غبطة أبينا البطريرك يونان: "نحتاج إلى السلام، ليس فقط هنا في لبنان، بل أيضاً في كلّ مكان، في الشرق وبلاد الانتشار، فالصعوبات لن تُلغى من أمامكم. لكن مع الذين سبقوكم ستستطيعون أن تحافظوا على الأمانة لمعموديتكم وكنيستكم وتراثكم وتقاليدكم، وتساهموا في نشر هذا الإيمان مع التراث والتقاليد حولكم أينما كنتم".
في تمام الساعة السادسة من مساء يوم السبت 8 نيسان 2023، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس ليلة عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات ورتبة السلام، وذلك في كاتدرائية مار جرجس التاريخية، الباشورة – الخندق الغميق، بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية والمسؤول عن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين، والأب طارق خيّاط المساعد في إرسالية العائلة المقدسة، بحضور ومشاركة جمع غفير من المؤمنين من أبناء إرسالية العائلة المقدسة.
بدايةً، أعلن غبطته بشرى قيامة الرب يسوع من بين الأموات. ثمّ أقام رتبة السلام التي يتميّز بها احتفال عيد القيامة، مانحاً السلام إلى الجهات الأربع. وطاف غبطته في زيّاح حبري داخل الكاتدرائية، حاملاً الصليب المزيَّن براية بيضاء علامةً للنصر الذي حقّقه الرب يسوع بغلبَتِه على الموت بالقيامة، ليحتفل غبطته بعد ذلك بقداس العيد.
وفي موعظته بعد انتهاء رتبة السلام، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه مقدّماً إلى المؤمنين التهاني بالعيد عبر المعايدة التقليدية "المسيح قام، حقّاً قام"، متأمّلاً بعظمة قيامة الرب يسوع من بين الأموات غالباً الموت، ومانحاً العالم الحياة الخالدة، وهو حيٌّ فينا، وبه نجدّد فعل رجائنا، أنّه مهما أصابنا في هذه الحياة من صعوبات وأزمات وأوجاع، فقد وضعْنا رجاءنا بالرب يسوع، لأنّه هو من وعدَنا بأنّه سيكون معنا حتّى انقضاء الدهر".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "نحتفل بقداس العيد في هذه الكاتدرائية التاريخية القديمة التي نفضت عنها الغبار وقامت، ففي شهر تشرين الأول الماضي، كما تعلمون، قمنا بإعادة تقديسها وتكريسها من جديد، بعد أن أعدناها إلى حلّتها الأصلية، وكنتم بغالبيتكم مشاركين في ذاك الاحتفال التاريخي المهيب".
ولفت غبطته إلى أنّنا "نفرح اليوم بهذا العيد، عيد المؤمنين الكبير، كما نسمّيه، لأنّه أهمّ أعيادنا، ونحن نعرف الظروف التي نعيشها في شرقنا، في العراق وفي سوريا، وفي السنوات الأربع الأخيرة في لبنان الذي يعيش هذه الأزمة المرعبة التي لم تُعرَف سابقاً، على مختلف الأصعدة، سياسياً وقتصادياً ومعيشياً. فالرب يسمح أن نُجرَّب ونمرّ بأوقات عصيبة وظروف لم نكن نتمنّاها لأحد منكم، لا للعائلات ولا للشبّان والشابّات ولا للأطفال، لكنّ الرب له أحكام لا نفهمها، فهو يريدنا أن نشاركه نوعاً ما بالرجاء بآلامه وصلبه وموته، حتّى يعطينا فرح القيامة".
وتطرّق غبطته إلى "رموز رتبة القيامة بحسب الطقس السرياني، والتي نسمّيها رتبة السلام ܛܟܣܐ ܕܫܠܡܐ، وفيها نتأمّل بأهمّية السلام والأمان، لأنّ الرب يسوع، في ظهوره للتلاميذ، كان يحيّيهم دوماً بالسلام: السلام لكم، سلامي أستودعكم، سلامي أعطيكم. وهذا الأمر مهمّ جداً، لأنّه منذ بدء الخليقة كان الإنسان يتوق إلى السلام، ولا يمكنه أن يحصل على هذا السلام إلا بنعمة الله الذي يتحنّن عليه ويُفهِمه أنّ السلام لا يعني أنّ كلّ شيء سيتمّ حسبما نريد ونتمنّى، إنّما السلام هو نعمة داخلية في قلوبنا يجب أن تشعّ حولنا، مهما كانت التجارب والصعوبات والتحدّيات".
وتوجّه غبطته إلى المؤمنين بالقول: "نرى الكثير من الشباب والصغار بيننا، وهذا يملأ قلبنا فرحاً لأنّنا لا نزال متمسّكين بالعائلة المؤلّفة من الأب والأمّ والأولاد، عطيّة الله، ولا نزال نقدّر تضحية أهلنا من أجلنا، إذ وهبونا كلّ ما نحتاج إليه، فالآباء والأمّهات يريدون دائماً أن يكون أولادهم سعداء. لن نستطيع أن نؤمّن لهم كلّ شيء، لكن عندما تكون المحبّة سائدة بين الوالدَين، وعندما يمنحان أولادهما الحنان الحقيقي، يدرك الأولاد أنّ الله يريدهم أن يكونوا في العائلة ويتبعوا وصاياه ويتّكلوا عليه، لأنّ الله هو رجاؤنا ورجاء كلّ متألّم وجريح ونازح ومضطهَد".
وأكّد غبطته أنّنا "نحتاج إلى السلام، ليس فقط هنا في لبنان، بل أيضاً في كلّ مكان، في الشرق وبلاد الانتشار، فالصعوبات لن تُلغى من أمامكم. لكن مع الذين سبقوكم ستستطيعون أن تحافظوا على الأمانة لمعموديتكم وكنيستكم وتراثكم وتقاليدكم، وتساهموا في نشر هذا الإيمان مع التراث والتقاليد حولكم أينما كنتم".
وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، الذي قام من بين الأموات وأبهح التلاميذ والنسوة اللواتي ذهبنَ إلى القبر ومنحَنا عربون القيامة، أن يقوّينا جميعاً، ويعضد الكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، ويوفّق الأهل والشباب والصغار كي يفتخروا على الدوام بأنّهم أولاد الله وإخوة يسوع الذي انتصر على الموت وأعطانا عربون الحياة".
وقبل نهاية القداس، وجّه المونسنيور حبيب مراد التهنئة البنوية إلى غبطته بمناسبة عيد القيامة المجيدة، باسم جميع المشاركين في هذا الاحتفال الروحي، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد، سائلاً الله أن يديمه ويقوّيه في متابعة رعايته الصالحة للكنيسة في كلّ مكان، ومهنّئاً جميع الحاضرين بهذا العيد العظيم.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، نال المؤمنون بركة غبطته، وقدّموا له التهنئة بعيد القيامة المجيدة في جوٍّ من الفرح الروحي.
|