في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 16 تمّوز 2023، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي على مذبح كنيسة قلب يسوع الأقدس في لوس أنجلوس – كاليفورنيا، الولايات المتّحدة الأميركية، وذلك بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس رعية قلب يسوع الأقدس وشراء كنيستها، وخلال القداس قام غبطته برسامة شمامسة قرّاء وأفودياقونيين لخدمة الرعية.
بدايةً، استُقبِل غبطته استقبالاً حاشداً من جموع المؤمنين الذين احتشدوا عند مدخل الشارع المؤدّي إلى الكنيسة، تتقدّمهم فرقة كشّاف مار جرجس في لوس أنجلوس، والتي أدّت الأناشيد الكنسية والسريانية الترحيبية، وجماعة فرسان كولومبوس في الرعية، والأخويات والفعاليات، وفي مقدّمتهم القنصل العام العراقي في لوس أنجلوس سلوان رضوان.
دخل غبطته إلى الكنيسة وسط تهاليل جماهير المؤمنين، واحتفل بالقداس الإلهي، يعاونه صاحبُ السيادة مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب طلعت يازجي كاهن رعية قلب يسوع الأقدس، والأب حسام شعبو القادم من جنوب السويد في زيارة خاصّة. وخدم القداس شمامسة الرعية وأعضاء الجوق.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن عميق فرحه بالاحتفال بالقداس في هذه الرعية المباركة التي أسّسها غبطته، وعلى مذبح هذه الكنيسة التي اشتراها غبطته منذ ثلاثين سنة، شاكراً "سيادةَ المطران مار برنابا يوسف راعي أبرشية سيّدة النجاة على هذه الكلمات التي سمعناها منه والمعبّرة عن تأسيس أبرشيتكم الحبيبة، وسيادته أشاد ومدح بكلّ لطف وبمحبّة. نتذكّر دائماً أنّنا كلّنا أمام ربّنا عمّال بطّالون، لأنّ الرب هو الذي ينمّي. هناك من يزرع ومن يحصد، لكنّ الرب هو الذي ينمّي ويعطي الحياة".
ولفت غبطته إلى أنّه "فعلاً عندما قَدِمَ سيادته إلى الولايات المتّحدة وكان معي في نيوجرسي، ثمّ جاء وخدمكم هنا في كنيسة قلب يسوع الأقدس في لوس أنجلوس، كان سيادته دائماً مثال الخادم الأمين للرب وللكنيسة. واليوم، كما تعلمون، خاصّةً الكبار بينكم، ولا نسمّيهم كباراً، بل نقصد بهم الذين أتوا إلى هنا في المرحلة الأولى، هذه الكنيسة، كنيسة قلب يسوع الأقدس، تحتفل في هذا الشهر بذكرى ثلاثين سنة على تأسيسها. نحن معكم أسّسناها، وأنتم تفتخرون أن تكون هذه الكنيسة بيت الله، أمينةً للرب، وأيضاً فخراً لكم ولأولادكم ولأحفادكم، لأنّنا كلّنا ندرك أنّ علينا أن نعمل لبناء الملكوت. ومع سيادته، وكما ذكر، معنا كاهن هذه الرعية أبونا طلعت الذي يخدمكم منذ سنتين، والذي تعرّف عليكم وزاركم في منازلكم وسيبقى يخدمكم، نشكره، باركه الرب. كذلك نشكر الأب حسام الزائر من جنوب السويد، والمونسنيور حبيب القيّم البطريركي وأمين السرّ والذي يرافقنا من لبنان".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "سمعنا من الرسالة إلى أهل كورنثوس، مار بولس يذكّر المسيحيين الأوَّلين في كورنثوس، وهي مدينة في اليونان، أنّه يجب أن تكون لديهم هذه الهمّة والنعمة أن يقوّوا وينصحوا ويرشدوا بعضهم. ليس هناك أحد لا يجابه صعوبات أو تحدّيات في الحياة، أكان شخصياً أو عائلياً أو مجتمعياً أو في الدول، سواء هنا في هذه الدولة التي نسمّيها أعظم دولة في العالم، وتعرفون مشاكلها الكثيرة، أو في بلادنا الشرق أوسطية التي تعاني منذ عقود كي تستطيع الوصول إلى طريق السلام وطريق الحوار الحقيقي والمشاركة في أمور البلاد، أكانت سياسية أو إدارية أو اجتماعية".
وأشار غبطته إلى أنّ "الرب يسوع يقول للتلاميذ: أرسلكم، ولكن يجب أن تسبّقوا قبل كلّ شيء أولوية ملكوت السماوات، أي أن تنطلقوا وتبشّروا الناس بهذه البشرى السارة، أنّ الله معنا، وهو يحبّنا، ويريدنا أن نكون دائماً معه، وأن نحبّ بعضنا بعضاً. صحيح أنّ البشارة والكرازة بالملكوت تكون لفظياً أي بالقول، لكنّ علينا ألا نستحي أن نعلن عن محبّتنا للرب يسوع، وأنّنا تلاميذه ونريد اتّباعه، مع احترامنا للجميع. لكن في الوقت نفسه علينا أن نعمل، أي أنّ على بشارتنا أن تكون فاعلة بالأعمال الصالحة، وهذا الأمر مهمّ جداً اليوم في هذا العالم حيث تتحدّانا الكثير من الأمور، أكانت أخلاقية أو اجتماعية. ونعرف ما هي الصعوبات والتحدّيات التي تبرز أمام عائلاتنا، نحن الذين أتينا من الشرق ونحمل تقاليد هي فخر لنا، حيث يتعاون الرجل والمرأة كي يبنيا العائلة، وجميعنا نعلم الظروف الصعبة التي نعيشها والتي نواجهها في العالم، لا سيّما تربيتنا لأولادنا، وبشكلٍ خاصّ في المدارس".
وتوجّه غبطته بكلمة أبوية "إلى أعزّائنا الشبّان والشابّات: نحن فخورون بكم لأنّكم تتابعون مسيرتكم وتعيشون بالاتّحاد والوئام مع آبائكم وأمّهاتكم، رغم كلّ المشاكل التي قد تعترضكم. عليكم أن تذكّروا الجميع أنّ العائلة مبنيّةٌ على الأب والأمّ، حيث الأطفال، والذين هم هدية الله، لديهم البيئة التي تؤمّن لهم التربية الصالحة والتكوين الشخصي والعلمي الملائم كي يصبحوا أشخاصاً صالحين في المجتمع. نفتخر بكنيستنا التي توحّدنا. لسنا متساوين، لكنّنا أعضاء في جسد واحد، مختلفون، إنّما نتشارك في الوحدة برأس الجسد".
وختم غبطته موعظته مجدِّداً "الشكر لكم جميعاً على حضوركم ومشاركتكم، بدءاً من سيادة القنصل العراقي، ونودّ أن نتذكّر أيضاً بلادنا التي تعاني الكثير من المشاكل والصعوبات والتحدّيات. علينا أن نفكّر بأنّه إذا منحَنا الرب النعمة أن نكون في هذا البلد الذي يوفّر لنا الحرّية والكرامة الإنسانية ونعيش فيه بنوع من الراحة، فلا نستطيع أن ننسى أخوةً وأخواتٍ لنا في بلادنا في الشرق يعانون الكثير من الصعوبات، ليس فقط بالقول، بل أن نعرف أن نكون داعمين ومناصرين لهم بالفعل، بشفاعة أمّنا مريم العذراء".
وكان سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش قد رحّب بغبطة أبينا البطريرك بكلمة معبِّرة، فقال: "باسمي شخصياً وباسم أبرشية سيّدة النجاة وباسم رعية قلب يسوع الأقدس، أتهلّل وأبتهج بقدوم وزيارة أبينا ورئيسنا ومعلّمنا صاحب الغبطة وسيّد أنطاكية سيّدنا البطريرك. لا أعرف كيف أرحّب بغبطته لأنّه أعلى من ذلك، وكما تعلمون أنّ هذه الرعية وهذه الكنيسة هي من صنع يديه ومن ثمرة جهوده. وبطبيعة الحال، سيّدنا البطريرك هو في قلوب وضمير الجميع، ولا نقدر إلا أن نعرب عن عرفان الجميل، ولست أبالغ إذ أقول: لو لم يكن أبونا جوزف يونان هنا قبل 30 سنة بالضبط، بجهوده ورؤيته وعمله، لَمَا كانت هذه الرعية، ولَمَا كان هذا المبنى، ولَمَا كانت هذه الأبرشية، فهو أبو الأبرشية، وهو خادم الأبرشية".
وتابع سيادته: "سيّدنا البطريرك، قد لا يفيك الكلام حقَّكَ في التعبير عن عواطفنا، لكن ليس لنا إلا أن نسألك أن تقبل اعتزازنا وافتخارنا بشخصك المبارك وبرسالتك وبخدمتك التي أثمرت وأيّ ثمرة. ولا أبالغ بالقول: وهل أجمل من أبرشية سيّدة النجاة المبارَكة في بلاد الانتشار؟ تبقى أبرشية سيّدة النجاة جوهرة ثمينة في تاج وتاريخ الكنيسة السريانية الكاثوليكية، أقلّه في بلاد الانتشار".
وأردف سيادته: "اعتاد آباؤنا البطاركة أن يسمّوا أبرشية الموصل، وبالذات بلدة قره قوش – بغديدي، عين الكنيسة السريانية اليمنى. فإذا كان صحّ الكلام في العراق أنّ قره قوش هي عين الكنيسة السريانية، فأجيز القول: أبرشية سيّدة النجاة هي عين الكنيسة السريانية الكاثوليكية في بلاد الانتشار. الشكر لله باسم سيّدنا يسوع المسيح ربّنا وإلهنا ومخلّصنا الحبيب، والشكر لسيّدتنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، التي ستنجّينا من جميع المخاطر وتؤيّدنا في مسارنا، مسار الإيمان، لاتّباع إنجيل ربّنا يسوع المسيح".
وختم سيادته: "نحن سريان، وكما يقول آباء الكنيسة، حتّى نكون مسيحيين يجب أن نكون مريميين، فنحن مريميون من أجل أن نكون مسيحيين. لذلك أينما حلّ السريان اعتادوا أن يُسمُّوا أول كنيسة على اسم مريم العذراء، لأنّ بمريم كان يسوع، وبمريم أيضاً نصل إلى يسوع. لذلك ليس من باب الصدفة أن يسمّي سيّدنا البطريرك أول أبرشية في بلاد الانتشار وأول رعية في نيوجرسي على اسم رعية مريم العذراء، سيّدة النجاة. فلتحمِكُم وتؤيّدكم سيّدة النجاة يا سيّدنا البطريرك. تقبّلوا اعتزازي وشكري، أضمّه إلى شكر واعتزاز وافتخار أبنائكم وبناتكم الحاضرين، والمتمثّلة بهم أبرشيتكم وليدة يديكم، ونطلب بركتكم وصلواتكم، كما أنتم في صلاتنا".
وقبل المناولة، قام غبطة أبينا البطريرك برسامة ستّة شمامسة جدد لخدمة الرعية، ثلاثة منهم بدرجة القارئ، وثلاثة بدرجة الأفودياقون (الرسائلي)، بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وسط فرح الحاضرين وتصفيقهم والتهاليل والزغاريد.
وقبل البركة الختامية، فاجأ غبطتُه جميعَ الحاضرين، فمنح، وبإنعام بطريركي، الأبَ طلعت يازجي لبس الصليب المقدس والخاتم. وبعد أن تلا المونسنيور حبيب مراد المرسوم البطريركي الذي يعلن هذا الإنعام، قام غبطته بإلباس الأب طلعت الصليب والخاتم، في جوّ من البهجة والسرور واستحسان المؤمنين الذين يثمّنون الخدمة المتفانية للأب طلعت.
ثمّ ألقى المونسنيور طلعت يازجي كلمة بعنوان "مباركٌ الآتي باسم الرب"، عبّر في مستهلّها عنتفاجُئه بالإنعام البطريركي، "إذ لم يكن لديّ أيّ علم بما جرى وبتكريمي بإنعام لبس الصليب المقدس والخاتم. فشكراً لكم يا سيّدنا صاحب الغبطة من أعماق القلب".
وقال: "ما أجمل أن يجتمع الإخوة تحت سقف واحد، الأرض تهلّل والسماء تبارك. بقلوب مليئة بالحبّ والفرح والسلام، نرحّب بكم يا صاحب الغبطة في بيتكم وبين أهلكم، نرحّب بكم في كنيستكم، كنيسة قلب يسوع الأقدس، هذه الرعية العزيزة على قلبكم. باسمي وباسم أبناء الرعية، وباسم أبناء الجالية والحضور الكريم أقول لكم: حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً، يا لها من فرحة كبرى أن نجتمع معكم يا صاحب الغبطة، إنّه فرحُ لقاء الأبناء مع الأب والرأس والراعي. نحن نعلم كم المسؤولية الملقاة على عاتقكم كبيرة وصعبة، ومع ذلك لا تزالون تعملون وتخدمون، متحمّلين عناء السفر، لما فيه خير الكنيسة في الشرق وبلاد الانتشار، عاملين بقول القديس بولس الرسول: قد أرادني الرب دون استحقاق، فصرتُ كلاً للكل".
وتابع: "عملُكم الدؤوب يا صاحب الغبطة في بلاد الانتشار تكلّل بالنجاح، فقد أثمرت جهودكم في خدمة كنيسة الانتشار في الولايات المتّحدة وكندا، ولا سيّما عندما كنتم كاهناً غيوراً منذ عام 1986، فأسّستم عدّة رعايا في الولايات المتّحدة وكندا، ونخصّ بالذكر هذه الرعية، رعية قلب يسوع الأقدس، التي أسّستموها وخدمتم فيها منذ عام 1993، واليوم فرحتُنا كبيرة أنّنا نحتفل معكم بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسها وشراء كنيستها. فبفضل الرب وعونه، وبجهودكم، وببركة قداسة البابا الراحل القديس يوحنّا بولس الثاني، ومنذ ثمانٍ وعشرين سنة، تأسّست أبرشية سيّدة النجاة، فكنتم أنتم من أسّستُموها، وأصبحتم أول أسقف لها. لقد دبّرتم أمورها بكلّ عناية وحبّ، إلى أن اختاركم الرب لتكونوا بطريركاً على كنيستنا السريانية الكاثوليكية. نصلّي اليوم من أجل الكنيسة جمعاء، من أجل جميع الرؤساء الروحيين، ومن أجلكم يا صاحب الغبطة، من أجل أن يعطيكم الرب القوّة والنشاط ووافر الصحّة والعافية، لتكملوا مسيرة الخدمة والعطاء".
ورحّب "براعي الأبرشية سيادة مار برنابا يوسف حبش الذي تعاون مع غبطته في خدمة المؤمنين منذ أن كان أيضاً كاهناً غيوراً، ثمّ خلفاً أسقفاً راعياً. نصلّي اليوم من أجلكم يا صاحب السيادة، كي يقوّيكم الرب في خدمة هذه الأبرشية، ويزيّنكم بوافر الصحّة والعافية"، مرحّباً أيضاً بالكهنة، مهنّئاً الشمامسة المرتسمين الجدد، مصلّياً "على نيّة هذا البلد الذي نعيش فيه، وعلى نيّة كلّ بلدان العالم، وخاصّةً بلادنا في الشرق المتألّم، وخلاصه من كلّ أشكال الأزمات والحروب"، خاتماً كلمته بشكر الرب يسوع على كلّ نِعَمِه وبركاته.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، التقى بالمؤمنين في لقاء محبّة جمع الأب العام بأبنائه وبناته الأعزّاء، في جوّ من الفرح الروحي العارم.
|