في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الإثنين ٢٥ كانون الأول ٢٠٢٣، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، بحضور ومشاركة الأب سعيد مسّوح قيّم دير الشرفة وإكليريكية سيّدة النجاة البطريركية، والشمامسة، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين الذين قَدِموا ليشاركوا في القداس ويهنّئوا غبطته بالعيد.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد الميلاد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وفي نهايتها، رنّم غبطته الإنجيل المقدس من بشارة القديس لوقا، ثمّ أضرم ناراً في موقدة وُضِعت في وسط الهيكل، وزيّح فوقها الطفل يسوع. بعدئذٍ طاف غبطته في زيّاح حاملاً الطفل يسوع، يتقدّمه الكهنة والشمامسة والأطفال، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، وترانيم الميلاد، ليوضَع بعدها الطفل يسوع في المكان المرموز به إلى المذود في المغارة التي نُصِبَت داخل الكنيسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتحيّة المعايدة الميلادية "وُلِدَ المسيح... هللويا"، وجاءت الموعظة بعنوان "الله يكلّمنا بابنه"، فاعتبر غبطته أنّ "عيد الميلاد هو عيد الفرح، عيد البهجة، عيد العائلة التي تلتقي معاً، كباراً وصغاراً، كي يحتفلوا بهذا الحدث الأعجوبي الذي نؤمن به، ميلاد الرب يسوع في بيت لحم. فعندما نقول إنّ الرب يسوع هو كلمة الآب الازلي، نعلم أنّه هو مولود من الآب، والكلمة تعني أفضل ما للكائن العاقل، فالله بكلمته خلق العالم. لذلك، كما سمعنا من الرسالة إلى العبرانيين، الله كلّم البشر في آخر الأزمنة بابنه الوحيد".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "في اللغة السريانية نرتّل، كما فعلنا منذ قليل، "ܒܬܘܠܬܐ ܝܠܕܬ ܕܘܡܪܐ" (لقد ولدت البتول عجباً)، وفعلاً عندما نعيّد عيد ميلاد الرب، نتذكّر أنّ ميلاد الرب بالجسد من مريم العذراء هو عظيم وعجيب، لا نقدر أن نفهمه بعقلنا البشري. لذلك نسمّيه سرّ التجسّد، بمعنى أنّ الله الآب، بمحبّته لنا نحن البشر، أرسل ابنه، كلمته، متجسّداً من مريم البتول، وهذا ما سمعناه من الإنجيل المقدس. كما سمعنا أيضاً من القراءة من إشعيا النبي، وهو من أهمّ الأنبياء من العهد القديم، من القرن الثامن قبل الميلاد، وهو الذي تنبّأ قائلاً: ها هي البتول تحمل وتلد ابناً، ويُدعى اسمه عمانوئيل، هو الله معنا".
ولفت غبطته إلى أنّنا "عندما نحتفل بعيد الميلاد، نحتفل بالفرح، ونتبادل التهاني، لا سيّما بين الأهل وأفراد العائلة، ومع أولادنا وشبابنا، والذين يريدون حقيقةً أن يبقوا متعلّقين بلبنان. وهذا ما نريده لهم، لأنّه مهما كانت الظروف حالكة في لبنان، سنظلّ متمسّكين ومتجذّرين في هذه الأرض الطيّبة، أرض آبائنا وأجدادنا، رغم كلّ ما يحدث".
وتساءل غبطته "عن هذا العجب، كيف أنّ الرب يسوع، وهو ملك السلام، يأتي إلينا، والعالم يتخبّط بحروب وبانقسامات مخيفة، وحتّى في الكنيسة، وللأسف هناك من يدعو إلى تغيير الأخلاق المسيحية، وهذا الشيء ضدّ مفهوم العائلة، العائلة المسيحية المؤسَّسة على الأب والأمّ والأولاد، وبالإمكان القول شبه العائلة المقدسة، الطفل الإلهي الرب يسوع ومريم ويوسف".
وتضرّع غبطته "إلى الرب كي يقوّينا ويقوّي إيماننا ورجاءنا، ونحن نتابع شهادتنا في أرضنا ووطننا لبنان، وسنبقى على هذه الأرض مهما عصفت العواصف والقلاقل والحروب"، مستذكراً "جميع الذين يعيشون هذه الأيّام بحزن وألم، ولا سيّما أهلنا الأعزّاء في قره قوش (بغديده) - العراق، حيث العدد الأكبر من السريان الكاثوليك في العالم، والذين فُجِعوا للأسف الشديد في ٢٦ أيلول الفائت بفاجعة العرس التي راح ضحيّتها ١٣٣ شخصاً، فضلاً عن مئات الجرحى"، سائلاً "الله أن يرحم نفوس الضحايا، ويشفى الجرحى، ويعزّي قلوب الأهل والأحبّاء".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في المنطقة، متطرّقاً إلى أحوال "الذين يعانون بسبب الحرب في الأراضي المقدسة، وخاصّةً في غزّة، وكذلك أهلنا في الجنوب اللبناني، كي يستطيعوا أن يصبروا ويترفّعوا على آلامهم، ولا ينسوا أنّ الرب يسوع قد جاء ليحلّ الأمن والسلام، لكنّ الإنسان بخطيئته هو الذي يرفض هذا الوعد بالسلام والأمان".
وختم غبطته موعظته مبتهلاً "إلى الرب يسوع، الطفل الإلهي المولود في مذود بيت لحم، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، ومار يوسف حامي العائلة المقدسة، كي يؤهّلنا أن نعيّد جميعنا أعياد فرح وسلام ومحبّة".
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل غبطته تهاني المؤمنين بمناسبة هذا العيد المجيد، مع التمنّيات بالصحّة والعافية والعمر المديد.
|