في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الخميس ٩ شباط ٢٠٢٣، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي في كاتدرائية سيّدة النجاة (أمّ الشهداء)، في الكرّادة - بغداد، العراق.
عاون غبطتَه في القداس صاحبا السيادة مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، بحضور ومشاركة أصحاب السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار بنديكتوس يونان حنّو رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين في لبنان، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة من أبرشيتي بغداد والموصل، ومن بينهم كاهنا الرعية الأب بولس زرّا والأب بطرس دردر، وشمامسة الرعية، وعدد من الراهبات، وجموع غفيرة من المؤمنين الذين غصّت بهم الكاتدرائية وساحاتها على رحبها، وقد قَدِموا بفرح لنيل بركة غبطته رغم أنّه يوم عمل عادي.
كما حضر الخوراسقف جوزف نرسيس زاباريان رئيس طائفة الأرمن الكاثوليك في العراق، والأرشمندريت أوشاكان كولكوليان المطران المنتخَب رئيساً لطائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق، والأرشمندريت ألفرد يونان ممثّل مطران طائفة الروم الأرثوذكس في العراق.
وحضر أيضاً سعادة النائب في البرلمان العراقي الدكتور دريد جميل، والسيّد رعد كجه جي رئيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن سعادته "بالقيام بهذه الزيارة الرسولية والرسمية إلى الأبرشيات السريانية في العراق، والتي نختتمها في هذا القداس، باسم أصحاب السيادة الذين رافقونا في هذه الزيارة المباركة، زيارة العراق من شماله إلى بغداد، وباسم مطارنة العراق المشاركين معنا اليوم".
وأكّد غبطته على أنّ "المحبّة هي جوهر الرب الإله الذي نعبده، وقد سمعنا من القديس مار بولس في رسالته إلى أهل غلاطية، حيث يطلب بولس قبل ألفي سنة من كنيسة غلاطية أن يعيش مؤمنوها المحبّة، وألا يحسدوا أو يكرهوا بعضهم البعض، حتّى أنّه يقول لهم: إذا بقيتم هكذا فستفنون بعضكم، أولئك المسيحيين في غلاطية".
ونوّه غبطته إلى أنّ "الرب يسوع يطلب من ذاك الشاب أن يعيش محبّته لله وللقريب، وأن يتبع الكمال ويتخلّى عن كلّ شيء من أجل تحقيق هذه المحبّة"، مشيراً إلى أنّنا "نحن رسل وشهود للمحبّة، ليس فقط البطريرك والمطارنة والكهنة والرهبان والراهبات، فكلّ مسيحي هو شاهد للمحبّة. المحبّة نعرفها وجاءت في الكتاب المقدس لأنّ الله محبّة".
ولفت غبطته إلى أنّنا "نحبّ الله والكنيسة، ويجب أن تكون محبّتنا حقيقةً وليس بالكلام أو بالعادة، كأن نحمل الصليب على صدرنا ولا نعيش المحبّة الحقيقية له تعالى. نحبّ الكنيسة ونكون حقيقةً مؤمنين صالحين وفعّالين لنشر الخير بين بعضنا البعض، ونعرف كي نتكلّم ونتحاور ونحترم بعضنا البعض، حتّى تكون كنيستنا شعلة إيمان ومحبّة".
وشدّد غبطته على أنّنا "نحبّ الوطن، هذا الوطن الذي هو الأرض التي عليها وُلِدنا، وهي أرض آبائنا وأجدادنا، مهما كانت الظروف صعبة والأهوال والأزمنة السابقة مرعبة ومخيفة ومخيّبة لآمالنا. علينا أن نحبّ أرضنا ونكون مواطنين صالحين، لا نستجدي حقوقنا، بل نقوم بواجباتنا الوطنية، وهكذا نفرض احترامنا ما بين الآخرين وحتّى على المسؤولين".
وأشار غبطته إلى "أهمّية أن نحبّ قريبنا، قد تكون هذه المحبّة هي الأصعب، لماذا؟ لانّ من خلالها يجب أن نعرف أن نتخلّى عن ذواتنا، ونترك الكبرياء والترفُّع على الآخرين، ونعيش الوداعة والتواضع، ونقبل الآخر كما هو، بمعنى أنّه، قبل أن نكتشف عيوبه، علينا أن نركّز على نقاط الخير والصلاح والإيجابية فيه".
وجدّد غبطته التأكيد، "كما قال سيادة أخينا المطران مار أفرام يوسف عبّا في كلمته النابعة من قلبه الطيّب والكبير، إنّ أبرشيتكم غالية علينا جداً، لأنّها تستمرّ بأداء الشهادة لهذا الإيمان والمحبّة والرجاء الذي عاشَتْه هذه الكنيسة لسنواتٍ خلت".
وأردف غبطته: "لذلك أنا كبطريرك، أي كأب ورأس للكنيسة السريانية الكاثوليكية، جئتُ مراراً وتكراراً أزوركم وأتفقّد شؤونكم وأسأل عنكم، لأنّكم دوماً في قلبي".
وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، والتي تبقى هي أمّنا السماوية وحاميتنا مهما حصل، وبشفاعة جميع القديسين والشهداء، ولا سيّما بشفاعة شهداء هذه الكاتدرائية، الشهداء الثمانية والأربعين، الكاهنين الشابّين والأطفال والشبّان والكبار، سائلينه تعالى أن يبقى معنا ويذكّرنا على الدوام أنّنا أولاده وأحبّاؤه، كي نعيش المحبّة الحقيقية".
وكان سيادة المطران يوسف عبّا قد وجّه كلمة من القلب رحّب فيها بغبطة أبينا البطريرك: "في الحقيقة، أودّ أن أقولها إنّ الكنيسة السريانية في العراق تعيش هذه الأيّام عرساً مع غبطة أبينا البطريرك وأصحاب السيادة أحبار كنيستنا السريانية. بدأ غبطته العرس في قره قوش عندما قدّم هدية رائعة لأبرشية الموصل والتي بقيت لأكثر من سنتين في الفراغ، لكنّ بحكمة غبطته وآباء السينودس قاموا بانتخاب سيادة أخينا مار بنديكتوس يونان حنّو، ثمّ ثبّته قداسة البابا فرنسيس ليكون رئيس أساقفة تلك الأبرشية العزيزة".
وتابع سيادته: "هذا العرس والفرح دام معنا وسوف يدوم إن شاء الله. غبطته وخلال خمسة أيّام قام وبدون ملل أو كلل، بل بشجاعة واهتمام ورعاية، فزار رعايانا وأبرشياتنا في العراق، أبرشية الموصل وتوابعها برعاياها، في الموصل حيث احتفل بقداس كبير، وفي برطلّة حيث ترأّس صلاة الرمش، وفي بعشيقة. وجاء غبطته إلى بغداد حيث زار كلّ الكنائس والرعايا، كما تعلمون، وكانت الفرحة والبسمة على وجوه الجميع، هذا الفرح الذي جاء غبطته ليزرعه في قلوبنا وفي حياتنا".
وأشاد سيادته "باهتمام غبطته ومحبّته لأبرشياتنا، بغداد والموصل وحدياب - أربيل والبصرة، وهذا كلّه يدلّ على مدى عنايته ورعايته وتعلّقه بأبرشياتنا وبحضور كنيستنا السريانية الكاثوليكية في العراق".
وختم سيادته كلمته شاكراً المؤمنين "لاستقبالكم غبطته في كلّ مكان بالمحبّة البنوية وبالتصفيق والتهليل، وأنا أشكركم، باسم إخوتي الخوارنة والكهنة، فقد جئتم لتشاركوا في هذه المناسبة رغم أنّ اليوم يوم عادي ومن الصعوبة الحضور بسبب التزامات العمل، لكنّكم وبمجرّد أنّكم سمعتم بخبر مجيء غبطته، أتيتم فرحين لتستقبلوه بهتافاتكم ومحبّتكم. فشكراً لكم، والشكر، كلّ الشكر، لغبطة أبينا البطريرك ولأصحاب السيادة".
وكان الأب بولس زرّا قد ألقى كلمة في بداية القداس، عبّر فيها عن فرحة رعية كاتدرائية سيّدة النجاة، أمّ الشهداء، الشاهدة والشهيدة، بلقاء رئيسها وراعيها، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية، وأن يمنحه الرب القوّة لمتابعة رعايته للكنيسة في هذه الأيّام الصعبة، شاكراً أيضاً أصحاب السيادة والآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والراهبات والمؤمنين الحاضرين، مستعرضاً تاريخ هذه الرعية، متوقّفاً عند مذبحة التي حصلت في الكاتدرائية عام ٢٠١٠، وذاكراً أهمّ النشاطات والأعمال التي تتمّ في الرعية.
وبعد البركة الختامية، انتقل غبطته إلى قاعة الرعية، حيث استقبل الجموع الغفيرة من المؤمنين الذين حضروا بمحبّة وشوق للقاء غبطته ونيل بركته الأبوية، في جوّ من الفرح الروحي. كما قدّموا التهاني للمطران الجديد يونان حنّو بمناسبة رسامته الأسقفية.
|