في تمام الساعة السابعة من مساء يوم السبت 1 تمّوز 2023، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي على مذبح كنيسة مار اسحق النينوي في مدينة لانسينغ – ميشيغان، الولايات المتّحدة الأميركية، في زيارة أبوية راعوية هي الأولى لغبطته إلى هذه الكنيسة منذ تأسيسها وافتتاحها عام 2018.
عاون غبطتَه صاحبُ السيادة مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، والخوراسقف صفاء حبش كاهن الرعية. وشارك في القداس الخوراسقف توما عزيزو، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب لوك أمين سرّ المطرانية في أبرشية سيّدة النجاة، والأب منتصر حدّاد كاهن رعية مار توما في ديترويت، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة من الكنائس الشقيقة في المدينة. وقام بالخدمة شمامسة الرعية والجوق، بمشاركة جمع غفير من المؤمنين من أبناء الرعية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن "الفرحة الكبيرة التي نشعر بها ونحن نزوركم في هذه الكنيسة المكرَّسة على اسم مار اسحق النينوي، هذه الكنيسة التي تؤسّسونها بعدما حصل عليها وأخذها لأبرشيته سيادةُ أخينا راعيكم الجليل مار برنابا يوسف، وسلّم رعايتها إلى كهنة أفاضل خدموها بكلّ غيرة ومحبّة، كما يخدمها حالياً كاهنكم الفاضل الخوراسقف صفاء".
وأشار غبطته إلى أنّنا "التقينا بسيّدنا مار برنابا يوسف لأول مرّة في إكليريكية سيّدة النجاة بدير الشرفة - لبنان عام 1972، حيث كنّا حينها مسؤولاً عن الإكليريكيين. وبقينا على تواصُل منذ ذلك الوقت، وفي العام القادم سيُتِمّ سيادته ثلاثين سنة من الخدمة في هذه الأبرشية العزيزة، منذ أن كانت لا تزال إرساليات ورعايا. وعملنا وخدمنا مع سيادته، ومع الخوراسقف توما عزيزو أيضاً، واستمرّينا بالسعي كي نؤسّس هذه الأبرشية كما تجدونها اليوم. فقبل ما يقرب من 35 سنة، عندما جئنا إلى هذه البلاد، لم يكن لدينا كنائس ولا كهنة هنا في أميركا".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "عندما دخلنا إلى هذه الكنيسة، شعرنا بالفرح، وفعلاً لم نكن نتوقّع أن تستطيعوا الحصول على هذه الكنيسة في مدينة لانسينغ، عاصمة ولاية ميشيغان. صحيح نسمع أنّ عدد العائلات قليل في هذه الرعية، لكن لا ننسى أنّ الرب يسوع اختار اثني عشر رسولاً، وعلّمهم مدّة ثلاث سنوات. وبعدما حلّ عليهم الروح القدس، انطلقوا إلى البشارة في العالم أجمع. وتعرفون أنّ الكنيسة السريانية، شرقية أم غربية، لبّت هذه الوصية، فانطلق السريان يبشّرون بالإنجيل وصولاً إلى الهند والصين. وكنائسنا السريانية الملنكارية والملبارية هي اليوم كنائس مزدهرة بالمؤمنين والكهنة والرهبان والراهبات، وإن شاء الله ستبقى مزدهرة وعامرة بالإيمان. فنحن، أبناء الكنيسة السريانية، موجودون منذ القرون الأولى في الشرق الأقصى، قبل أن يذهب إليها المبشّرون والرهبان اللاتين في القرنين الخامس عشر والسادس عشر".
ولفت غبطته إلى انّ "هذا الأمر نقوله كي لا نشعر أبداً بالقنوط واليأس، صحيح أنّكم كلّكم تقريباً أُرغِمتُم على ترك أرض آبائهم وأجدادكم للظروف التي نعرفها جميعنا، ولا نريد أن نعيد تكرارها، لكنّ للرب أحكام لا نفهمها، والهجرة من بلادنا إلى أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وثمّ إلى أوروبا تعود إلى قرابة 150 سنة، وقد تهجّرنا رغماً عنّا من سنوات قليلة، لكنّنا نشعر بالفخر لأنّكم لا تزالون محافظين على إيمانكم المسيحي وتقاليدكم وعاداتكم الصالحة التي تربّيتم عليها في أرض الآباء والأجداد".
وذكّر غبطته أنّنا "كما تعلمون كنّا في أحد الشعانين في قره قوش – بغديده، العراق، حيث ترأّسْنا وشاركْنا في التطواف الشهير الذي هو نوعاً ما عرس كبير لهذه المدينة التي نفتخر بها، إذ أنّ أكثر من 15 إلى 20 ألف شخصاً شاركوا في هذا التطواف الذي استمرّ لساعات في شوارع المدينة. حقّاً هذا يُفرِح القلب، وهو أكبر تجمُّع مسيحي اليوم في سهل نينوى. وعندما زار قداسة البابا فرنسيس قره قوش، شعر حقيقةً بحرارة هذا الشعب المؤمن، وكان سعيداً جداً أن يزور تلك المدينة التي أصبحت مدينة شاهدة وشهيدة".
وأكّد غبطته على أنّنا "مدعوون اليوم كي نجدّد إيماننا بالرب يسوع، ونركّز على أهمّية العائلة، وهي تعني الأب والأمّ والأولاد، الأطفال والشبّان والشابّات. وإن شاء الله سيبقى هؤلاء الأولاد أمناء لكنيستهم ولإيمان آبائهم وأجدادهم، رغم كلّ الصعوبات والتحدّيات. وجميعنا نعي جيّداً ما هي هذه الصعوبات والتحدّيات، وتشاهدونها وتسمعونها باستمرار في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي".
وتناول غبطته "تنبيه مار بولس الرسول إلى كنيسة كورنثوس، والذي تُلِيَ على مسامعنا مع بداية هذا القداس، بأنّ هناك أشخاصاً يستسلمون إلى شهواتهم، وتعرفون أنّ موضوع الجنس يجعل شبّاننا وشابّاتنا وأولادنا يجابهون تجارب كثيرة، لذا يجب علينا أن نكون أقوياء بالإيمان، وألا ننسى أنّ الرب يسوع شدّد بولس بقوله له: "تكفيك نعمتي". فإذا صلّينا وجدّدنا دائماً علاقتنا الحبّية مع الرب يسوع وأمّنا مريم العذراء والقديسين، يجب علينا ألا نخاف أبداً، بل سنبقى ونستمرّ، ورأسنا مرفوع لأنّنا تلاميذ الرب يسوع".
وتكلّم غبطته عن "المقطع الذي سمعناه من الإنجيل المقدس بحسب القديس مرقس، حول موضوع التواضع في الخدمة، فصحيح في الكنيسة بطريرك ومطارنة وكهنة وشمامسة، لكنّنا جُعِلنا جميعاً للخدمة. نخدم بالتواضع والوداعة، ولا نفتّش على الرئاسة والزعامة كما يفتّش رجال العالم، أكانوا سياسيين أو غير سياسيين. نحن نتبع الرب يسوع كي نكون على الدوام تلاميذه، ونبرهن على أنّنا تلاميذه عندما نحبّ بعضنا بعضاً ونخدم بعضنا بعضاً بالتواضع، وليس أسهل من أن يفتّش الشخص عن النقائص في الغير، في حين ينسى نقائصه هو، المهمّ أن يكون لدينا التواضع والوداعة".
وتوقّف غبطته بإسهاب عند "ما سمعناه من سيادة المطران مار برنابا يوسف ومن الخوراسقف صفاء، أنّكم عملتم كثيراً كي تنظّموا هذه الكنيسة وتعطوها هذه الحلّة الجميلة، ولم نكن نتوقّع حقيقةً أن تنجزوها في هذه الفترة القصيرة. كما سمعنا أيضاً أنّ البعض منكم قدّموا من وقتهم ومن مهاراتهم ومن مقتنى جيوبهم كي يؤسّسوا هذه الكنيسة، ويجب أن تكونوا فخورين بذلك. وفي المستقبل سيتذكّر أولادكم وأحفادكم أنّ آباءهم وأمّهاتهم هم الذين أسّسوا كنيسة مار اسحق النينوي في لانسينغ. صحيح لا يزال عددكم قليلاً في هذه المدينة، لكن يجب أن نتّكل على الله، مدركين أنّ من يتّكل على الله لا يخيب أبداً. وكلّ الكنائس في بلاد الإنتشار بدأت كما تنطلقون أنتم، كانت رعايا صغيرة وعائلات قليلة. فعندما بدأنا هنا قبل أكثر من 35 سنة في أميركا، لم نكن نعرف أنّ هناك مجموعة موجودة وأسّست، بل كنّا نفتّش عن العائلات ونؤسّس. لذلك كونوا أنتم دائماً فرحين، كونوا رجال ونساء الرجاء، متّكلين على الرب يسوع، وربّنا أمين أن يكمّل معكم مقاصدكم".
وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، شفيعة أبرشيتنا العزيزة في الولايات المتّحدة الأميركية، أن يباركنا، ويبارككم وعائلاتكم وأولادكم، صغاراً وكباراً، طالبين شفاعة مار اسحق النينوي، كي يعلّمنا التقوى الحقيقية، حتّى نعرف أن نتجرّد عن كلّ شيء، ونبني كنيسة بشرية قبل الكنيسة الحجرية والخشبية، لأنّنا جميعنا إخوة وأخوات الرب يسوع".
وكان سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش قد ألقى كلمة في بداية القداس، رحّب فيها "باسم جميع الحاضرين بأبينا ورئيسنا ومعلّمنا غبطة أبينا البطريرك. فقلبي يجيش بالفرح لأنّ غبطة أبينا البطريرك تواضعَ وتنازلَ بمحبّته لكنيسته، وشعر بفرح كبير بزيارة هذه الكنيسة رغم عدد عائلاتها القليل، إذ بسبب إيمانكم وعزيمتكم ومحبّتكم للمسيح واتّحادكم بالكنيسة، منحَنا ربّنا هذه الكنيسة، وفيها نعيش الأمانة لكنيستنا وتاريخها وآبائها، من أمثال شفيعها مار اسحق النينوي. نسأل الله أن يبارك هذه الرعية، وأن تثمر المزيد من العائلات والدعوات".
وتابع سيادته: "نصلّي في قداس الشكر هذا مع سيدنا البطريرك الذي يصلّي أيضاً من أجلنا، ويباركنا دائماً، فهو مرشدنا ومعلّمنا ومثبّتنا بالإيمان ومشجّعنا، طالبين أن يكون ذلك سبباً لنموّ هذه الرعية وازدهارها".
وختم سيادته كلمته سائلاً الرب "أن يجعل هذا القداس علامة اتّحاد حقيقي بالرب وفيما بيننا، وأمانةً منّا لرؤسائنا الروحيين الذين يسهرون علينا ليلاً ونهاراً. نفرح اليوم بزيارة أبي الآباء، ونسأل الرب أن يديمه بالصحّة والعافية".
وقبل نهاية القداس، توجّه الخوراسقف صفاء حبش بكلمة بنوية جدّد فيها "الترحيب بغبطتكم في هذه الكنيسة الحديثة العهد التي افتتحها راعي الأبرشية في 30 حزيران 2018، وبدأتُ الخدمة الفعلية فيها في آب 2021. نشكركم على هذه الزيارة التاريخية بالرغم من بُعد المسافة التي قطعتموها وتحمُّلكم عناء السفر. أهلاً وسهلاً بكم بين أبنائكم المنتشرين في الولايات المتّحدة وأبرشية سيّدة النجاة التي تأسّست على أيديكم قبل 28 سنة بمرسوم من البابا القديس يوحنّا بولس الثاني، وأصبحتم أول أسقف لها".
وتمنّى لغبطته والوفد المرافق طيب الإقامة في ديترويت، ضارعاً إلى الرب "أن يمدّكم بالمعونة خلال هذه الزيارة الرعوية، وبموفور الصحّة والعمر المديد في رعاية أبناء وبنات كنيستنا الأنطاكية المنتشرين في المسكونة كلّها".
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، استقبل المؤمنين في قاعة الكنيسة، فتحلّقوا حوله بفرح لقاء الأبناء بأبيهم الروحي العام.
|