في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء ٤ تشرين الأول ٢٠٢٣، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في القداس الافتتاحي لأعمال الدورة الأولى للجمعية العامّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الروماني، والذي ترأّسه قداسة البابا فرنسيس، وذلك في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان.
قدّم الذبيحة الإلهية نيافة الكردينال راي عميد مجمع الكرادلة، وشارك أيضاً في القداس أصحاب الغبطة بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وأصحاب النيافة الكرادلة الجدد الذين سلّمهم قداسة البابا القبّعة الكردينالية يوم السبت الماضي، وأعضاء الجمعية العامّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الروماني من أصحاب النيافة الكرادلة وأصحاب السيادة المطارنة، وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين وعلمانيات من مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن مشاركة جماهير غفيرة من المؤمنين من مختلف البلدان والقارّات.
ورافق غبطةَ أبينا البطريرك إلى هذا القداس الافتتاحي للسينودس صاحبُ السيادة مار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
كما شارك من كنيستنا السريانية الكاثوليكية في هذا القداس وفي السينودس: الأخت هدى فضّول من رهبانية دير مار موسى الحبشي في النبك - سوريا، والأستاذ سعد أنطي مدير مركز مار أسيا الحكيم في أبرشية الحسكة ونصيبين، والذي شارك في تقديم القرابين إلى قداسة البابا خلال هذا القداس.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، توجّه قداسة البابا فرنسيس إلى أعضاء السينودس بالقول: "نحن هنا في افتتاح الجمعية السينودسية. ولا نحتاج إلى نظرة داخلية، مبنيّة على استراتيجيات بشرية، أو حسابات سياسية، أو نزاعات إيديولوجية: إذا كان السينودس سيسمح بهذا الأمر أو بذاك، أو إذا كان سيفتح هذا الباب أو ذاك... هذه الأمور لا تفيد. نحن لسنا هنا لكي نعقد اجتماعاً برلمانياً أو لكي نضع خطّة إصلاح. لا، نحن هنا لكي نسير معاً بنظرة يسوع، الذي يبارك الآب ويقبل المُتعبين والمُثقَلين بالأحمال. يتحلّى يسوع بنظرة قادرة على الرؤية بعمق: هو يمدح حكمة الآب، ويستطيع أن يرى الخير الخفي الذي ينمو، بذرة الكلمة التي يقبلها البسطاء، نور ملكوت الله الذي يشقُّ طريقه حتّى في الليل".
وتناول قداسته نظرة الرب يسوع التي "تبارك وتدعونا كي نكون كنيسة تتأمّل بقلب فَرِح عملَ الله وتميِّز الحاضر. وفي وسط أمواج زمننا التي قد تكون مضطربة أحياناً، لا تفقد الكنيسة شجاعتها، ولا تلجأ إلى منافذ إيديولوجية، ولا تختبئ خلف قناعات مُكتسَبة، ولا تستسلم لحلول مريحة، ولا تسمح للعالم أنّ يحدّد أجندتها. هذه هي الحكمة الروحية للكنيسة، كما لخّصها القديس البابا يوحنّا الثالث والعشرون: "من الضروري أولاً ألا تحيد الكنيسة أبداً عيونها عن إرث الحقيقة المقدس الذي ورثته من الأقدمين. وفي الوقت عينه، تحتاج أيضاً إلى أن تنظر إلى الحاضر، الذي يتضمّن حالات جديدة وأساليب عيش جديدة، وفتح دروب جديدة للعمل الرسولي". إنّ نظرة يسوع التي تبارك تدعونا كي نكون كنيسة لا تواجه تحدّيات ومشاكل الحاضر بروح انقسام ونزاع، بل على العكس، توجّه العيون إلى الله الذي هو شركة، وبدهشة وتواضع، تباركه وتعبده معترفةً بأنّه ربّها الوحيد".
ولفت قداسته إلى أنّنا "نحن ننتمي إلى الرب يسوع، ولنتذكّر دائماً أنّنا موجودون فقط لكي نحمله للعالم، ولكي لا نفتخر "إلا بصليب ربّنا يسوع المسيح". لا نريد مجداً دنيوياً، ولا نريد أن نبدو جميلين في أعين العالم، بل نريد أن نصل إليه بتعزية الإنجيل، لكي نشهد بشكل أفضل، وللجميع، على محبّة الله اللامتناهية. في الواقع، كما قال البابا بنديكتوس السادس عشر في خطابه لجمعية سينودسية: "السؤال بالنسبة لنا هو: هل تكلّم الله؟ هل كسر حقّاً الصمت الكبير؟ هل أظهر نفسه؟ ولكن كيف يمكننا أن نقدّم هذا الواقع لإنسان اليوم، لكي يصبح خلاصاً؟ هذا هو السؤال الأساسي. وهذا هو الواجب الرئيسي للسينودس: إعادة تركيز نظرتنا على الله، لكي نكون كنيسة تنظر إلى البشرية برحمة. كنيسة متّحدة وأخوية، تصغي وتحاور، كنيسة تبارك وتشجّع، تساعد من يبحث عن الرب، وتهزُّ بشكل إيجابي الذين لا يبالون، وتُطلق مسارات لكي تنشّئ الأشخاص على جمال الإيمان. كنيسة تضع الله في المحور، وبالتالي لا تنقسم من الداخل، ولا تكون قاسية من الخارج. هكذا يريد يسوع الكنيسة، عروسه"، على حدّ تعبير البابا بنديكتوس".
وتحدّث قداسته عن نظرة الرب يسوع التي "تستقبل في حين أنّ الذين يعتقدون أنّهم حكماء يصعب عليهم أن يعترفوا بعمل الله، هو يتهلّل في الآب لأنّه يظهر نفسه للصغار والبسطاء وفقراء الروح. ولذلك، طوال حياته، اتّخذ هذه النظرة التي تستقبل إزاء الأشخاص الأشدّ ضعفاً والمتألّمين والمهمَّشين. تدعونا هذه النظرة كي نكون كنيسة مضيافة، وليس كنيسة أبوابها مغلقة. في زمن مُعقَّد مثل زمننا، تظهر تحدّيات ثقافية ورعوية جديدة، تتطلّب موقفاً داخلياً ودّياً ولطيفاً، لكي نتمكّن من أن نتناقش بدون خوف".
وشدّد قداسته على أنّه "في الحوار السينودسي، في هذه الـ "مسيرة في الروح القدس" الجميلة التي نقوم بها معاً كشعب الله، يمكننا أن ننمو في الوحدة والصداقة مع الرب، لكي ننظر إلى تحدّيات اليوم بنظرته، ولكي نصبح، "كنيسة تصبح حواراً"، على حدّ تعبير القديس البابا بولس السادس، كنيسة "نيرها لطيف"، لا تفرض أثقالاً، وتقول للجميع: "تعالوا، أيّها المتعبون والمثقلون بالأحمال، تعالوا، أيّها الذين ضللتم الطريق، أو تشعرون بأنّكم بعيدون، تعالوا، أيّها الذين أغلقتم الأبواب أمام الرجاء: إنّ الكنيسة حاضرة هنا من أجلكم، كنيسة الأبواب المفتوحة للجميع بدون استثناء".
ونوّه قداسته إلى أنّه "أمام الصعوبات والتحدّيات التي تنتظرنا، تمنعنا نظرة يسوع التي تبارك وتستقبل من أن نقع في بعض التجارب الخطيرة: أن نكون كنيسة صارمة - مكتب جمارك، تتسلّح ضدّ العالم وتنظر إلى الوراء، أن نكون كنيسة فاترة تستسلم لنزعات العالم، أن نكون كنيسة متعبة ومنغلقة على نفسها. لنسر معاً متواضعين، متحمّسين، وفرحين. لنسر على خطى القديس فرنسيس الأسيزي، قديس الفقر والسلام، "مجنون الله"، والذي حمل جراح المسيح في جسده وتجرّد عن كلّ شيء لكي يلبس المسيح".
وأكّد قداسته على أنّ "السينودس يصلح لكي يُذكِّرنا بهذا: إنّ أمّنا الكنيسة تحتاج على الدوام أن تتطهّر ويتمّ إصلاحها، لأنّنا جميعاً شعب خطأة غفر لهم، ومعوزون على الدوام كي يعودوا إلى الينبوع الذي هو يسوع، ويسيروا مجدّداً على دروب الروح القدس، حتّى يبلغوا الجميع بإنجيله. إنّ القديس فرنسيس الأسيزي، في زمن من الصراعات والانقسامات الكبيرة، بين السلطة الزمنية والدينية، بين الكنيسة المؤسّسات وتيّارات الهرطقة، بين المسيحيين والمؤمنين الآخرين، لم ينتقد أو يهاجم أحداً، بل تمسّك فقط بأسلحة الإنجيل: التواضع والوحدة والصلاة والمحبّة. لنفعل هكذا نحن أيضاً".
وختم قداسته موعظته مذكّراً أنّه "إذا كان شعب الله المقدس مع رعاته من جميع أنحاء العالم يغذّي انتظاراتٍ وآمالاً، وربّما بعض المخاوف أيضاً، حول السينودس الذي نبدأه، فالسينودس ليس تجمُّعاً سياسياً، بل دعوة في الروح القدس، وليس برلماناً مُستقطباً، بل هو مكان نعمة وشركة. ثمّ إنّ الروح القدس، وفي كثير من الأحيان، يكسر انتظاراتنا لكي يخلق شيئاً جديداً يتخطّى توقّعاتنا وسلبياتنا. لننفتح عليه ولنستدعيه، هو الرائد، الروح القدس، ولنسر معه بثقة وفرح".
|