في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء 4 تمّوز 2023، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي للمرّة الأولى على مذبح كنيسة سيّدة النجاة السريانية الكاثوليكية الجديدة في مدينة أوكفيل – تورونتو، كندا.
عاون غبطتَه صاحبا السيادة مار فولوس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي في كندا، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب منهل حبش كاهن الرعية. وشارك في القداس الأب خالد كرّومي كاهن رعية مار بهنام في كامبريدج، والأب ربيع حبش كاهن رعية يسوع الملك في ديترويت، والكاهنان المعاونان في رعية مار يوسف في تورونتو الأب شمعون البزّو والأب نائل بربري. وقام بالخدمة شمامسة الرعية والجوق، بمشاركة جمع غفير من المؤمنين من أبناء الرعية، والذين حضروا بلهفة للقاء غبطته.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بالتعبير عن الفرح الكبير بالاحتفال بهذا القداس للمرّة الأولى في هذه الكنيسة الجديدة: "يغمرنا الفرح جميعاً أن نأتي إليكم في زيارتنا الأولى إلى هذه الكنيسة التي استطعتم بنعمة الله أن تحصلوا عليها، كي تكون بيت الرب لجماعتنا السريانية والمسيحيين في أوكفيل والمناطق المجاورة. هذا الإنجاز هو إنجاز تاريخي، ونشكر الله لأنّه تحقّق، ونشكركم جميعاً، بدءاً من سيادة المطران مار فولوس أنطوان، وكاهن الرعية أبونا منهل، والكهنة الذين يساعدونه، ومجلس الرعية، ولجنة شراء الكنيسة، وأنتم تتّكلون على الله، وتجاهرون بالقول: يا ربّ ما أجمل أن نكون معاً إخوةً وأخواتٍ في بيتك المقدس".
وأشار غبطته إلى حضور "سيادة المطران مار برنابا يوسف الذي كان أيضاً مطرانكم هنا، وقد جئنا معاً من ميشيغان – الولايات المتّحدة الأميركية، كي نهنّئكم على هذا الإنجاز، ونحتفل معكم بهذه الليتورجية الإلهية لأول مرّة في هذه الكنيسة التي استطاعت رعية مار يوسف، وهي باكورة كنائسنا في تورونتو – أونتاريو، أن تحقّق هذا الإنجاز، بتضحية وعطاءات المؤمنين الأحبّاء".
ولفت غبطته إلى أنّنا "سمعنا من رسالة مار بولس هذا الإعلان حيث يقول رسول الأمم إلى أهل فيليبي: أنا مسرور لأنّكم بروح واحدة، نعم نحن المسيحيين علينا دوماً أن نفتخر بعيش المحبّة الحقيقية بروح واحدة، مهما كانت اختلافات نظرتنا إلى الأمور، ومهما كانت الصعوبات والتحدّيات، ومهما كانت العقبات أمامنا كعائلة روحية واحدة. علينا أن نكون روحاً واحدة، وهذا أيضاً يذكّرنا به لوقا البشير عندما كتب سفر أعمال الرسل، بقوله: وكان المسيحيون، المؤمنون، تلاميذ المسيح، روحاً واحدة وقلباً واحداً".
ونوّه غبطته إلى "النصّ الذي تُلي علينا منذ قليل من الإنجيل المقدس عن موضوع الرئاسة ومعناها حسب المفهوم البشري. أرادت أمّ يعقوب ويوحنّا ابني زبدى أن يظهر ابناها بين الآخرين وأن يعطيهما يسوع مكانةً، واحداً عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته، إذ اعتقدوا أنّ يسوع آتٍ كي يؤسّس مملكة على الأرض. ويسوع، بنفيه لهذا الطلب، يعلّمنا أيضاً تعليماً ومبدأً خالصاً عن معنى الرئاسة في الكنيسة. الرئاسة في الكنيسة هي خدمة، سواء أكان الشخص بطريركاً أو مطراناً أو كاهناً أو شمّاساً أو عضواً في لجنة الكنيسة أو في أخوية، فمهما كان دورنا يجب أن نفهم أنّنا مدعوون كي نخدم ونبذل ذواتنا من أجل بناء كنيسة الرب، ومن أجل خلق مناخ من المحبّة والأخوّة والاحترام المتبادل، كي يؤمن الآخرون أنّنا تلاميذ المسيح.
وركّز غبطته على أنّه "في أنطاكية التي نعود نحن إلى بطريركيتها، كان الناس الذين يعاينون التلاميذ الأولين وهم يؤمنون ببشارة الرسل، يقولون عنهم: أنظروا كم يحبّون بعضهم بعضاً. إذاً كانت المحبّة الصفة الأساسية للمسيحية، فلا نفكّر كما نسمع عن المحبّة والحبّ في الأغاني والأفلام، ولا نعتقد أنّه من الصعب علينا عيش المحبّة، إذ أنّ كلّ واحد منّا يستطيع أن يحبّ محبّة خالصة، وهذا الأمر يفترض وجود تضحية، بدءاً من محبّتنا لله، ومحبّتنا في العائلة. فيجب أن يدرك الزوج والزوجة أنّ على محبّتهما أن تستمرّ طوال الحياة، لأنّهما وعدا أحدهما الآخر أن يحبّا بعضهما بعضاً، وأن يؤسّسا حقيقةً كنيسة بيتية".
واعتبر غبطته أنّ "لكلّ شخص طباعه وظروفه ونقائصه، لكن علينا ألا نسمع فقط للإعلام ولوسائل التواصل الاجتماعي التي تركّز على ما يُسمَّى بالحرّية الفردية حتّى الانفلات. يجب أن نعرف أنّنا جُعِلْنا كي نحبّ بعضنا بعضاً ونكون شعب المحبّة الحقيقية، فالآباء والأمّهات يحبّون أولادهم، ليس لأنّ أولادهم هم لعبة في أيديهم، لكنّ أولادهم هم أبناء وبنات الله، ويجب على الأهل أن يربّوهم بكلّ محبّة وحنان، ويرافقوهم كي يصلوا إلى نضوجهم الإنساني والمسيحي".
وذكّر غبطته أنّه "في الأيّام القادمة، بدءاً من الخميس حتّى الأحد، سيُعقَد مؤتمر للشبيبة في ميشيغان، وهذا المؤتمر مفتوح لشبيبة الرعايا في أميركا، لكن نتمنّى بإلحاح أن يكون لشبيبتكم أيضاً حضور قدر المستطاع في هذا المؤتمر، ويلتقوا بإخوتهم وأخواتهم من باقي الرعايا، ويصلّوا معاً، ويفكّروا ويتبادلوا أحلام العيش المسيحي في هذه البلاد التي أصبحت حياتنا فيها للأسف صعبة وتحدّياتها كبيرة جداً.
وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، شفيعة هذه الكنيسة الجميلة، سيّدة النجاة، والتي تذكّرنا بكاتدرائية سيّدة النجاة وبشهدائنا الأبرار، وسائلينه أن يبارككم على الدوام، ويجعلكم شعب الفرح والسلام والرجاء".
وكان سيادة المطران مار فولوس أنطوان ناصيف قد ألقى كلمة في بداية القداس، رحّب خلالها بغبطة أبينا البطريرك، فقال: "صحيح اليوم ليس لدينا مناسبة خاصّة أو عيد، لكن عندما يكون سيدنا البطريرك حاضراً، فهذا هو العيد، اليوم رعية مار يوسف وكنيسة سيّدة النجاة تفرح وتتهلّل بمقدار الفرح عينه الذي تفرحه في أيّ عيد آخر. اليوم سيدنا البطريرك أحبّ أن يأتي ويزور هذه الكنيسة الجديدة، بمناسبة شراء الكنيسة، إذ كان قريباً في ميشيغان، ولم يكن قلبه قادراً إلا أن يأتي ويعاين هذا الإنجاز الرائع، ويبارك ويلتقي بنا ويهنّئنا، ويهنّئ مجلس الرعية، ويهنّئكم جميعاً على هذا المشروع الجميل، ويهنّئ أبونا منهل وكلّ القيّمين على هذا العمل الرائع. فلا يستطيع أحد إلا أن يفرح في هذه الظروف والأوضاع وفي هذا البلد، عندما يشاهد كنائس يتمّ شراؤها، في وقت هناك غيرها الكثير من الكنائس يتمّ بيعها للأسف".
وتابع سيادته: "اليوم إذن نفرح ونشكر سيدنا البطريرك لهذه الطلّة الحلوة وهذه البركة الرائعة التي منحنا إيّاها كي يشجّعنا، فهو شجّعنا قبل شراء الكنيسة، وشجّعنا عندما اشتريناها، وسيشجّعنا بعد أن اشتريناها، كي نبقى حاضرين وأقوياء ومتمسّكين بإيماننا، خاصّةً أنّ هذه الرعية وهذه الكنيسة هي على اسم سيّدة النجاة الغالية جداً على قلوبنا جميعاً، وبنوع خاصّ لها في قلب غبطته مكانة وذكريات رائعة، أكانت سيّدة النجاة في دير الشرفة – لبنان، أو سيّدة النجاة في بغداد بشهدائها الأبرار. اليوم كلّنا نفرح بهذا العمل، ونفرح خاصّةً بمجيء سيدنا البطريرك الذي يذكّرنا بهذا الحماس الموجود لدينا، كي يستمرّ حماسنا ولا يموت. واليوم أيضاً فرصة لنا كي نعود ونتحمّس من جديد، ونتشجّع ونشجّع أولادنا، ونكون ثابتين أكثر بإيماننا وبالتزامنا بكنيستنا".
وأردف سيادته: "ألف شكر سيدنا على حضوركم اليوم، حضوركم خير وبركة وسلام وفرح ونعمة، ونشكر أيضاً حضور سيادة المطران يوسف حبش الذي يرافقكم في هذه الزيارة، وقد كان مطراناً على هذه الأبرشية، وقبله أنتم كنتم مطران الأبرشية ومؤسّسها، وأنتما تعلمان جيّداً ظروف هذه الرعية وأوضاعها، وتعرفان أبناءها. اليوم تفرحان معنا، ونفرح بكما فرح الأبناء بالآباء الصالحين، وأنتم تشاركوننا هذا الهمّ وهذه الفرحة وهذا العيد. ونشكر أيضاً كلّ الآباء الكهنة الذين جاؤوا وأرادوا أن يشاركونا اليوم".
وختم سيادته كلمته طالباً من جميع الحاضرين "أن نصلّي معاً ونقدّم هذا القداس على نيّة سيدنا البطريرك، وعلى نيّة خدمته ورعايته للكنيسة ومشاريعه، وعلى نيّة كلّ الزيارات الراعوية التي يقوم بها، أكانت زيارة راعوية رسمية أو زيارة خاطفة كزيارته الأبوية لنا اليوم، والتي تكون أحياناً كثيرة أجمل من الزيارات المُحَضَّرة والمُهَيَّأة مسبقاً. شكراً جزيلاً سيدنا، نصلّي من أجلكم ومن أجل كلّ أعمالكم. كما نصلّي من أجل مؤتمر الشبيبة الذي سيُعقَد في ميشيغان بالولايات المتّحدة الأميركية في الأيّام القادمة، كي يكون ناجحاً، وتكون ثماره وفيرةً للكنيسة كلّها".
وقبل نهاية القداس، توجّه الأب منهل حبش إلى غبطته بكلمة بنوية من القلب، قائلاً: "لا يحقّ لي أن أرحّب بغبطتكم في بيتكم، والفرح الكبير الذي أعطيتمونا إيّاه اليوم، لي شخصياً، ولرعية مار يوسف بكلّ كنائسها، بهذه الزيارة المفاجئة والرائعة، وهي فرصة أن نقدّم مرّة أخرى طاعتنا ومحبّتنا لكم يا سيدنا. وأيضاً نطلب صلواتكم وبركاتكم كي تعيش هذه الرعية المباركة أيّاماً أجمل تحت رعايتكم الحكيمة ومحبّتكم الخالصة. وأشكر سيادة المطران أنطوان ناصيف الذي يرافقنا خطوة خطوة بصلاته وحضوره وإرشاده".
وختم كلمته بالتأكيد لغبطته على أنّ "هذه الكنيسة هي بيتكم يا سيّدنا البطريرك، وهي بيت الرب وبيت الجميع، كما نوّهتم في موعظتكم. زيارتكم فرحة كبيرة، ونرجو دائماً دعمكم ومحبّتكم وصلاتكم من أجل هذه الرعية، كي يوفّقها الرب، وتكون بحسب مقاصدكم، وتنال رضاكم الأبوي. شكراً جزيلاً مرّة أخرى، أنتم أصحاب البيت ونحن ضيوفكم. أرجو أن نكون دائماً عند حسن ظنّكم، واشملونا جميعاً ببركتكم الأبوية".
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، انتقل إلى قاعة الكنيسة حيث قطع قالب الحلوى الذي أُعِدَّ احتفاءً بهذه المناسبة الرائعة، والفرح يغمر قلوب أبناء الرعية الذين طابت نفوسهم بلقاء أبيهم الروحي العام في هذه الزيارة الأبوية العفوية والبالغة الأثر. فشكراً لله على عطيّته التي لا يُعبَّر عنها.
|