الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يحتفل بقداس خميس الفصح ورتبة غسل أقدام التلاميذ في كاتدرائية سيّدة البشارة – بيروت

 
 

    في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الخميس 14 نيسان 2022، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بقداس خميس الفصح ورتبة غسل أقدام التلاميذ، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت. 

    عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية والكاهن المسؤول عن إرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين في لبنان، بمشاركة الأب ميشال حموي الكاهن المساعد في رعية سيّدة البشارة، بمشاركة جمع غفير من المؤمنين من أبناء الرعية ومن إرسالية العائلة المقدسة. 

    بدايةً ترأّس غبطته رتبة الغسل بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، حيث قام بغسل أقدام 12 شخصاً من أبناء الرعية يمثّلون تلاميذ الرب يسوع الإثني عشر. ثمّ احتفل غبطته بالقداس الإلهي بمناسبة خميس الفصح. 

    وفي موعظته بعد رتبة الغسل، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن احتفال الكنيسة المقدسة في هذا اليوم "بخميس الأسرار أو خميس الفصح. في هذا اليوم نعيش ذكرى العشاء الأخير الذي تناوله الرب يسوع مع تلاميذه. وقبل العشاء، أعطاهم المثال الأسمى للتواضع والوداعة بغسل أقدامهم. ثمّ رسم سرّ الإفخارستيا: "خذوا كلوا ... خذوا اشربوا"، وسرّ الكهنوت "إصنعوا هذا لذكري". 

    ونوّه غبطته إلى أنّ الرب يسوع "عالج داء الكبرياء بدواء تواضعه، ولم يكن في تواضعه أيُّ ضعفٍ أو تذلُّل. بهذا التواضع العجيب، أعطانا مثالاً إذ شدّ مئزرةً على حقويه وشرع يغسل أقدام تلاميذه كأيّ خادمٍ يقوم بواجبٍ اعتيادي تجاه سيّده. كانت هذه العادة متّبعةً في تلك الأيّام وفي تلك المجتمعات، خاصّةً عندما يأتي ضيفٌ عزيز، يقوم الخادم أو ربّ البيت بغسل قدميه. كذلك عندما تجتمع العائلة مساءً، يغسل أحدهم أقدام الآخرين. ولكنّ التلاميذ، لكبريائهم وسعيهم للمراكز الأولى، لم يتذكّروا كلمات المعلّم الذي قال: تعلّموا منّي لأني وديعٌ ومتواضع القلب، وما جئتُ لأُخدَم بل لأخدُم". 

    ولفت غبطته إلى أنّ "تواضُع الرب هذا أدهش آباءنا السريان، فوضعوا ليتورجيةً خاصّةً لرتبة غسل الأرجل، يذكّروننا بتفاصيلها الرائعة، ومن بينها الحوار المؤثّر الذي دار بين الرب يسوع ومار بطرس رئيس الإثني عشر. هذه الرتبة الجميلة والعميقة بروحانيتها درسٌ لنا في التواضع وتجنُّب الكبرياء. وهنا لا يسعنا إلا أن نتذكّر كم لرذيلة الكبرياء من آثارٍ سلبيةٍ على علاقاتنا، الواحد مع الآخر، حتّى بين الأصدقاء وبين أعضاء العائلة الواحدة. وكم نعاني من الكبرياء والعناد، عندما نقرأ ونسمع ما يدور في مجتمعاتنا وفي بلدنا ومؤسّساتنا كافّةً!". 

    وأشار غبطته إلى أنّ "في كلمات يسوع وهو يكسر الخبز ويبارك الخمر، تأسّس سرّ الإفخارستيا، أي سرّ الشكر، وهو معجزة الحبّ الإلهي. كما يُدعى هذا السرّ، قمّة الأسرار الإلهية. لذلك نحن في طقسنا السرياني نفضّل أن ندعو القداس ܩܽܘܪܒܳܢܳܐ، أي القربان، حيث الرب يسوع هو الكاهن الأعظم، وفي الوقت ذاته هو القربان المقدس، أي الضحية على مذبح الحبّ الإلهي"، منوّهاً إلى أنّه "في العشاء الأخير، ليلة الآلام والصلب، أكمل الرب يسوع الناموس. فأكل الفصح اليهودي مع تلاميذه، ومنحهم فصحاً جديداً بجسده ودمه. وهكذا ألغى الذبائح الحيوانية، ورسم الذبيحة السرّية غير الدموية التي نجد لها رمزاً عندما قدّم ملكيصادق ملك ساليم الخبز والخمر. فالمسيح هو فصحنا الجديد، به تبرّرنا وتقدّسنا، وبه نلنا التبنّي للآب السماوي". 

    وذكّر غبطته بأنّ "الرب يسوع لم يكتفِ بمنح تلاميذه سرّ الإفخارستيا في ذاك خميس الأسرار، بل رسمهم أيضاً كهنةً لعهده الجديد، بقوله لهم "اصنعوا هذا لذكري كلّما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس. وامتثالاً لأمر الرب يسوع، اعتبرت الكنيسة أنّ خميس الأسرار هو ولادة الكهنوت. فالكاهن المكرَّس لخدمة شعب الله يقدّس المؤمنين باحتفاله بالأسرار، سيّما سرّ ذبيحة القداس، التي بها تتّحد الجماعة المؤمنة بفاديها، كما تتّحد فيما بينها في شركة المحبّة. إنّ الكاهن مدعوٌّ لتدبير شؤون رعيته بجمعهم في عائلة واحدة مؤمنة. لذا اعتاد المسيحيون على احترام سرّ الكهنوت، واعتدنا أن نسمّي الكاهن "أبونا"، أي الأب الروحي الذي يذكّرنا بدعوتنا إلى القداسة. فلا بدّ من أن يضحي الكاهن باتّحاده بالمسيح مسيحاً آخر، فيحقّ له أن يردّد مع مار بولس الرسول: لستُ أنا الذي أحيا، بل المسيح يحيا فيَّ". 

    وشدّد غبطته على أنّ "الكنيسة، أنتم المؤمنون ونحن الإكليروس، ترجو أن يشعّ الكهنة نوراً وصلاحاً، فيحتفلوا بالقداس بخشوع ورهبة، مبتعدين عن الرتابة، أي الروتين. نريدهم وهم يدعون لرفع أيدينا نحو العلى، أن يصبحوا قرباناً وجمرة نار تطهّرهم كما تطهّر نفوس المؤمنين المشتركين معهم حول مائدة المذبح". 

    وتضرّع غبطته "إلى الله كي يؤهّلنا أن نبتعد عن روح الكبرياء، ونحبّ بعضنا بعضاً، لأنّ ثمار المحبّة هي التواضع والوداعة. كما نسأله كي يحفظ هؤلاء الأبناء الأعزاء الذين قمنا بغسل أقدامهم، ويؤهّلهم ليسلكوا السبل المستقيمة، مهنّئين إيّاهم بالنعمة التي نالوها من الرب يسوع". 

    ورفع غبطته الصلاة "في هذه الأيّام المباركة، نصلّي من أجل أن يحلّ الله أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصة في شرقنا الغالي. فلنصلِّ من أجل إخوة وأخوات لنا في لبنان، كما نذكر أبناءنا وبناتنا في سوريا والعراق الذين لا يزالون يقاسون المحن... ونضرع أن يحلّ الأمن والسلام في العالم... ونصلّي من أجل كنائسنا في سائر البلاد الشرق أوسطية كما في بلدان الانتشار، كي يستطيعوا العيش بالكرامة الإنسانية، متمتّعين بالحقوق وقائمين بالواجبات كما سائر المواطنين دون تمييز". 

    وختم غبطته موعظته بالقول: "هذا ما نطلبه من الرب بكلّ إيمان وثقة ورجاء، كي نحتفل بفرح وسلام بعيد قيامة يسوع فادينا، بشفاعة أمّنا السماوية مريم العذراء، سيّدة البشارة، وجميع القديسين ثمّ تابع غبطته القداس الإلهي، وبعد المناولة، أقيم زيّاح القربان المقدس، وفي نهايته جرى صمد القربان على منصّة وُضِعت فوق المذبح الرئيسي داخل الكاتدرائية ليتبارك منه المؤمنون طوال الليل. 

    وبعد فترة من السجود والتأمّل، طاف غبطته في زيّاح حبري داخل الداتدرائية، ثمّ منح غبطته المؤمنين البركة الختامية.

 

إضغط للطباعة