في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة 7 تشرين الأول 2022، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، برتبة تولية وتنصيب صاحب السيادة مار أفرام إيلي وردة مطراناً لأبرشية القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان، وذلك في كاتدرائية سيّدة الوردية للسريان الكاثوليك، في حيّ الظاهر - القاهرة، مصر.
عاون غبطتَه صاحبا السيادة: مار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن، والذي قام بمهمّة المدبّر البطريركي لأبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي.
كما شارك في الرتبة أصحاب السيادة: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا والمدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماة والنبك، والمطران جورج أسادوريان المعاون البطريركي للأرمن الكاثوليك، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
وحضر الرتبة صاحب السيادة المطران نيكولا تيفينان السفير البابوي في مصر، والمطران توماس عدلي ممثّلاً صاحب الغبطة ابراهيم اسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك ورئيس مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في مصر، والأنبا أنجيلوس ممثّلاً صاحب القداسة الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، وكلاوديو لوراتي مطران اللاتين في مصر، وجورج شيحان مطران مصر للموارنة، وكريكور أوغسطينوس كوسا مطران مصر للأرمن الكاثوليك، وأشود مناتسكنيان مطران مصر للأرمن الأرثوذكس، والربّان فيليبّس عيسى كاهن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر، والخوراسقف بولس ساتي المدبّر البطريركي للكنيسة الكلدانية في مصر، والأرشمندريت دامسكينوس الأذرعي الأمين العام لمجلس كنائس مصر، والأرشمندريت بيو فرح ممثّلاً سيادة مطران مصر للروم الملكيين الكاثوليك جان ماري شامي، والأستاذ جرجس صالح مسؤول العلاقات مع الكنائس في بطريركية الأقباط الأرثوذكس والأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس، وبحضور ومشاركة كهنة أبرشية القاهرة السريانية الكاثوليكية، وجموع غفيرة من المؤمنين أعضاء الأبرشية وضيوفها، ووالدة المطران الجديد. وخدم الرتبة جوق الكاتدرائية، فيما أشرف على الاستقبال والتنظيم فوج كشّافة القديس ميخائيل للسريان الكاثوليك.
كما حضر الرتبة أيضاً سعادة سفير لبنان في مصر الأستاذ علي الحلبي، واللواء ابراهيم عبدالله نائب محافظ القاهرة في المنطقة الغربية، والأستاذ روجيه شقّال رئيس الجمعية الخيرية للسريان الكاثوليك في القاهرة ومستشار الكرسي الرسولي، وعدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين في القاهرة.
بدايةً، دخل غبطة أبينا البطريرك إلى الكاتدرائية بموكب حبري مهيب، على وقع المعزوفات الكشفية التي أدّتها الفرقة الموسيقية في فوج كشّافة القديس ميخائيل، يتقدّمه الأساقفة والكهنة والشمامسة، فيما الجوق ينشد ترنيمة استقبال رؤساء الأحبار.
ثمّ ترأّس غبطته رتبة تولية وتنصيب صاحب السيادة مار أفرام إيلي وردة مطراناً على أبرشية القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان، بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، يعاونه أصحاب السيادة المطارنة.
وخلال الرتبة، طاف المطران الجديد بزيّاح حبري داخل الكنيسة، يحيط به المطرانان العرّابان أفرام سمعان وفراس دردر، كي يعرّفا أبناء الأبرشية على راعيهم الجديد، والمؤمنون بدورهم يصفّقون ويهتفون معبّرين عن فرحهم بمطرانهم الجديد.
وبعدما رنّم المطران الجديد إنجيل الراعي الصالح، تلا سيادة المطران يوسف عبّا، كتاب التولية الشرعية الذي وجّهه غبطته إلى المطران الجديد، وفيه يعلن غبطته عن رسامة المطران الجديد وتوليته شرعاً على أبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان، حسبما تقتضيه القوانين الكنسية المرعية، مستعرضاً أهمّ مراحل حياة المطران الجديد وخدمته، مسلّماً إيّاه مقاليد المسؤولية ورعاية الأبرشية، وموصياً إيّاه بالتعاون مع الإكليروس والمؤمنين في إدارة شؤون الأبرشية، بروح الراعي الصالح والخادم الأمين.
ثمّ ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة روحية، أعرب في مستهلّها عن الفرح بالاحتفال برتبة تولية المطران الجديد في "يوم عيد الوردية المقدسة، سلطانة الوردية مريم العذراء التي سُمِّيَت بهذا الاسم في القرن السادس عشر، وعلى اسمها دُشِّنَت هذه الكاتدرائية، نهنّئ الجميع بهذا العيد، ولا سيّما أخوية سيّدة الوردية في هذه الكاتدرائية".
ونوّه غبطته باعتزاز إلى أنّ "مصر العزيزة تحتفل اليوم بذكرى 6 أوكتوبر، ذكرى الانتصار وسلام الشجعان، نطلب منه تعالى أن يحفظ هذا البلد العزيز مثالاً مُشعّاً في منطقة الشرق الأوسط".
وشكر غبطته "بشكل خاص أخانا صاحب السيادة مار يعقوب أفرام سمعان، الذي تولّى تدبير هذه الأبرشية منذ شغور كرسيها بوفاة المثلَّث الرحمات مار اقليميس يوسف حنّوش الذي افتقدناه وهو في عزّ عطائه".
وتأمّل غبطته بقول مار بولس في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس "إحفظ الوديعة التي أُعطِيَت لك"، مشدّداً على أنّ "الأسقفية، وإن كانت كرامة، فلا تعني منصباً أو شرفاً، كما يظنّ البعض، إنّما هي وديعة. فالأسقفية هي دعوة، نعم للكرامة، ولكن لكرامة "العمل الصالح"، لكرامة إتمام الرسالة التي وصلت إلينا من الرب يسوع عن طريق الرسل. الكرامة تعني أنّ المطران مستعدٌّ أن يقوم بهذه الرسالة مهما صعبت الأحوال، ومهما كانت التحدّيات كثيرة، كما سمعنا من الإنجيل المقدس: الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف".
ولفت غبطته إلى أنّ "على الذي يشتهي الأسقفية أن يتحمّل مسؤولياتها، في الخدمة المتجرّدة، وفي الشهادة للرب يسوع حتّى الاستشهاد. ونحن نعلم أنّ أعداداً لا تُحصَى من أساقفة الكنيسة وآبائها ظلّوا أمناء للمعلّم الإلهي حتّى الاستشهاد حبّاً به. وسيّدنا مار أفرام إيلي وردة لبّى بحرّيته الكاملة الدعوة للخدمة في هذه الأبرشية وفي مصر العزيزة على قلوبنا، مسلّماً ذاته للرب، كما خدم كنيسة الانتشار في رعية مار أفرام في باريس وفي العديد من إرساليات فرنسا طوال 15 سنة".
وأشار غبطته إلى أنّ "المطران مار أفرام إيلي، بقبوله الخدمة الأسقفية لأبرشية القاهرة، يعلم أنّه دُعِيَ للكرامة الأسقفية، أي للرسالة الأسقفية، إذ قد لبّى نداء الرب ليكون راعياً صالحاً حقيقياً، يخدم بمحبّة ووداعة وتواضع، ويبذل نفسه عن الإخوة والأخوات الموكَلِين إلى خدمته. هذا ما نعلمه وما تعلّمناه من الذين نقلوا إلينا البشرى".
وذكّر غبطته المطرانَ الجديدَ مار أفرام إيلي أنّه "عندما رشّحه بطريرك كنيستنا، وهو الأب والرئيس للكنيسة الخاصة وراعيها، وعندما انتخبه آباء المجمع المقدس، عليه أن يتذكّر أن يظلّ ويبقى أميناً:
أولاً، للرب الذي دعاه وهيّأه لهذه الخدمة، لذا عليه أن يتّكل كلّياً على النعمة الإلهية التي تقوّيه. فلا يكتفي فقط بحمل الصليب على صدره، والصليب هو لنا الخلاص والفخر، "ܨܠܺܝܒܳܐ ܐܳܬܳܐ ܕܫܰܝܢܳܐ ܨܠܺܝܒܳܐ ܢܺܝܫܳܐ ܕܙܳܟ̣ܽܘܬܳܐ"، هذا ما نرتّله في صلواتنا الفرضية بالسريانية: "الصليب هو آية الأمان، الصليب هو علامة الانتصار". فيحمل الصليب على صدره بقبوله أن يحمل صليبه وصلبانه على كتفيه، ويعتزّ بأنّه يتبع الرب يسوع على طريق الصليب. كما عليه أن يتمسّك بحقائق الإيمان الموحاة، ويتخلّق بالأخلاق الإنجيلية دون انتقاص ولا مساومة، ويدافع عن العائلة، الكنيسة البيتية، وعن قدسية الحياة من المهد إلى اللحد.
ثانياً، عليه أن يبقى أميناً لكنيسته السريانية التي عانت الكثير من المآسي على مدى القرون والأحقاب، لكنّها ظلّت شاهدةً للرب حتّى الاستشهاد، كما الآباء والأجداد في القرن المنصرم ومنذ سنوات، إن كان في تركيا أو في العراق وسوريا، وأيضاً نتذكّر الشهداء الذين سُفِكَت دماؤهم هنا في أرض مصر الغالية. عليه أن يتذكّر أنّ كنيسته تحتاج إليه كي تبقى ناصعةً نقيّةً، عروساً للختن السماوي.
وأخيراً وليس آخراً، عليه أن يبقى أميناً لهذا الشعب الطيّب الذي استقبله اليوم، والذي دُعِيَ لكي يخدمه بالأمانة، هذه الأبرشية بكهنتها ومؤمنيها فَرِحَة أن تستقبل راعيها الجديد، وتأمل أن يكون لها الأب المتفاني، والأخ الوديع والمتواضع القلب، والصبور والرائد للمحبّة بين المؤمنين في أبرشيته. عليه أن يعامل الجميع بالاحترام والتقدير والمساواة، عاملاً بالشعار الذي اتّخذه لخدمته الأسقفية، قول هوشع النبي: "أريد رحمةً لا ذبيحة" (هوشع 6: 6)".
وأكّد غبطته أنّنا "بمشاركتنا وحضورنا هذا الاحتفال الكنسي المعبِّر، نَعِدُه بصلواتنا من أجله، واثقين بأنّه سيسعى لإتمام رسالته وخدمته بهذه الأمانة المطلوبة منه بحسب قلب الرب يسوع"، متضرّعاً في ختام موعظته "إلى الرب الإله، بشفاعة أمّنا السماوية، سيّدة الوردية المقدسة، كي تتشفّع له بحنان الأمّ الرؤوم لدى ابنها الإلهي، ليكمّله بنعمته، ويفيض عليه مواهب روحه القدوس، لمجده تعالى، ولخير أبرشيته والكنيسة جمعاء، فيشهد للرب، ليس فقط بالكلام، ولكن أيضاً بحياةٍ معاشةٍ يومياً، إن كانت في الأفراح أو في الآلام والصعوبات، ويكون دوماً الراعي الصالح" (تجدون النصّ الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك في خبر خاصّ على صفحة الأخبار البطريركية الرسمية هذه).
بعدئذٍ أجلس غبطتُه المطرانَ الجديدَ على كرسي الأبرشية، منادياً "أكسيوس" أي مستحقّ. ثمّ وبحركة ليتورجية رائعة يمتاز بها الطقس السرياني، أمسك غبطته العكّاز الأبوي من الأعلى، يليه الأساقفة، كلٌّ بحسب أقدمية سيامته الأسقفية، ثمّ يد المطران الجديد من أسفل. فرفع غبطتُه يدَ المطران الجديد وسلّمه العكّاز ليبارك به المؤمنين.
وبعدها ألقى المطران الجديد مار أفرام إيلي وردة كلمة شكر فيها الرب الذي اختاره بعنايته الإلهية لخدمة هذه الأبرشية، طالباً نعمته كي يقوم بالخدمة بالتضحية والبذل والعطاء والانفتاح والتلاقي والاحترام والأمانة، وبروح المحبّة والتواضع، بقوّة الصليب المقدس، علامة التعزية والشفاء والخلاص، بالاعتماد على الإنجيل المقدس الذي منه يستقي تعاليم حياته، واليوم خدمته الأسقفية في التعليم والتدبير والتقديس والعناية بإخوته وأخواته دون تمييز، خاصّةً بالمعذَّبين والمقهورين وذوي الحاجات الخاصّة.
وأعرب سيادته عن فرحه بالدخول إلى الأبرشية على مرأى الجميع، لا للتباهي، وإنما لأنّه أُرسِلَ إلى الجميع، كالراعي الصالح الذي يعرف خرافه وخرافه تعرفه ويبذل نفسه من أجلها، شاكراً المثلَّثي الرحمات: الأساقفة الذين تعاقبوا على خدمة هذه الأبرشية، والبطاركة الذين اهتمّوا بها عندما كانت نيابة بطريركية، مشيراً إلى أنّ الجماعة السريانية الكاثوليكية كانت أول جماعة كنسية اتّحدت بالكرسي الروماني في مصر.
ووجّه سيادته الشكر الخالص "بكلّ إجلال ووقار إلى صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، للدور الأبوي والرعوي البالغ الأثر، وللشجاعة والجرأة المميَّزتين للمطالبة بحقوق أبنائه وبناته في أرض الآباء والأجداد من دون تعب أو كلل أو تراجُع. أشكركم يا صاحب الغبطة لكلّ ما قدّمتموه وتقدّمونه في سبيل استمرارية كنيستنا السريانية الكاثوليكية ورسالتها وإشعاعها في العالم، وأشكركم خاصّةً لترؤُّسكم اليوم هذا الاحتفال المقدس وتسليمي مقاليد هذه الأبرشية".
وشكر سيادتُه أصحابَ السيادة الأساقفة المرافقين لغبطته، والوفد المرافق له من الدائرة البطريركية، خاصّاً بالشكر سيادة المطران أفرام سمعان "لكلّ المحبّة والسهر والتدبير الحكيم والمثمر في إدارة هذه الأبرشية وتنظيم مؤسّساتها كمدبّر بطريركي عليها طوال فترة شغور كرسيها الأسقفي منذ أكثر من سنتين، فلك منّي أيّها الأخ الحبيب كلّ المودّة والتقدير والاحترام، وكافأك الرب يسوع رئيس الأحبار لكلّ أتعابك وجهودك الجبّارة التي نالت إعجاب وتقدير الجميع"، شاكراً أيضاً سيادة السفير البابوي وممثّلي البطاركة والأساقفة والخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والأهل والأصدقاء، ووالدته وعائلته، وكهنة أبرشية القاهرة وشمامستها ومؤسّساتها وأبناءها وبناتها (تجدون النصّ الكامل لكلمة سيادته في خبر خاصّ على صفحة الأخبار البطريركية الرسمية هذه).
وكان سيادة المطران مار يعقوب أفرام سمعان قد ألقى كلمة في بداية الاحتفال، شكر في مستهلّها غبطةَ أبينا البطريرك على تدبيره للكنيسة السريانية بالجهد والتعب وبروح الحقّ، بالنعمة العظيمة والموهبة التي أُعطِيَت له من الرب، وشاكراً إيّاه خاصّةً على ثقته بتسليمه مهمّة تدبير أبرشية القاهرة خلال فترة شغورها.
وهنّأ سيادته أخاه المطران الجديد الذي يتسلّم اليوم رعاية هذه الأبرشية، حاثّاً الكهنة والمؤمنين فيها على استقباله بروح الأبناء، بالفرح والسرور والطاعة البنوية، سائلاً الله أن يقبل منه الخدمة التي قام بها كمدبّر بطريركي لهذه الأبرشية، وهو يشعر اليوم بالرب يقول له "أدِّ حسابَ وكالتك" عن الخدمة في هذه الأبرشية المباركة التي أحبّها ورعاها ودبّر شؤونها منذ شغورها لأكثر من سنتين، شاكراً جميع الذين عملوا معه طيلة هذه المدّة من الكهنة والعلمانيين العاملين في المؤسّسات، وشاكراً أيضاً جميع الضيوف الحاضرين في رتبة التولية هذه.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، التقى بالمؤمنين الذين عبّروا عن فرحهم العارم بلقاء أبيهم الروحي العام. وهنّأ الجميعُ المطرانَ الجديدَ، داعين له بالنجاح والتوفيق في خدمته.
|