الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك في قداس السيامة الأسقفية للمطران مار يوليان يعقوب مراد

 

يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في قداس السيامة الأسقفية للمطران مار يوليان يعقوب مراد، صباح يوم الجمعة 3 آذار 2023، في كاتدرائية الروح القدس، في حيّ الحميدية – حمص، سوريا:

 

موعظة غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان

بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

 

في قداس سيامة المطران يعقوب مراد

 كاتدرائية الروح القدس، حيّ الحميدية – حمص، سوريا

الجمعة 3 آذار 2023

-------------

 

    نرحّب بأصحاب القداسة والغبطة والنيافة:

سيّدنا مار اغناطيوس أفرام الكلّي الطوبى،

سيّدنا يوسف الكلّي الطوبى،

Son Eminence Reverendissime Mario Cardinal ZENARI

 

    كما نرحّب ونشكر إخوتنا أصحاب النيافة والسيادة رؤساء الأساقفة والأساقفة الأحبار الأجلاء ممثّلي البطاركة والأبرشيات والرعايا، سواء هنا في حمص، أو في سائر الأبرشيات في سوريا.

    نشكركم، أحبّاءنا، وقد جئتم من قريب ومن بعيد، من العراق، والأراضي المقدسة، ومن روما وبعض البلاد الأوروبية، وطبعاً من أبرشيات سوريا الحبيبة، ومن رعايا أبرشيتكم الواسعة، وبحضور العديد من الأصدقاء من الشرق والغرب، إكليروساً ومؤمنين، للمشاركة الروحية في فرحة كنيستنا السريانية، وبشكل خاص، في بهجة أبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها، بسيامة رئيس أساقفتها الجديد يعقوب مراد، الكاهن والراهب، المعروف بروحانيته ومحبّته وشهادته للرب، وقد تعرّض في السنوات الأخيرة للخطف والتعذيب والتشرّد بسبب إيمانه، ونحمده تعالى لنجاته وعودته سالماً.

    بالرغم من الخوف والقلق والمعاناة التي يعيشها المواطنون في سوريا بسبب الزلازل المريعة التي حلّت بحلب وريفها والعديد من المدن والقرى، وأنطاكية والإسكندرون، ومحافظة اللاذقية وحماه وغيرها، "وضعنا رجاءنا بالمسيح الحيّ"، كما سمعنا من رسالة بولس، وسنبقى شعب الرجاء الذي يضع ثقته كاملةً بالرب خالقنا ومدبّرنا. ثقتنا به لن تتزعزع لأنه المخلّص الذي يبلسم جروحنا، ويعزّي قلوب المبتلين بوفاة أحبّائهم، ويمسح دموع الحزانى بيننا، ويرافقنا بنعمه. وهو الذي أكّد لنا في إنجيله المقدس: "لا تخافوا، ها أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء العالم!". لقد قهر الموت بذبيحته الطوعية على الصليب، وأشرق علينا بنور قيامته، تأكيداً على قيامتنا نحن من الخطيئة والموت.

    إنّ مشاركتكم هذه هي تأكيدٌ على محبّتكم لأبونا يعقوب، مطرانكم الجديد، يا أعزّاءنا الآباء الخوارنة والكهنة، والشمامسة والرهبان والراهبات، والأهل والأصدقاء، وأعضاء الأخويات والحركات الرسولية وجوقة الأناشيد والكشّافة والمنظّمين لهذا الاحتفال البهيج، وجميع المؤمنين، والإخوة من الكنائس الشقيقة، والشركاء في الوطن.

    نلتقي في كاتدرائية "الروح القدس" هذه، الشاهدة لإنجيل المحبّة والسلام، والشهيدة في سنوات العنف والإرهاب، كي نجدّد رجاءنا الراسخ بالرب يسوع، ونعلن أمانتنا الكاملة لكنيسته المقدسة، فهي الأمّ والمعلّمة. كما نؤكّد اعتزازنا بمن سبقونا من الروّاد المؤسّسين لهذه الأبرشية الغالية على قلوبنا، برعاياها ومؤسّساتها، وهي، كما تعلمون، من أوائل أبرشياتنا.

    قبل خمسين سنة بالتمام، رافقتُ المثلَّث الرحمات مار ثيوفيلوس يوسف ربّاني، الذي كان من الموصل، وهو الذي عمل وأسّس هذه الأبرشية، رافقتُه من دير يسوع الملك (لبنان) إلى هنا، حيث قمنا بتشييعه إلى السماء. وبعد سيدنا ربّاني، تذكرون أنّ هناك رعاةٌ عديدون تعاقبوا على رعاية هذه الأبرشية، أولئك الذين تفانوا بصدق كي ينقلوا إلينا الإيمان بقلوب عامرة بالمحبّة والتآخي، ناشرين حضارة شعب أصيل، صفاتُه الإنفتاح على الجميع دون تمييز، والتعاون والإلفة والمحبّة، والتعلّق بالوطن الواحد الذي احتضنهم رغم النقائص والإعتداءات والتحدّيات، إن في أزمنة السلام والازدهار، وإن في أعوام العنف الأعمى والتجويع الظالم، اللذَين فرضَتْهُما قوى الشرّ الظلامية. ومع كلّ هذه المعاناة والدمار في البشر والحجر، بقيت سوريا الحبيبة، ولله الحمد، مصونةً ورأسها مرفوع، واثقةً بمستقبل أفضل.

    لقد دُعيتَ يا أبونا يعقوب لتسير على خطى من سبق وسعى لخدمة هذه الأبرشية العزيزة. رعاةٌ أمناء، أذكر منهم المدبّرَين البطريركيين اللذين تعاقبا مشكورَين على رعاية هذه الأبرشية خلال فترة شغورها: حضرة الخوراسقف جرجس الخوري، أحد كهنتها، وصاحب السيادة مار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا الغربية، وقد بذل جهده لتأمين الخدمة الروحية في الرعايا، والحفاظ على حضور الأبرشية على الصعيدين الكنسي والمدني، والقيام بمسؤولياتها.

    كما علينا أن نقرّ بما قام به سلفاك المباشران: المثلّثا الرحمات مار ثيوفيلوس جورج كسّاب الراعي النشيط والهمام، ومار ثيوفيلوس فيليب بركات الذي قام برعاية هذه الأبرشية الغالية، بروح الأب والأخ، بالوداعة والتواضع والابتسامة، فاكتسب محبّة الجميع. وهما الآن شفيعاك لتتابع رسالة الأسقف الصالح والمتفاني.

    أبونا العزيز يعقوب، في ختام سيامتك سيُتلى عليك "الاستاتيكون"، وهو كتاب توليتك الشرعية على الأبرشية، والذي سيمنحك السلطة الكنسية روحياً وإدارياً على أبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها. وفي هذا الكتاب، سنذكّرك بنعمة دعوتك الأسقفية ومتطلّباتها، لذا لن نطيل الكلام عنها في هذا المقام. لكنّنا نرى واجباً علينا أن ننوّه بأنّ الرب قد اختارك بقرار من مجمع كنيستنا الأسقفي، كي تتسلّم أمانة الخدمة الأسقفية في أبرشية توّاقة إلى أن تكون لها الأب الروحي الذي يقدّس النفوس بالأسرار الخلاصية والصلاة والصوم، والأخ الحنون والصبور، والمدبّر الحكيم. هو الرب القائل في إنجيله المقدّس: "لستم أنتم الذين اخترتُموني، بل أنا اخترتُكم وأقمتُكم لتنطلقوا وتأتوا بثمار وتدومَ ثمارُكم" (يو 15: 16).

    يختار الرب تلاميذه، لا لأنهم يتميّزون عن إخوتهم بمفاهيم العالم المغرور بإنجازاته العلمية والتكنولوجية، وتغييبه الله، واتّكاله الكلّي على المادّة، وليس من أجل كرامة دنيوية يتباهون بها، بل لأنّهم يمتازون بالوداعة والتواضع والإقرار بحكمته غير المدرَكة. يقيننا أنّك ستقبل نعمة الأسقفية بحرّيتك، بروح التفاني المثالي والعطاء المجّاني، لترعى وترشد وتبذل ذاتك في سبيل إخوتك وأخواتك في أبرشيتك، دون أيّ تمييز أو إقصاء. كما أنّك مدعوٌّ، بناءً على خبرتك المعهودة، في دير مار اليان في القريتين، أن تقيم العلاقات المسكونية الصادقة مع إخوتك أساقفة الكنائس الشقيقة، وأن تستمرّ بعيش الإنفتاح على مَن يقصدك، دون النظر إلى طبقته الاجتماعية أو طائفته أو دينه.

    "كُن مثالاً للمؤمنين بالكلام والسيرة، بالمحبّة والإيمان والعفاف..."، يتابع مار بولس في رسالته (1 تيم 4: 4): أي أن تكون القدوة للجميع في كلّ شيء، لإخوتك الخوارنة والكهنة، وللإكليروس والمؤمنين كافّةً، قدوة متجسّدة بالمثال الحياتي الصادق، وأن تحافظ على الأمانة الكاملة لتعاليم الإنجيل السماوية، وتغرف من تراث كنيستنا السريانية الأنطاكية العريق، وتغتني من كنوزها الروحية والطقسية التي لطالما أحبَبتَها وافتخرتَ بها.

    يتغنّى آباؤنا السريان بالأسقف وسمّو الكهنوت في إحدى الترانيم في رتبة تولية الأسقف الأبرشي، فيقولون: «ܡܫܺܝܚܳܐ ܢܢܰܛܰܪ ܟܳܗܢܽܘܬܳܟ ܒܥܺܕܬܳܐ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ܆ ܢܶܒܣܰܡ ܪܺܝܚܳܟ ܠܡܳܪܳܗ̇ ܕܟܳܗܢܽܘܬܳܐ܆ ܘܬܶܗܘܶܐ ܢܰܦܫܳܟ ܦܺܝܪܡܳܐ ܕܬܰܪܥܽܘܬܳܐ. ܢܶܗܘܶܐ ܦܽܘܡܳܟ ܟܶܢܳܪܳܐ ܕܙܳܡܰܪ ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܡܳܪܝܳܐ ܕܥܰܒܕܳܟ ܥܰܠܠܳܢܳܐ ܘܰܒܥܺܕܬܶܗ ܪܳܥܝܳܐ».وترجمتها: "فليحفظ المسيح كهنوتك في الكنيسة المقدسة، وليُرضِ عطرك ربّ الكهنوت، ولتكن نفسك بخوراً مقبولاً، وليكن فمك كنّارةً ترنّم المجد للرب الذي جعلك رئيساً وراعياً في كنيسته".

    أرسل يسوع تلاميذه "ليروحِنوا" العالم، لا لكي ينقادوا إلى روح العالم.ولا أحدَ يتجاهل ما تجابهه الكنيسة اليوم من تعاليم هدّامة وهجمات شيطانية تسوّقها منظَّمات وحركات في السرّ والعلن، ومن شكوك خارج الكنيسة وداخلها، واجتهادات وسلوكيات تناقض أخلاقيتنا المسيحية، وبشكل خاص حول العائلة التي هي الكنيسة البيتية والمكوَّنة من رجل وامرأة، من أب وأمّ وأولاد، بحجّة أنّ على الإيمان أن يرافق التطوّر الذي تتغنّى به العولمة، ممّا جعل خدمتنا الأسقفية محفوفةً بالمصاعب والأخطار. ولكنّ الرب وعد كنيسته أن يبقى معها حتّى انقضاء الدهر: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"، كما جاء في الإنجيل الذي سمعناه.

    "وَحِّد قلبي فأخافَ اسمك": لقد اخترتَ، يا أبونا يعقوب، هذا الشعار لخدمتك الأسقفية، من سفر المزامير (مزمور 86: 11)، لكي تؤكّد أنّ على قلبك أن يكون موَحَّداً بمحبّة الرب يسوع وقوّته، كي تجابه تحدّيات هذا الزمن، حيث العواطف تتشتّت، والعقل يتردّد. ولكن تشجّع: "تكفيك نعمتي"، بحسب قول الرب لبولس رسول الأمم.

    نرافق المطران الجديد بصلواتنا الحارّة وأدعيتنا الصادقة، ونعاهده بمحبّتنا وتضامننا. فيبرهن بانفتاحه الإيجابي على الجميع، على اختلاف معتقداتهم وآرائهم وثقافاتهم، أنّه تلميذ الرب يسوع، المستنير دوماً بأنوار الروح القدس، من حكمة وفهم ومشورة. وكما نرنّم في رتبة السيامة الأسقفية: «ܒܪܳܐ ܕܰܒܡܰܘܗܰܒܬܶܗ ܠܰܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܕܺܝܠܶܗ ܚܰܟܶܡ ܐܰܠܳܗܳܐ܆ ܚܰܟܶܡ ܒܡܰܘܗܰܒܬܳܟ ܠܥܰܒܕܳܟ ܕܰܡܣܰܟܶܐ ܠܪܽܘܚܳܟ ܕܒܶܗ ܢܶܬܚܰܟܰܡ»، وترجمتها: "أيّها الإله الإبن الذي بموهبته فقّه رُسُله، إمنحْ بموهبتك الحكمة لعبدك الذي ينتظر روحك لكي ينال به الحكمة".

    فلتكن خدمة المطران الجديد عَرفاً طيّباً وذبيحة شكرٍ لله الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، له المجد والشكر على الدوام، آمين.

 

 

إضغط للطباعة