في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الخميس ٥ كانون الثاني ٢٠٢٣، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، في القداس الإلهي ورتبة جنّاز ودفن المثلَّث الرحمات قداسة البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر، وذلك برئاسة قداسة البابا فرنسيس، في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان.

    شارك في القداس ورتبة الجنّاز والدفن أصحابُ الغبطة بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وعدد كبير من الكرادلة ورؤساء الأساقفة والأساقفة والخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات والمكرَّسين ومئات الآلاف من المؤمنين غصّت بهم الساحة على رحبها، وهم قادمون من مناطق شتّى حول العالم، لا سيّما من إيطاليا وألمانيا.

    كما شارك عدد من الأساقفة ممثّلين الكنائس الأرثوذكسية، ورئيس جمهورية إيطاليا، ورئيس ألمانيا الاتّحادية، وملك بلجيكا، وملك إسبانيا، ورؤساء حكومات ووزراء يمثّلون دول عدّة.

    وبعد الإنجيل المقدس، ألقى قداسة البابا فرنسيس موعظة بعنوان "يا أبتِ في يديك أجعل روحي"، تحدّث فيها عن صفات الراعي الصالح لشعب الله، والتي تميّز بها المثلَّث الرحمات قداسة البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر، من "تسليم مستمرّ بين يدَي الله، وتفانٍ مُمتنّ في خدمة الرب وشعبه يولد من قبول عطيّة مجّانية، إلى تفانٍ مُصلٍّ، يتشكّل ويُصقَل بصمت بين مفترق الطرق والتناقضات التي يجب على الراعي أن يواجهها والدعوة الواثقة لكي يرعى القطيع".

    وأكّد قداسته أنّ "على الراعي أن يكون مثل المعلِّم الإلهي، يحمل على كتفيه تعب الشفاعة واضمحلال المسحة لشعبه، لا سيّما حيث يجب على الصلاح أن يجاهد، وحيث تتعرَّض كرامة الإخوة للتهديد. في لقاء الشفاعة هذا، يولِّد الرب وداعة قادرة على أن تفهم وتقبل وترجو وتراهن أبعد من سوء الفهم الذي يمكن لذلك أن يثيره، وخصوبة غير مرئيّة وغامضة، تولد من معرفتنا بالذي وضعْنا ثقتنا بين يديه، وثقة مصلّية وتعبد، قادرة على أن تفسّر أفعال الراعي وتكييف قلبه وقراراته مع أوقات الله".

    ونوّه قداسته إلى أنّ "الرعاية تعني المحبّة، والمحبّة تعني أيضاً أن نكون مستعدّين كي نتألّم. الحبّ يعني أن نعطي الخراف الخير الحقيقي، وغذاء حقيقة الله، وكلمة الله، وغذاء حضوره"، مشدّداً على أهمّية "تعزية الروح القدس الذي يسبق الراعي دائماً في الرسالة: في البحث الشغوف لنقل جمال وفرح الإنجيل، في الشهادة الخصبة للذين، على مثال مريم، يبقون بأساليب عديدة تحت أقدام الصليب، في ذلك السلام الأليم وإنّما القوي الذي لا يهاجم ولا يُخضِع، وفي الرجاء العنيد والصبور في أنّ الرب سيتمِّم وعده".

    ولفت قداسته إلى أنّنا كجماعة "نسلّم أخانا (البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر) إلى يدَي الآب، لكي تجد يداه الرحيمتان سراجه مُضاءً بزيت الإنجيل، الذي نشره وشهد له خلال حياته… إنّ شعب الله الأمين المجتمِع هنا هو الذي يرافق ويُسلِّم حياة من كان راعيه. مثل نساء الإنجيل عند القبر، نحن هنا مع طيب الامتنان ودهن الرجاء لكي نظهر له، مرّة أخرى، الحبّ الذي لا يضيع أبداً، ونريد أن نقوم بذلك بنفس المسحة والحكمة والرقّة والتفاني، جميع هذه الأمور التي عرف البابا بنديكتوس أن يمنحها على مرّ السنين".

    وختم قداسته موعظته بالقول "يا بنديكتوس، صديق العريس الأمين، ليكن فرحك كاملاً في سماع صوته بشكل نهائي وإلى الأبد!".

    وفي نهاية القداس، بارك قداسة البابا فرنسيس نعشَ المثلَّث الرحمات البابا بنديكتوس، ورشّه بالماء المقدس، وسط الهتافات العفوية لمئات آلاف المؤمنين المتحشدين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، وهم يصرخون طالبين إعلان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر على الفور، على غرار المطالبات التي تمّت إبّان تشييع البابا القديس يوحنّا بولس الثاني عام ٢٠٠٥.

    ثمّ دُفِن المثلَّث الرحمات البابا بنديكتوس ووُرِي في الثرى في مدافن البابوات بفناء بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، في المدفن نفسه حيث وُضِع البابا القديس يوحنّا بولس الثاني إبّان دفنه، قبل أن يتمّ نقله منه بعد إعلانه طوباوياً.

    رافق غبطةَ أبينا البطريرك للمشاركة في هذه المناسبة أصحابُ السيادة: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا والمدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماة والنبك، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب جورج مصيص كاهن رعية قلب يسوع الأقدس في بيللو أوزيزونتي بالبرازيل والذي يقوم بزيارة إلى روما في هذه الأيّام، والأب يونان حنّو، من كهنة أبرشية الموصل والذي يتابع دراسته اللاهوتية العليا في روما.