في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الأحد 16 تمّوز 2023، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي على مذبح كنيسة أمّ المعونة الدائمة في سان دييغو – كاليفورنيا، الولايات المتّحدة الأميركية.
بدايةً، استُقبِل غبطته استقبالاً حاشداً من جموع المؤمنين الذين احتشدوا عند المدخل الخارجي للكنيسة، تتقدّمهم فرقة الكشّافة التي أدّت الأناشيد الكنسية والسريانية الترحيبية، وجماعة فرسان كولومبوس في الرعية، والأخويات واللجان والفعاليات، وفي مقدّمتهم القنصل العراقي في لوس أنجلوس وسيم رفّو، وعمدة مدينة ألكاهون في سان دييغو Bill WELLS، ورئيس شرطة المدينة Sergeant Louie MICHAEL.
ووسط الترحيب البنوي الحارّ والتهاليل والتصفيق وزغاريد النساء، دخل غبطته إلى الكنيسة حيث احتفل بالقداس الإلهي، يعاونه صاحبُ السيادة مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، والخوراسقف عماد حنّا الشيخ كاهن رعية أمّ المعونة الدائمة، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، وخدم القداس شمامسة الرعية وأعضاء الجوق.
وشارك في القداس الآباء الخوارنة والكهنة من الكنائس الشقيقة في سان دييغو: الخوري لويس يعقوب والخوري فادي عطّو من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والأب توفيق نصر من الكنيسة المارونية، والأب يوخنّا من كنيسة المشرق الآشورية، والسيّد Rodrigo VALDIVIA رئيس قلم الأبرشية اللاتينية في سان دييغو.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتوجيه الشكر إلى سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش: "شكراً من القلب لكلماتك الأخوية اللطيفة النابعة من أخ في الأسقفية لشخصنا، للبطريرك الذي كان زميلاً لك ورافقك في هذا مشوار الخدمة لكنيستنا في الولايات المتّحدة وكندا لمدّة قرابة ثلاثين سنة. لقد دُعينا لخدمة شعبنا الذي اضطُرَّ إلى مغادرة أرضه في الشرق، ولا سيّما العراق منذ عام 1993، وفي ذلك الوقت كان المونسنيور عماد علمانياً يتحضّر للكهنوت، وكنتُ آتي من لوس أنجلوس لأحتفل بالقداس الإلهي هنا مرّةً ثمّ مرّتين في الشهر. ثم رُسِمَ كاهناً، فاهتمّ بهذه الرعية الجديدة، أمّ المعونة الدائمة"، شاكراً أيضاً "حضور عمدة مدينة ألكاهون وقائد الشرطة ورئيس قلم الأبرشية اللاتينية الكاثوليكية في سان دييغو. ونحبّ أيضاً أن نرحّب باسمكم بسيادة قنصل العراق، وأحبّائنا الخوارنة والكهنة من الكنائس الشقيقة، والشمامسة والجوق وسيّدات الأخوية ومجلس الرعية والشباب والأطفال، أطفال التعليم المسيحي".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "سمعنا للتوّ من الإنجيل المقدس أنّ الرب يسوع أرسل تلاميذه كي ينشروا البشرى السارّة لجميع الشعوب، ونحن أيضاً علينا أن نكون تلاميذ الرب يسوع. لقد أتيتم إلى هذه المنطقة المباركة والجميلة من الولايات المتّحدة بحثاً عن الكرامة والحرّية، ونحن نعرف أنّكم لم تكونوا أغنياء، لكنّكم كنتم تلاميذ يسوع، وعليكم أن تعملوا بجهدٍ كي تنشروا بشارة الخلاص في هذه المنطقة، جنوب كاليفورنيا".
ولفت غبطته إلى أنّنا "من رسالة مار بولس إلى أهل غلاطية سمعنا أيضاً ما أراد الرسول أن يقوله إنّ على جماعة غلاطية أن تحبّ الرب، وأن يحبّ أبناؤها بعضهم البعض، وهذا هو أساس وجوهر الإيمان بالمسيح. نحن المسيحيين، لا نخضع للقوانين فقط كي نرضي الله، بل نحيا بروح الرب وبمقتضى الدعوة العظيمة التي إليها دعانا، أن نكون أبناء الله. بالطبع نحن خطأة جميعنا، ولدينا مشاكلنا وأخطاؤنا، لكنّ ربّنا هو إله رحوم يرحّب بنا كلّما عدنا ورجعنا إليه، لذلك علينا أن ندرك أنّه كي نكون تلاميذ حقيقيين للرب، علينا أن نعيش المحبّة الحقيقية بين بعضنا البعض".
وذكّر غبطته المؤمنين "بما ورد في سفر أعمال الرسل، الكتاب الخامس من العهد الجديد، الذي كتبه القديس لوقا، بأنّ أتباع الرب يسوع دُعُوا مسيحيين أولاً في أنطاكية – سوريا، إذ كانت المحبّة هي السائدة بين أتباع الرب يسوع وتلاميذه، وهي التي كانت تثير إعجاب ودهشة غير المؤمنين، الذين كانوا يتساءلون: أنظروا كيف يحبّ أتباع المسيح بعضهم البعض! والمحبّة لا تعني كلماتٍ ولا أغانٍ، إنّما هي محبّة حقيقية يعيشها المؤمن كلّ يوم وكلّ ساعة، وخاصّةً في العائلات. ويذكّرنا مار بولس أنّ روح العالم يقود غالباً إلى تحقيق السعادة في هذه الحياة عبر الحرّية، لكن علينا أن نكون أولاد الله، ونعيش بروح الله، ونسعى كي نكون شهود المحبّة بين جميع الذين يحيطون بنا".
وأكّد غبطته على أنّنا "نشكر الرب الذي أعطاكم النعمة أن تكونوا هنا، ونشكر هذا البلد الجميل، الولايات المتّحدة الأميركية، والذي وفّر لكم خاصّةً الكرامة الإنسانية والحرّية الدينية. ونسألكم دائماً ألا تنسوا أبداً إخوتكم وأخواتكم الذين لا يزالون في البلاد الأمّ في الشرق، حيث، وكما تعلمون، لا سلام ولا استقرار، وهناك مشاكل كثيرة، اقتصادياً وسياسياً. لذا نرجوكم أن تُبقُوا إخوتكم وأخواتكم هؤلاء في صلواتكم، وأن تكونوا أسخياء قدر استطاعتكم، كي تقدّموا لهم المساعدة ليتابعوا حياتهم وشهادتهم للإيمان بالرب يسوع، بمعونة الرب والكنيسة التي تقدّم لهم الخدمات التي يحتاجونها على قدر الإمكان".
وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّنا السماوية وسيّدتنا مريم العذراء، أمّ المعونة الدائمة، كي نكون على الدوام ككنيسة عائلةً روحيةً، فنبقى شهوداً للرب يسوع على الدوام".
وكان سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش قد ألقى كلمة ترحيبية بغبطة أبينا البطريرك، فقال: "إذا أراد أحدٌ أن يلاحظ ويقرأ وجوهكم أيّها الأحبّاء الحاضرون، أولاً لا يقرأ إلا عنواناً واحداً، عنوان الفرح، وكلّكم عنوانٌ للفرح، ويليق بكم الفرح، ونحن خُلِقْنا للفرح. يعطينا ربّنا نِعَماً كثيرة، واليوم حبانا الله هذه النعمة والبركة الحلوة، أن يأتي أبو الكنيسة ومعلّمها ومدبّرها، ويطفح أنفاس الفرح في هذه الرعية المباركة. فكيف لا نفرح؟ جميعكم أيّها الأحبّاء رسل الفرح، وعلينا أن نتعلّم ألا نفرح فقط، بل أيضاً أن نحافظ على الفرح، وألا نترك لأيّ شخص أو أيّة قوّة المجال أن تسلب منّا فرحنا. اليوم الفرصة الحلوة، سيّدنا البطريرك الذي يحبّنا من كلّ قلبه، ويعمل من أجل فرحنا، وفرحنا هو فرحه، علينا أن نتعلّم أن نقابل الفرح بالفرح، والمحبّة بالمحبّة والاحترام والتقدير، بل بالمزيد من التقدير".
وتابع سيادته: "سيّدنا البطريرك، غنيٌّ عن القول إنّكم تعاينون القلوب وهي ترسم الفرح على العيون والجباه لدى هذه الناس الطيّبة والطيّبة جداً، والتي تلاقيكم وتستقبلكم بفرح. شرّفتُمونا سيّدنا البطريرك، ونتشرّف بكم كثيراً جداً. عن هؤلاء، وعن جميع أبناء الرعايا والإرساليات في أبرشية سيّدة النجاة العامرة، والتي وُلِدَت وترعرعت تحت ألحاظكم، وغذّيتُموها بمحبّتكم الكبيرة من قلبكم الكبير، هذه الأبرشية ممثَّلَةً بهذه الرعية، تعلن، ليس فقط عن محبّتها، بل عن روح الطاعة، طاعتنا لكم أباً، وهذا أجمل ما نستطيع أن نكرّم به أبانا وكنيستنا، الطاعة على مثال الرب يسوع الذي علّمنا الطاعة. بالطبع اليوم تُفهَم الطاعة بشكل سلبي، ولكنّنا نعرف أنّ الطاعة هي أجمل فضيلة نرضي الله بها، وهي أقوى سلاح ندحر به قوّة إبليس. جاء يسوع كي يعلّمنا الطاعة، هو الذي أطاع، كما يقول مار بولس، أطاع حبّاً حتّى الموت على الصليب".
وأردف سيادته: "اليوم يشرّفنا جداً يا سيّدنا البطريرك أن نعلن طاعتنا للمسيح وللكنيسة من خلال طاعتنا لأبوّتكم ورعايتكم ومحبّتكم، هذه الطاعة مقرونة بالشكران وعرفان الجميل. ليس لنا إلا أن نكون بمستوى الرقيّ، فلا نقدر إلا أن نقابل محبّتكم وجهودكم التي بذلتموها دون قياس. يسعدنا اليوم أن نعلن عن محبّتنا واحترامنا وطاعتنا لكم، ونعلن لكم بأنّكم الأب والمعلّم والمدبّر".
وختم سيادته كلمته سائلاً "الله، بشفاعة أمّ المعونة الدائمة، أن يحميكم ويمدّكم بكلّ قوّة من أجل نجاح مشاريعكم. ونسأل بركة الرب يسوع لكم ولكنيستنا، لمجد الله الأعظم".
وقبل البركة الختامية، توجّه الخوراسقف عماد حنّا الشيخ بكلمة بنوية إلى غبطة أبينا البطريرك، عبّر فيها عن فرحه باستقبال غبطته: "بكلّ فرح واعتزاز نستقبل اليوم غبطةَ أبينا البطريرك، وصاحبَ السيادة مار برنابا يوسف حبش، والمونسنيور حبيب مراد. نرحّب بغبطتكم باسم كنيستنا، كنيسة أمّ المعونة الدائمة في مدينة ألكاهون - سان دييغو، ضيفاً عزيزاً وراعياً يحمل لنا صورةً حيّةً عن المسيح الراعي الصالح الذي أقامكم خادماً وراعياً ورسولاً لكنيسته، لتخدموا شعبه المقدس بالأمانة لرسالة التعليم والتقديس والتدبير، وترعوا قطيع المسيح، وتقودوه إلى مراعي النعمة الخصبة والخدمة بعدل ومحبّة، متمّمين الشعار الذي اتّخذتموه: كلاً للكل".
وأكمل قائلاً: "الشباب محور اهتمامنا، هم نصف الحاضر وكلّ المستقبل، ومعكم يا صاحب الغبطة ننظر إلى المستقبل بثقة، لأنّ قلبكم الأبوي الكبير يفيض حبّاً، فيجد فيه جميع أبنائكم مكاناً لهم، لأنّ الحبّ الذي علّمنا إيّاه السيّد المسيح لا حدود له ويشمل كلّ إنسان. أعرف أنّ أقصر آية في الكتاب المقدس "الله محبة"، والمحبّة أساس البنيان، ووجودكم معنا هو فرحة وصورة حيّة لهذه المحبّة النقيّة".
وأشار إلى أنّ "الرسالة صعبة، ولكنّ الرب يسوع قال "لا تخافوا أنا غلبتُ العالم". على هذا الكلام نتّكل كلّنا، وبه نثق، فنسير معكم نحو الأمام بثبات ورجاء قوي لا تزعزعه العواصف والأمواج العاتية. ومنكم يا سيّدنا البطريرك استفدنا وتعلّمنا الكثير، ولا أنسى الآية الجميلة من الكتاب المقدس "بصبركم تقتنون نفوسكم"، والتي كنتم تكرّرونها دائماً على مسامعنا. ما أحوجنا اليوم إلى الصبر... كثير من الصبر، وإلى معرفة أهمّية الصبر في حياتنا، فعندما يغيب عنّا الصبر تغيب عنّا فضائل كثيرة جداً، إنّه صعب لكنّ ثماره حلوة.
وختم كلمته: "إنّ زيارتكم اليوم إلى كنيستنا، والتي وضعتم البذرة الأولى لها يوم 6 نيسان عام 1994 عندما كنتم خوراسقفاً، هي فرحة كبيرة. وأبناء الرعية يعتبرون حضوركم بيننا نعمة كبيرة من الله، ونضرع إليه، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، أمّ المعونة الدائمة، شفيعة كنيستنا، سيّدة النخيل، سيّدة العراق، كي يحميكم ويحمي كنيستنا. صاحبَ الغبطة، كلّ الشكر والتقدير، ومن القلب نقول لكم مرّةً أخرى: أهلاً وسهلاً بكم في بيتكم، شكراً لغبطتكم، ونصلّي من أجلكم".
ثمّ قدّم الخوراسقف عماد حنّا الشيخ إلى غبطته هدية تذكارية بمناسبة زيارته الأبوية هذه، عربون محبّة وشكر ووفاء وتقدير. كما قدّم هدايا تذكارية إلى سيادة المطران يوسف حبش والآباء الخوارنة والكهنة وعدد من الضيوف بهذه المناسبة المباركة.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، التقى بالمؤمنين في الباحة الخارجية للكنيسة في جوّ من الفرح الروحي العابق بمحبّة الأبناء نحو أبيهم الروحي العام.
|