في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد 29 تشرين الأول 2023، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في القداس الاحتفالي الختامي للدورة الأولى للجمعية العامّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الروماني، والذي ترأّسه قداسة البابا فرنسيس، وذلك في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
قدّم الذبيحة الإلهية نيافة الكردينال ماريو كريك أمين عام سينودس الأساقفة الروماني، وشارك أيضاً في القداس أصحاب الغبطة بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وأعضاء الجمعية العامّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الروماني من أصحاب النيافة الكرادلة وأصحاب السيادة المطارنة، وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين وعلمانيات من مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن مشاركة جماهير غفيرة من المؤمنين من مختلف البلدان والقارّات. وقد رافق غبطةَ أبينا البطريرك للمشاركة في هذا القداس صاحبُ السيادة مار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث قداسة البابا فرنسيس عن سؤال أحد معلّمي الشريعة للرب يسوع: "ما هي الوصية الكبرى؟"، وهو "سؤال مهمّ وآنيّ على الدوام، ويشقّ طريقه أحياناً إلى قلوبنا وإلى حياة الكنيسة. نحن أيضاً، المنغمسون في نهر التقليد الحيّ، نسأل أنفسنا: ما هو الشيء الأكثر أهمّية؟ ما هو المحور المُحرِّك؟ ما هو الأهم، لدرجة أن يكون المبدأ المُلهم لكلّ شيء؟ إنَّ جواب يسوع واضح: "أحبِب الرب إلهكَ بكلّ قلبكَ وكلّ نفسكَ وكلّ ذهنكَ، تلك هي الوصية الكبرى والأولى. والثانية مثلها: أحبِب قريبكَ حبّكَ لنفسك".
وتوجّه قداسته "إلى الإخوة الكرادلة، الإخوة الأساقفة والكهنة، الرهبان والراهبات، الإخوة والأخوات، في ختام هذه المرحلة من المسيرة التي قطعناها، من المهمّ أن ننظر إلى "المبدأ والأساس" الذي منه يبدأ كلّ شيء: محبّة الله بكلّ حياتنا، ومحبّة القريب محبّتنا لأنفسنا. لا استراتيجياتنا، ولا حساباتنا البشرية، ولا موضة العالم، بل محبّة الله والآخرين: هذا هو قلب كلّ شيء"، مقترحاً فعلَين للتأمّل: "العبادة والخدمة".
وتناول قداسته "فعل العبادة، فالحبّ هو عبادة، والعبادة هي الجواب الأول الذي يمكننا أن نقدّمه لمحبّة الله المجانية والمدهشة. وهي تعني الاعتراف بالإيمان بأنّ الله وحده هو الرب، وأنّ حياتنا، ومسيرة الكنيسة، ومصير التاريخ يعتمدون على حنان محبّته. إنّه معنى الحياة. ومن خلال عبادة الله نكتشف مجدّداً أنّنا أحرار، لهذا السبب، غالباً ما ترتبط محبّة الرب في الكتاب المقدس بمحاربة جميع أشكال عبادة الأوثان. إنَّ الذي يعبد الله يرفض الأصنام، لأنّه فيما أنّ الله يحرّر، الأصنام تستعبد. هي تخدعنا ولا تحقّق أبداً ما تعد به، لأنّها صنع أيدي البشر".
ولفت قداسته إلى أنّه "علينا دائماً أن نحارب ضدَّ عبادة الأصنام، تلك الدنيوية، والتي غالباً ما تنبع من المجد الشخصي، مثل الرغبة في النجاح، وتأكيد الذات بأيّ ثمن، والجشع من أجل المال، وسحر الوصولية، وإنّما أيضاً عبادات الأصنام تلك المتخفّية في صورة روحانية: أفكاري الدينية، ومهارتي الرعوية... لنسهر كي لا ينتهي بنا الأمر في أن نضع أنفسنا في المحور بدلاً من الله، ولنعد إلى العبادة. ليكن هذا الأمر محورياً بالنسبة لنا نحن الرعاة: لنخصّص وقتاً يومياً لعلاقة حميمة مع يسوع الراعي الصالح أمام بيت القربان. لتكن الكنيسة كنيسة تعبد، ولنعبد الرب في كلّ أبرشية، في كلّ رعية، في كلّ جماعة! لأنّه بهذه الطريقة فقط سنتوجّه إلى يسوع، وليس إلى أنفسنا، لأنّه فقط من خلال الصمت المُصلّي ستسكن كلمة الله في كلماتنا، لأنّنا فقط أمامه سنتطهّر ونتحوّل ونتجدّد بنار روحه. أيّها الإخوة والأخوات، لنعبد الرب يسوع!".
وتكلّم قداسته عن "الفعل الثاني، وهو الخدمة، الحبّ هو أن تخدم. في الوصية الكبرى، يربط المسيحُ اللهَ والقريبَ، كي لا ينفصلا أبداً. لا توجد خبرة دينية حقيقية تصمّ آذانها عن صرخة العالم، لا توجد محبّة لله دون مشاركة في العناية بالقريب، وإلا فهناك خطر الفرّيسية. ربّما لدينا بالفعل الكثير من الأفكار الجميلة لإصلاح الكنيسة، لكن لنتذكّر: عبادة الله ومحبّة الإخوة بمحبّته، هذا هو الإصلاح العظيم والدائم. أن نكون كنيسة تعبد وكنيسة تخدم، تغسل أقدام البشرية الجريحة، وترافق مسيرة الضعفاء والمهمَّشين، وتخرج بحنان للقاء الفقراء".
ونوّه قداسته إلى أنّه يفكّر "بالذين هم ضحايا لفظائع الحرب، بآلام المهاجرين، والألم الخفي للذين يجدون أنفسهم وحيدين وفي ظروف الفقر، وبالذين تسحقهم أعباء الحياة، والذين لم تعد لديهم دموع، والذين لا صوت لهم. وأفكّر في عدد المرّات التي يتمّ فيها، خلف كلمات جميلة ووعود مُقنعة، تعزيز أشكال استغلال، أو لا يتمّ فعل أيّ شيء لمنعها. إنّ استغلال الأشخاص الأشدّ ضعفاً هو خطيئة جسيمة تُفسِد الأخوَّة وتدمّر المجتمع. نحن، تلاميذ يسوع، ونريد أن نحمل إلى العالم خميرة أخرى، خميرة الإنجيل: الله في المقام الأول، ومعه الذين يحبّهم، الفقراء والضعفاء".
وشدّد قداسته على أنّ "هذه هي الكنيسة التي نحن مدعوون لأن نحلم بها: كنيسة تكون خادمة للجميع، وخادمة للأخيرين. كنيسة لا تطلب أبداً شهادة "حسن سيرة وسلوك"، بل تقبل وتخدم وتحبّ. كنيسة أبوابها مفتوحة، وتكون ميناء رحمة... إنّ الجمعية السينودسية تقترب من نهايتها، في "محادثة الروح" هذه، تمكّنّا من أن نختبر حضور الرب الحنون، وأن نكتشف جمال الأخوَّة. لقد أصغينا لبعضنا البعض، وبشكل خاصّ، في التنوّع الغني لقصصنا وحساسياتنا، وضعنا أنفسنا في إصغاءٍ للروح القدس. اليوم، لا نرى الثمرة الكاملة لهذه العملية، ولكن يمكننا أن ننظر ببصيرة إلى الأفق الذي ينفتح أمامنا: إنَّ الرب سيرشدنا وسيساعدنا لنكون كنيسة أكثر سينودسية وإرسالية، تعبد الله وتخدم رجال ونساء زمننا، وتخرج لكي تحمل للجميع فرح الإنجيل المعزّي".
وختم قداسته موعظته بالقول: "أيّها الإخوة والأخوات: أشكركم على كلّ ما فعلتموه في السينودس، وعلى ما تواصلون القيام به! أشكركم على المسيرة التي قمنا بها معاً، وعلى الإصغاء والحوار. وإذ أشكركم، أودّ أن أتمنّى لنا جميعاً: أن نتمكّن من أن ننمو في عبادة الله وفي خدمة القريب. ليرافقنا الرب، ولنمضِ قُدُماً بفرح!".
|