في تمام الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الأحد 2 نيسان 2023، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، الإحتفال برتبة النهيرة (الوصول إلى الميناء)، والتي تقام مساء يوم أحد الشعانين في مدخل أسبوع الآلام الخلاصية، وذلك في كنيسة مار كوركيس، برطلّة، العراق.

    شارك في الرتبة صاحبا السيادة مار بنديكتوس يونان حنّو رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، والأب تشارلز القائم بالأعمال وسكرتير السفارة البابوية في العراق، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب بهنام بينوكا كاهن الرعية، والأب روني موميكا أمين سرّ مطرانية الموصل.

    كما حضر قسماً من الرتبة صاحبُ النيافة مار تيموثاوس موسى الشماني مطران أبرشية دير مار متّى للسريان الأرثوذكس، على رأس وفدٍ من الخوارنة والكهنة في أبرشيته، والذين حضروا لنيل بركة غبطته، وشاركوا بمحبّة أخوية في هذه المناسبة.

    وخدم الرتبة شمامسة الرعية الذين أبدعوا في أداء الصلوات والأناشيد الرائعة، بتنظيم وإعداد كاهن الرعية. وشاركت في الرتبة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعية غصّت بها الكنيسة.

    بدايةً، استُقبِل غبطته أمام المدخل الخارجي للكنيسة بالمعزوفات الترحيبية من قِبَل فرقة الكشّاف في الرعية. وترأس غبطته صلاة الرمش (المساء)، ثمّ احتفل برتبة النهيرة، وهي رتبة يتمّ فيها استذكار مثل العذارى الحكيمات والجاهلات، ويمتاز بها الطقس السرياني الأنطاكي.

    تخلّلت الرتبة القراءات المقدّسة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وبخاصة مثل العذارى العشر، وكذلك الترانيم السريانية الشجيّة بلحن الآلام.

    وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن الاحتفال برتبة النهيرة، وهي رتبة خاصّة بالكنيسة السريانية، نسمّيها أيضاً "ܘܰܥܕܶܗܕܰܠܡܺܐܢܳܐ الوصول إلى الميناء"، مستهلاً كلامه بالتعبير عن الشكر والتقدير "لصاحب النيافة مار تيموثاوس موسى الشماني مطران أبرشية دير مار متّى مع الوفد المرافق من الخوارنة والكهنة، لاشتراكهم معنا في هذه الرتبة المقدسة، رتبة النهيرة، استعداداً للدخول إلى أسبوع الآلام الخلاصي نحو القيامة"، ومرحّباً أيضاً بالأب تشارلز، وبالخوارنة والكهنة المرافقين للمطران موسى الشماني.

    ونوّه غبطته إلى أنّ "هذا الاحتفال الكنسي المؤثّر هو من أجمل أقوال الرب يسوع عن المرأة، إذ أنّ بطلات هذا المثل البتولات العشر هنّ نساء. والبعض في يومنا هذا يدّعي أنّ الكنيسة هي فقط للرجال ولا تهتمّ بالنساء. ونحن نعلم أنّ أقدس شخص نكرّمه بعد الرب يسوع هو العذراء مريم التي أعطتنا المخلّص، وأنّ الكنيسة تكرّم الآلاف المؤلّفة من النساء القديسات على مرّ التاريخ".

    وأشار غبطته إلى أنّ "للمرأة دورٌ مهمٌّ في الكنيسة، طبعاً الرب يسوع هو الذي اختار الكهنوت لتلاميذه، ولكن تبقى المرأة دائماً الشخصَ الذي يصلّي ويضرع ويهتمّ بالكنيسة، أكان في الرعية، أو حتّى في الأبرشيات عامّةً".

    ولفت غبطته إلى أنّنا "استمعنا في رسالة القديس بولس هذه العبارة المؤثّرة: إن عشتُ وإن متُّ فحياتي هي المسيح. نعم، هذا التأكيد لرسول الأمم بولس مهمّ جداً، حتّى يذكّرنا أنّنا مهما كنّا ناجحين في الحياة في أمورٍ كثيرةٍ، ومهما توصّلنا إلى أهدافنا البشرية، علينا نحن المؤمنين أن نتذكّر أنّ حياتنا هي للمسيح. فاليوم، في وسائل التواصل الاجتماعي، يريدون أن يُفهِمونا ويؤثّروا على شبابنا وأطفالنا، بأنّ لديكم العلوم والتقنيات، ولا لزوم للتطلُّع إلى فوق نحو السماء. والحال أنّنا نعرف أنّ أيّاً كان، الكبير والصغير، والغنيّ والفقير، عليه أن يترك هذه الفانية، وعليه أن يؤدّي حساباً عن حياته، كما يعلّمنا الإنجيل المقدس".

    وتوجّه غبطته إلى المؤمنين بالقول: "نهنّئكم، أيّها الأحبّاء، على تقواكم وعلى صبركم واحتمالكم وشهادتكم في هذه المنطقة. ولا نقول إنّ هذه الشهادة ليست صعبةً، بل نعلم جيداً الصعوبات والتحدّيات التي تجابهكم. لكن تذكَّروا أنّ آباءنا وأجدادنا على مرّ التاريخ، أكان هنا في برطلّة، أو في بخديدي، أو في كلّ سهل نينوى، وفي بلاد ما بين النهرين، أو باقي بلدان الشرق الأوسط، وتركيا، قدّم آباؤنا وأجدادنا ذواتهم للمسيح. فليست هناك عائلة من الذين أتوا من تركيا إلا تألّمت وتمرمرت بضحايا هم بالنسبة إلينا شهداء لدى الرب".

    وأردف غبطته: "رجائي منكم، أيّها الأحبّاء، أن نبقى راسخين بالإيمان، وأن يبقى رجاؤنا قوياً مهما كانت الصعوبات. علينا أن نكون جماعةً كنسيةً واحدةً، يجب أن نعرف أنّ الآخرين يشهدون لنا أنّنا تلاميذ المسيح إن كانت فينا محبّة بعضنا لبعض، نتنافس ونسير معاً نحو الأفضل، ولكن علينا أن نحافظ على رباط المحبّة فيما بيننا".

    وختم غبطته موعظته بالقول: "نهنّئ جميع السيّدات والفتيات بهذا اليوم المبارك، يوم الوصول إلى الميناء، ومعهنَّ نتعلّم كيف نستطيع أن ننظر إلى السماء حتّى نصل إلى الرب، بشفاعة أمّنا مريم العذراء ومار كوركيس وجميع القديسين والشهداء".

    ثمّ طاف غبطته بموكب حبري مهيب داخل الكنيسة، يتقدّمه الأساقفة والإكليروس، ليتوجّهوا بعدئذٍ ومعهم المؤمنون إلى خارج الكنيسة، حيث وقفوا جميعاً خلف غبطته أمام الباب الرئيسي للكنيسة. فأقام غبطته بعض الصلوات، ورنّم غبطته والأساقفة والإكليروس الترنيمة الكنسية المؤثّرة: "ܥܰܠ ܗܰܘ ܬܰܪܥܳܐ ܒܰܪܳܝܳܐ عال هاو ترعو بارويو" (على الباب الخارجي)، وترجمتها: أمام الباب الخارجي كان شمعون (سمعان بطرس) واقفاً وهو يبكي، ويقول: ربّي افتح بابك، أنا تلميذك، إنّ السماء والأرض تبكيان عليّ، فقد أضعتُ مفاتيح الملكوت.

    وجثا غبطة أبينا البطريرك أمام الباب الخارجي، وقرعه ثلاثاً بالصليب، قائلاً: "ܬܰܪܥܳܐ ܕܪ̈ܰܚܡܰܝܟ تَرعو درحميك" (باب مراحمك)، ثمّ فُتِحَ الباب ودخل الجميع إلى الكنيسة.

    وقبل البركة الختامية، ألقى سيادة المطران يونان حنّو كلمة رحّب فيها بغبطته، معرباً عن الفرح الكبير باستقباله وبزيارته إلى أبرشية الموصل وترؤّسه احتفالات الشعانين في قره قوش ورتبة النهيرة في برطلّة، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والعمر الطويل، ومتمنّياً له كلّ التوفيق في متابعة رعايته الصالحة لكنيستنا السريانية في كلّ مكان.

    ثمّ، وبإنعام بطريركي، قام غبطة أبينا البطريرك بإلباس الأب بهنام بينوكا، كاهن الرعية والمُعَيَّن نائباً عامّاً لأبرشية الموصل وتوابعها، الصليب المقدس والخاتم، معلناً ترقيته إلى رتبة الخوراسقفية في وقت لاحق، وذلك تقديراً لأتعابه في خدمة هذه الرعية، ولجهوده في إعادة ترميم الكنيسة، في جوّ من الفرح الروحي.

    ومنح غبطته البركة الختامية لجميع الحاضرين الذين تقدّموا منه فنالوا بركته الأبوية لهم ولعائلاتهم.