يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ارتجلها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، خلال احتفاله برتبة النهيرة (الوصول إلى الميناء)، في كنيسة مار كوركيس، برطلّة، العراق، بعد ظهر يوم الأحد ١٠ نيسان ٢٠٢٢"
"نحن ساهرون، ننتظر عودتك أيّها الرب يسوع".
"نعم، أيّها الأحبّاء، نحن ساهرون نصلّي في هذا المساء في برطلّة بالفرح والرجاء، ونقدّر لصاحب النيافة مار تيموثاوس موسى الشماني مطران أبرشية دير مار متّى مع الوفد المرافق من الإكليروس والمؤمنين، اشتراكهم معنا في هذه الرتبة المقدسة، رتبة النهيرة، استعداداً للدخول إلى أسبوع الآلام الخلاصي نحو القيامة.
في شهر آذار الماضي، كنّا قد التقينا مع قداسة أخينا مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، ونحن دوماً في تواصل أخوي، لأنّنا أبناء وبنات كنيسة واحدة، نشترك في الصلوات معاً ونتواكب، نسير معاً مسيرة أخوية نحو مجيء الرب يسوع الذي نصلّي دائماً ونرجو أن يكون مجيئاً لنا نحن المدعوين لمشاركته في فرحه السماوي.
يشترك معنا أيضاً صاحبا السيادة مار أفرام يوسف عبّا المدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها ورئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، والآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنون من مجالس الرعية والجوق والأخويات.
نحن في مسيرة نعيشها دوماً بالرجاء، لا نستطيع أن نعطيكم دروساً في الرجاء، لأنّكم أنتم تعيشون حقيقةً الرجاء المؤسَّس على الإيمان بالرب يسوع.
يعلّمنا رسول الأمم مار بولس بأنّه لا يكفي الإيمان بأنّ يسوع هو مخلّصنا، لكن علينا أن نجاهد في الألم كما جاهد هو أيضاً لأجل خلاصنا. لذلك كلّ ما يحدث لنا من آلام وضيقات وصعوبات، وما نجابهه من تحدّيات، نتحمّله بمفهوم الثقة الكاملة بالرب يسوع، لأنّه هو الذي سبقنا على درب الآلام الخلاصي، فالألم بالنسبة لنا نحن المسيحيين هو درب الخلاص. نحن لا نفتّش عن الألم، لأنّ التفتيش عن الألم هو نوع من المرض النفسي، لكنّنا نقبل كلّ ما تسمح به العناية الإلهية بروح المسيح ذاته الذي كان هو الكاهن والذبيحة في آنٍ معاً، كما أنشدنا في أناشيدنا السريانية في صلاة الرمش اليوم منذ قليل.
إذاً ليست قضية سهلة أو بسيطة نردّدها، بل علينا أن نفهم معناها، بأنّ يسوع كلمة الله المتأنّس، الإله الكامل والإنسان الكامل قَبِلَ أن يجتاز هذا الدرب الأليم ويقرّب ذاته لأبيه فداءً عنّا نحن الذين يحبّنا هو ويريد منّا أن نحبّه.
ولكن كيف نحبّه؟
سمعنا من الإنجيل المقدس الذي أعلنه صاحب النيافة مار تيموثاوس موسى، أنّ أمّ ابني زبدى يعقوب ويوحنّا جاءت إلى يسوع طالبةً أن يكون ابناها هما المترئّسَين، واحد عن يمين يسوع وواحد عن شماله، عندما تأتي في ملكوته، لأنّه كان هناك فكرٌ أنّ المسيح سيأتي ويؤسّس الملكوت الأرضي. فأجابها يسوع سائلاً التلميذين: هل يستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا؟ فقالا نعم نحن مستعدّان. إلا أنّ يسوع ينبّههما بأنّ شرب الكأس ليس قضية بحدّ ذاتها، وكأنّ أحداً يقوم بعملية كي ينال عليها أجراً، بل شرب الكأس هو اتّباع الرب يسوع في درب الآلام، ودرب الآلام يتطلّب أن يكون الشخص متواضعاً ووديعاً ويعرف أن يتحرّر من أنانيته ومن كبريائه، كي يكون خادماً للكلّ.
نحن أحبّائي في هذه الرعية في برطلّة التي ندرك تماماً آلامها وصعوباتها، مدعوون أن نكون شهوداً للمحبّة التي تخدم، المحبّة المتواضعة، المحبّة الوديعة. ونحن نهنّئكم لأنّكم، مهما عصفت العواضف، تبقون متجذّرين في أرض آبائكم وأجدادكم، حتّى تظلّوا شهود الخلاص والمحبّة فيما بينكم وبين الأكثرية التي تعيشون معها.
نهنّئ الأب بهنام بينوكا للخدمة الراعوية التي يقوم بها تجاهكم، وقبل أن نبدأ صلاة الرمش، زرنا معه كنيسة مار كوركيس القديمة التي هي أقدم كنيسة في هذه المنطقة هنا، وتعود إلى مئات السنين، والتي يقوم الأب بهنام مع المساعدين ومجلس الرعية بالسعي إلى ترميمها، لأنّها حقيقةً إرث وتراث سرياني عريق في بلاد ما بين النهرين، تراث تاريخي وحضاري وروحي للعراق بأسره.
نسأل الرب يسوع أن يساعدنا كي تبقى مصابيحنا دائماً موقدةً مثل البتولات الحكيمات، فنصبح أهلاً أن نلقاه في مجيئه الثاني، آمين".
|