في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من ليل يوم السبت 24 كانون الأول 2022، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بقداس منتصف ليل عيد ميلاد الرب يسوع، وذلك على مذبح كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه في القداس المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بمشاركة الأب ميشال حموي الكاهن المساعد في رعية سيّدة البشارة. وخدم القداس جوق الرعية، بحضور ومشاركة جمع من المؤمنين من أبناء الرعية.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد الميلاد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي. وفي نهايتها، رنّم غبطته الإنجيل المقدس، وخلاله أشعل ناراً في موقدة وزيّح فوقها الطفل يسوع. ثمّ قام بتطواف في الكنيسة حاملاً الطفل يسوع، يتقدّمه الإكليروس، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، وترانيم الميلاد. وبعد ذلك، وضع غبطتُه الطفلَ يسوع في المكان المُعَدّ كمذود داخل المغارة التي نُصِبَت بجانب المذبح.
وبعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك موعظته بالتحيّة الميلادية "وُلِدَ المسيح، هللويا"، وجاءت الموعظة بعنوان: "أمّا مريم فكانت تحفظ هذا كلّه وتفكّر به في قلبها"، فعبّر غبطته عن "الفرح الروحي الذي يعمّ العالم اليوم إذ تحتفل الكنيسة الجامعة في الشرق والغرب بعيد الميلاد، عيد ولادة الرب يسوع، كلمة الآب الأزلي، متّخذاً طبيعتنا البشرية من مريم العذراء، وهو من أجمل الأعياد، ومن المفترَض أن يكون أكثرها فرحاً وبهجةً، وفيه يعيش المؤمنون هذه الفرحة الكبيرة بأنّ الرب صار مثلنا، صار إنساناً كي يخلّصنا ويعيدنا إلى علاقة البنّوة مع الآب السماوي".
وتحدّث غبطته عن "القراءة الأولى التي استمعنا إليها من إشعيا النبي، إشعيا الذي عاش حياته منذ ستّمائة سنة قبل ميلاد يسوع، وهو يتنبّأ ويقول بأنّ الرب الملك سيولد من بيت داود، وسيحرّر البشرية بأسرها، ويعبّر عن هذه الفرحة بأنّ كلّ الكائنات تعيش وتتآلف بين بعضها، حتّى الوحوش المفترسة تبقى مع الحيوانات التي تفترسها بسلام وأمان. بالطبع يمكن اعتبار هذا الأمر خيالاً، لكنّه تعبيرٌ على أنّ ولادة الرب يسوع حدثٌ مهمٌّ جداً في تاريخ البشرية، لأنّه سيعطينا حقيقةً السلام الذي نسعى إليه. لقد عانى البشر على مدى تاريخهم من الشرّ والخطيئة وويلات العداوة بين بعضهم، لذلك يتنبّأ إشعيا عن معنى ميلاد الرب يسوع".
ولفت غبطته إلى أنّه "في القراءة الثانية يكتب بولس رسول الأمم إلى أهل غلاطية، وبولس بشّر الأمم أن يتذكّروا أنّ الله أرسل لنا مخلّصاً في الزمن المحدَّد، ليس إنساناً عادياً، إنّما هو إلهٌ وإنسان. فبولس يطلب من أهل غلاطية أن يعيشوا دعوتهم وإيمانهم واستقبالهم للرب يسوع في تجسُّده، وأن يعيشوا كتلاميذ للرب يسوع. وكما سمعنا من الإنجيل المقدس بحسب لوقا البشير، نكرّر ونتلو وننشد حدث الميلاد الأعجوبي المهمّ والأساسي في حياة المؤمنين والعالم".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "كنّا نتمنّى أن يحلّ هذا العيد في أوضاعٍ غير التي نعيشها، وكنّا نأمل أنّه بعد السنوات المخيفة التي مرّت على لبنان، يستحقّ اللبنانيون أخيراً أن يعيشوا بكرامتهم. لكنّكم تعرفون الأوضاع المخيفة التي حلّت باللبنانيين النزيهين والشرفاء، والذين يريدون أن يعيشوا بكرامتهم، فاستغلّهم السياسيون الذين لا يعرفون للأسف سوى التفتيش عن مصالحهم".
وأشار غبطته إلى أنّه "في هذا المساء استمعنا إلى قداس العيد من كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، هذه الكنيسة الشاهدة والشهيدة، فقبل 12 سنة هجم الإرهابيون الكفّار وقتلوا 48 شهيداً من أطفال وكبار. كان حاضراً في هذا القداس رئيس الجمورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب شخصياً، بينما نحن هنا في لبنان نتوسّل وندعو، ويرسلون إلينا ممثّلين يريدون أن يجلسوا في الصفّ الأمامي على كراسٍ خاصّة وكأنّهم آتون إلى حفلة تكريمية لهم وليس للصلاة، والرؤساء الثلاثة في العراق مسلمون، ومع ذلك أتوا وحضروا القداس واستمعوا إلى موعظة المطران. هذا الأمر لا يجعلنا نتشكّى ونتذمّر، فنحن ككنيسة سريانية كاثوليكية، عشنا وسنظلّ نعيش بكرامتنا، ولا نتوسّل ولا نشحذ من أحد كي يعطينا حقوقنا. لكن يجب أن نقول بأعلى الصوت إنّ هذا الوضع في لبنان ليس كما يحصل في سوريا والعراق، حيث المسيحيون يُضطهَدون ويُشرَّدون ويُهجَّرون. في لبنان، الغلطة الأكبر تقع على عاتق المسيحيين الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن تأسيس لبنان، ويتكلّمون كلاماً جميلاً، إنّما بالفعل هم بعيدون عن النزاهة وروح المسؤولية التي أوكلهم الشعب إيّاها. مع ذلك نأتي اليوم كالرعاة البسطاء، مع أولادنا وشبابنا وكبارنا، كي نستقبل الرب في عيد حقيقي هو عيد ميلاد الرب، أي نستقبله كمخلّص وإله السلام الذي صالح بين الله والبشر".
وتناول غبطته "موضوع رسالتنا لعيد الميلاد لهذا العام هو عن العائلة، وتعرفون الصعوبات التي تواجه العائلة هذه الأيّام في العالم، ولا سيّما لدى المسيحيين الذين يودّون أن يعيشوا دعوتهم المسيحية في سرّ الزواج المقدس. وللأسف نعلم من المحاكم الروحية أنّ دعاوى الخلافات الزوجية في ازدياد، ونحن نعرف تأثير ثقافة العالم الغربي على العالم بواسطة ما يُسمَّى وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام التي تسيطر على حياة الكثيرين".
وتضرّع غبطته "إلى الرب يسوع الولود طفلاً في بيت لحم، أن يبارك عائلاتنا، وبجاه ميلاده بيننا أن يذكّر الآباء والأمّهات أنّ الرب دعاهم كي يمنحوا الحياة، وأنّ الأولاد ليسوا لعبةً بين أيديهم، إنّما الأولاد أمانة في أعناقهم، ويجب أن يعرفوا أن يضحّوا بكلّ شيء وحتّى بعاطفتهم الإنسانية، فيسامحوا كي يقدروا أن يعطوا المَثَل لأولادهم في هذا الزمن الصعب".
وختم غبطته موعظته مبتهلاً "إلى الطفل الإلهي الذي ذهب الرعاة البسطاء وسجدوا له وعبدوه، وهو خالق الكون، وشاء أن يولَد في مذود حقير كي يعلّمنا أنّه صحيحٌ أنّنا نمرّ بأزمات كثيرة، ولكنّ المهمّ أن نستمدّ فرحنا منه، هو الرب الإله، مهما كانت صعوباتنا، وأن نتابع حياتنا بعيش الأمانة لهذا الطفل الإلهي، أمير السلام، المتواضع والمحبّ".
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل التهاني بالعيد من المؤمنين في جوّ من الفرح الروحي.
|