، ومع ذلك نحن مدعوون أن نقبل حكمة الله ومشيئته في حياتنا. صحيح هناك الكثير من الموجوعين والمحرومين من فرحة العيد في هذا البلد لبنان الغالي والعزيز علينا، وتعرفون الأسباب ولا تريد أن نكرّرها. لكنّنا كمؤمنين جئنا في هذا العيد نطلب من الرب الذي صار مثلنا وتواضع حتّى اتّخذ طبيعتنا بكلّ شروطها الإنسانية ما عدا الخطيئة، كي يمنحنا الرجاء والفرح الحقيقي وسلام القلب".
ورفع غبطته الصلاة "مع بعضنا كي يكون عيد الميلاد هذا، مهما كانت الظروف، فرحةً للجميع، خاصّةً للمحرومين والمتألّمين بسبب الأوضاع والنكبة المعيشية والصحّية والسياسية، وكي نتمكّن أن نجدّد إيماننا وثقتنا بالرب الذي هو مخلّصنا. نصلّي بشكل خاص من أجل عائلاتنا وأطفالنا وشبابنا الذين يواجهون تحدّي الشكّ والحيرة: هل يبقون في هذا البلد أم يهاجرون؟ بالطبع الهجرة ليست الهدف أو الأفضل، ونحن نترك لشبابنا أن يأخذوا مسؤولية حياتهم بيدهم".
وابتهل غبطته إلى الرب "كي يهدّئ هذه الأوضاع المؤلمة التي نعيشها، ولا نريد أن نسمع لهذا أو ذاك يقول إنّ الحالة ستطول سنوات، فالله قادرٌ على كلّ شيء، ويمكنه فعل العجائب وإعادة لبنان الغالي إلى ما كان عليه في الزمان الماضي، ليكون بلد التآخي الحقيقي من دون كذب ونفاق، بلد السلام الحقيقي، وبلد الإشعاع الحضاري، رغم كلّ ما يحيط بنا من مآسٍ ومن قضايا مؤلمة جداً".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء التي عاشت كالشخص الأقرب إليه، لأنّها والدته بالجسد، أن يحمينا جميعاً، عائلاتنا، صغارنا، شبابنا، كبار السنّ بيننا، وكي نستطيع أن نكون العائلة المسيحية الصالحة".
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، انتقل إلى الصالون البطريركي حيث استقبل المؤمنين الذين قدّموا لغبطته التهاني بالعيد مع التمنّيات بالصحّة والعافية والعمر المديد.
|