في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأربعاء 19 تشرين الأول 2022، قام غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بزيارة رسمية إلى صاحب القداسة ساهاك ماشليان، بطريرك الأرمن الأرثوذكس في تركيا، وذلك في مقرّ كرسيه البطريركي في اسطنبول – تركيا.
بدايةً، استُقبِل غبطةُ أبينا البطريرك من قِبَل قداسته أمام المدخل الخارجي لكاتدرائية الكرسي البطريركي، حيث دخل البطريركان إلى الكاتدرائية بزيّاح حبري مهيب، وترأّسا صلاةً مشتركةً بحسب الطقس الأرمني، رُفِعَت على نيّة السلام في تركيا والشرق الأوسط والعالم.
واللافت خلال الصلاة، أنّه تمّ ذكر اسم قداسة البابا فرنسيس وغبطة أبينا البطريرك إلى جانب اسم قداسة بطريرك الأرمن الأرثوذكس في الطلبات، في إشارة رمزية إلى العلاقة الأخوية بين الكنيستين.
وألقى قداسة البطريرك الأرمني كلمة رحّب فيها بغبطته، فقال:
"إنّ زيارتكم إلى تركيا، يا صاحب الغبطة، جلبت الفرح إلى جماعة المؤمنين. زيارتكم إلى بطريركية الأرمن في تركيا هي مناسبة لمشاركة فرح جماعة كنيستنا السريانية الشقيقة. بالأصالة عن نفسي كبطريرك الأرمن في تركيا، وأعضاء المجلس الكهنوتي والإكليروس، يسرّنا أن نحيّيكم كأخينا بالرب يسوع المسيح. أهلاً وسهلاً بكم.
خلال زيارتكم هذه إلى تركيا، افتتحتم كنيسة دير مار أفرام في ماردين، والتي رمّمتموها للعبادة، ورسمتم الأب جيمي سركك كخادم جديد لجسد المسيح السرّي. نشكر الرب على هاتين المناسبتين المباركتين، ويسرّنا أن نؤكّد لكم أنّنا نشارككم في صلواتكم من أجل خير الكنيسة والمؤمنين.
الرعاة الروحيون للكنائس في بلدنا الأمّ، تركيا، يذكرون جيّداً كلمات الرب يسوع المسيح: "يا أبتي، بما أنّك أنت فيّ وأنا فيك، فليكونوا هم أيضاً فينا، ليؤمن العالم أنّك أنتَ أرسلتَني. لقد أعطيتُهم المجد الذي أعطيتَني، لكي يكونوا واحداً، كما نحن واحد". بهذا الاحترام، نحن واثقون أنّ العلاقات المسكونية في هذا البلد توجّه رسالة إيجابية للعالم، وأنّ هذه العلاقات الأخوية هي منبع فرح روحي لنا جميعاً.
نجد معنى الأخوّة والوحدة في كتاب المزامير: "ما أجمل وما أحلى أن نعيش الوحدة، كإخوة وأخوات". في عالم اليوم، لا بدّ لنا أن نحتمي في كنف المسيح لمواجهة الأخطار التي تحدق بالإنسانية. إنّنا نمرّ بفترة وصلت معها النزاعات ذات المنافع الاجتماعية والاقتصادية إلى حدود تهدّد العالم بكامله، فضلاً عن أنّ رغبة الناس بالعيش بسلام في جوّ من المحبّة والاحترام المتبادَلين أضحت متجاهَلة. للأسف، في أيّام النزاعات المحتدمة هذه، أضحينا شهوداً على المعاناة المستمرّة للشعب المؤمن.
نصلّي من أجل السلام في العالم، من أجل أولئك الذين يسعون جاهدين لإحلال السلام في العالم، تقودهم كلمات المسيح: "مبارَكون هم صانعو السلام، لأنّهم أبناء الله يُدعَون"، ونستمرّ بالصلاة دون كلل. لن تكون قوّتنا وحدها كافية لبناء السلام، ولكن بقوّة الإيمان في قلوبنا، ومع كلمات الرب يسوع: "إسألوا تُعطَوا، أطلبوا تجدوا"، إقرعوا يُفتَح لكم. لأنّ كلّ من يسأل ينَل، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتَح له".
فليقبل الله كلّ صلواتنا. فلتصمت الأسلحة في العالم. ليت الشعوب تحيا بموجب القيم التي تعتبرها سرّية ومقدسة، كلٌّ بحسب معتقداته. فليحلّ الصوت الإنساني محلّ النار. فلنصلِّ من أجل أن يسود السلام في العالم. فليكفّ مستقبل البشرية وفرح الأجيال عن أن يكون حلماً، وليصبح العيش بسلام حقيقة مُعاشة.
بهذه المشاعر نستقبلكم ونحيّيكم، ومعكم إخوتنا بالروح أعضاء الوفد المرافق لكم، في حمى أمّنا مريم العذراء، سائلين شفاعتها، وجميع القديسين، ونحن نلتمس من الرب يسوع أن يبارك صلواتنا وتضرّعاتنا.
فلتكن نعمة ومحبّة وقوّة الآب والابن والروح القدس معكم جميعاً".
ثمّ ردّ غبطة أبينا البطريرك بكلمة قال فيها:
"صاحب القداسة الأخ العزيز بالرب يسوع،
إخوتي رؤساء الأساقفة والأساقفة والخوارنة والكهنة والمشامسة والجوق وشعب الله المبارَك،
أوصانا الرب يسوع: "بهذا تُعرَفون بأنّكم تلاميذي، إن كنتم تحبّون بعضكم بعضاً".
صاحب القداسة،
لقد اختبرتُ، ولستُ فقط أتكلّم بالمشاعر، لكنّي متيقّنٌ أنّ محبّة الله تجمعنا كأبناء وبنات كنيستين شقيقتين، الكنيسة الأرمنية الرسولية لبطريركية الأرمن الأرثوذكس، وكنيسة السريان الكاثوليك الأنطاكية البطريركية. نعيش ما طلبه منّا يسوع أن "اذهبوا واشهدوا أنّ الرب هو محبّة".
عندما قرأتُ وسمعتُ في الطلبات خلال هذه الصلاة التي أقمناها معاً، صلاة للبابا فرنسيس ولي كأخيكم البطريرك، سُرِرتُ جداً أن أعرف وألمس بأنّ المسيحيين هنا في اسطنبول يعيشون وصية الرب بأن يحبّوا بعضهم بعضاً.
وكما تعلمون، قداستكم، إنّ تلاميذ الرب يسوع دُعُوا أولاً مسيحيين في أنطاكية، هذه المدينة، مدينة الشهداء الأوائل وآباء الكنيسة الذين كان أسقفهم الثالث مار اغناطيوس الذي لا نزال نكرّمه، هذه الكنيسة لم تعد تعرف أيَّ بطريرك يقيم في تلك المدينة. إنّها مشيئة الله أن تتعرّض الكنيسة للتجربة والامتحان، وقد وصلت إلى حدّ احتمال العديد من الملاحقات والمضايقات الاضطهادات والصعوبات ومواجهة تحدّيات كثيرة في شهادتنا المسيحية في هذه المنطقة، سواء في الشرق الأوسط أو في جمهورية تركيا.
أشكركم كثيراً على استقبالكم الأخوي، وأعدكم أنّي سأذكر جيداً وبفخر زيارتي إلى قداستكم وإلى هذه الكنيسة المباركة، كنيسة الأرمن الرسولية في اسطنبول. سنُبقي الرجاء فينا مشتعلاً، بأنّ يسوع لن يترك كنيسته أو يهملها أبداً، بل سيبقى معها على الدوام، سواء أكنّا أكثرية أو أقلّية. فنحن شعب الله وأتباع الرب يسوع، وسنظلّ مخلصين وأمناء للرب يسوع إذا حافظنا على المحبّة والاحترام والصلاة نحو الجميع.
شكراً جزيلاً يا صاحب القداسة".
وبعد الصلاة، انتقل البطريركان إلى الصالون البطريركي حيث عقدا لقاءً أخوياً دارت فيه الأحاديث عن الأوضاع العامّة في منطقة الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيها، فضلاً عن الأوضاع الراهنة من حروب ونزاعات وأزمات، ولا سيّما في تركيا ولبنان وسوريا والعراق، وتداعياتها الخطيرة، ومن أبرزها هجرة المسيحيين.
كما استعرض غبطته محطّات زيارته البطريركية إلى تركيا، من ماردين وطور عبدين، إلى اسطنبول، وأفسس وإزمير، والزيارة الرسمية إلى فخامة رئيس الجمهورية، معرباً عن فرحه وارتياحه بإتمام الزيارة، فيما هنّأه قداسة البطريرك الأرمني، متمنّياً أن تكون هذه الزيارة سبب بركة لأبناء الكنيسة السريانية الكاثوليكية والمسيحيين في تركيا.
وتطرّق غبطة أبينا البطريرك إلى تاريخ الكنيسة السريانية الكاثوليكية وواقع انتشارها في الشرق والغرب. كما تناول قداسة البطريرك الأرمني تاريخ كنيسته وكرسيه البطريركي.
ووجّه قداسة البطريرك الأرمني الشكر الجزيل لغبطة أبينا البطريرك على زيارته إلى تركيا وعلى هذا اللقاء الأخوي، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والتوفيق في رعاية الكنيسة السريانية الكاثوليكية في هذه الظروف الصعبة التي يعانيها المؤمنون في الشرق. فشكره غبطتُه بدوره، متمنّياً له النجاح في خدمته البطريركية لما فيه خير كنيسته الشقيقة، سائلاً الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم العذراء، أن يحفظ المسيحيين في هذه الأرض المباركة، أرض الآباء والأجداد، ليتابعوا الشهادة لإيمانهم رغم التحدّيات.
وأهدى قداسته إلى غبطة أبينا البطريرك هدية تذكارية من تراث مدينة اسطنبول، ومجموعة من الكتب من إصدارات البطريركية، تخليداً لهذه الزيارة وعلامة محبّة وإكرام.
وقدّم غبطته إلى قداسته ميدالية سيّدة النجاة البطريركية، عربون محبّة وشكر وتقدير.
هذا وقد رافق غبطةَ أبينا البطريرك في هذه الزيارة أصحابُ السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول رعوية الشبيبة، والخوارسقف أورهان شانلي النائب البطريركي في تركيا، والخوراسقف مارون كيوان رئيس المحكمة الكنسية الإبتدائية في أبرشية بيروت البطريركية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب عبدو أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان، والأب ريتشارد – دير الشرفة، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، والأب جيمي سركك الكاهن الجديد في النيابة البطريركية في اسطنبول، والسيّد منير حجّامه رئيس المجلس الملّي في اسطنبول، والسيّد شفيق شاميّه.
كما حضر اللقاء سيادة المطران دانيال مطران أميركا للأرمن الأرثوذكس.
|