في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الأربعاء 29 حزيران 2022، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، في القداس الإلهي الذي ترأّسه قداسة البابا فرنسيس بمناسبة عيد هامتَي الرسل القديسين مار بطرس ومار بولس، وذلك في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
احتفل بالذبيحة الإلهية صاحب النيافة الكردينال جيوفاني باتيستا راي عميد مجمع الكرادلة، وشارك فيها عدد كبير من أصحاب النيافة الكرادلة وأصحاب السيادة رؤساء الأساقفة والأساقفة وكهنة من مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن جماهير وحشود غفيرة من المؤمنين الذين قَدِموا من أماكن وبلدان عديدة للمشاركة في هذه المناسبة. وقد رافق غبطةَ أبينا البطريرك، المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
كما شارك في هذه المناسبة وفدٌ يمثّل قداسة البطريرك المسكوني برتلماوس الأول، بطريرك القسطنطينية للروم الأرثوذكس، بحسب العادة السنوية، بحيث يوفد البطريرك المسكوني ممثّلين عنه للمشاركة في هذه المناسبة، وبالمقابل يوفد قداسة البابا ممثّلين عنه للمشاركة بعيد القديس أندراوس شفيع الكرسي القسطنطيني.
وقد جلس غبطة أبينا البطريرك في المقدّمة، الأول إلى جانب قداسة البابا، في الصفّ الأمامي الأول المخصَّص للكرادلة والأساقفة، في بادرة والتفاتة خاصّة تحمل في طيّاتها دلالات على ما للكنيسة السريانية الأنطاكية ولغبطته من احترام وتقدير خاصّ لدى الكرسي الرسولي.
خلال القداس، منح قداسة البابا درع التثبيت "الباليوم" لرؤساء الأساقفة الأربعة والأربعين الجدد الذين عُيِّنُوا خلال العام المنصرم، وذلك بحسب العادة المتَّبعة في الكنيسة اللاتينية.
وبعد الإنجيل المقدس، ألقى قداسة البابا موعظة روحية أكّد فيها على أنّ "إعلان الإنجيل ليس محايداً، ولا يترك الأمور كما هي، ولا يقبل التسوية مع منطق العالم، بل على العكس، يشعل نار ملكوت الله حيث تسود الآليات البشرية للسلطة والشرّ والعنف والفساد والظلم والتهميش"، منوّهاً إلى أنّ "شهادة الرسولين العظيمين بطرس وبولس تعيش اليوم مجدّداً في ليتورجية الكنيسة. قال ملاك الرب إلى الأول، الذي أرسله الملك هيرودس إلى السجن: "قُمْ على عَجَل"، أمّا الثاني، وإذ يلخِّص حياته كلّها ورسالته، يقول: "جاهَدتُ جهاداً حسناً". لنلقِ نظرةً على هذين الجانبين – النهوض على عجَل ومجاهدة الجهاد الحسن -، ولنسأل أنفسنا ما الذي يقترحاه على الجماعة المسيحية اليوم، فيما تتمُّ العملية السينودسية".
ولفت قداسته إلى أنّنا "نحن أيضاً، كتلاميذ للرب وكجماعة مسيحية، مدعوون لكي ننهض على عَجَل، على مثال بطرس، لكي ندخل في ديناميكية القيامة ونسمح للرب أن يقودنا على الدروب التي يريد أن يرينا إيّاها... إنّ السينودس الذي نحتفل به يدعونا لكي نصبح كنيسة تنهض وتقف، غير منغلقة على نفسها، قادرة على أن تدفع نظرها إلى ما هو أبعد والخروج من سجونها لكي تذهب للقاء العالم. كنيسة بلا قيود وجدران، يشعر فيها الجميع بالاستقبال والمرافقة، ويتمّ فيها تعزيز فنّ الإصغاء والحوار والمشاركة، تحت سلطة الروح القدس الوحيدة. كنيسة حرّة ومتواضعة، "تقوم على عجَل"، ولا تتباطأ، ولا تؤخّر تحدّيات اليوم، ولا تبقى في الحظائر المقدسة، بل تسمح بأن يحرّكها شغف إعلان الإنجيل والرغبة في الوصول إلى الجميع واستقبال الجميع".
وأشار قداسته إلى أنّ "بولس الرسول يشير إلى المواقف التي لا تُعَدّ ولا تُحصى، والتي تميّزت أحياناً بالاضطهاد والألم، والتي لم يوفِّر فيها نفسه في إعلان إنجيل يسوع. والآن، في نهاية حياته، يرى أنّه لا يزال هناك في التاريخ معركة كبيرة قائمة، لأنّ هناك كثيرين غير مستعدّين لقبول يسوع، ويفضِّلون اتّباع مصالحهم الخاصّة ومعلِّمين آخرين. لقد جاهد بولس جهاده، والآن بعد أن أنهى السباق، يطلب من تيموثاوس وإخوة الجماعة أن يواصلوا هذا العمل بالسهر والإعلان والتعليم: باختصار، يجب على كلّ فرد أن يتمِّم الرسالة الموكَلة إليه ويقوم بدوره".
ونوّه قداسته إلى أنّه "منذ أن قام الرب يسوع المسيح من الموت، جعل نقطة فاصلة في التاريخ، بدأت معركة عظيمة بين الحياة والموت، بين الرجاء واليأس، بين الاستسلام للأسوأ والنضال من أجل الأفضل، معركة لن تكون لها هدنة حتّى الهزيمة النهائية لجميع قوى الكراهية والدمار".
وتساءل قداسته: "ماذا يمكننا أن نفعل معاً، ككنيسة، لنجعل العالم الذي نعيش فيه أكثر إنسانية، وأكثر عدلاً، وأكثر تضامناً، وأكثر انفتاحاً على الله والأخوَّة بين البشر؟ لا يجب علينا بالتأكيد أن ننغلق على ذواتنا في حلقاتنا الكنسية وأن نثبت أنفسنا في بعض مناقشاتنا العقيمة، وإنّما علينا أن نساعد بعضنا البعض لكي نكون خميراً في عجينة العالم. معاً يمكننا، بل يجب علينا أن نعمل من أجل رعاية الحياة البشرية، وحماية الخليقة، وكرامة العمل، ومشاكل العائلات، ووضع المسنّين والذين تمّ التخلّي عنهم، والمنبوذين والمحتقَرين. باختصار، علينا أن نكون كنيسة تعزّز ثقافة الرعاية والرحمة تجاه الضعفاء، وتكافح ضدّ جميع أشكال التدهور، بما في ذلك تدهور مدننا والأماكن التي نتردّد عليها، لكي يسطع فرح الإنجيل في حياة كلّ فرد: هذا هو جهادنا الحسن".
وختم قداسته موعظته قائلاً: "أيّها الإخوة والأخوات، اليوم، ووفقاً لتقليد جميل، يتلقّى رؤساء الأساقفة المعيَّنون حديثاً درع التثبيت. وبالشركة مع بطرس، يُدْعَون لكي "يقوموا على عجَل" ليكونوا حرّاساً متيقّظين للقطيع و"يجاهدوا الجهاد الحسن"، ليس بمفردهم أبداً، وإنّما مع شعب الله المقدّس والأمين... لِنَسِرْ معاً، لأّننا فقط معاً يمكننا أن نكون بذاراً للإنجيل وشهوداً للأخوَّة. ليشفع بنا القديسان بطرس وبولس، وبمدينة روما والكنيسة والعالم بأسره".
وبعد القداس، رفع غبطة أبينا البطريرك الصلاة قرب ضريح القديس بطرس، سائلاً الله، بشفاعة هذا القديس العظيم، أن يبارك أبناء الكنيسة في كلّ مكان، ويحلّ أمنه وسلامه في شرقنا المعذَّب وفي العالم كلّه، ويجعل منّا على الدوام شهوداً حقيقيين له، نعكس صورته وننشر حولنا إنجيل المحبّة والفرح والسلام.
|