في تمام الساعة السادسة من مساء يوم السبت ٦ كانون الثاني 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد الدنح أي الظهور الإلهي (الغطاس)، وهو عيد عماد الرب يسوع على يد يوحنّا المعمدان في نهر الأردن، وذلك على مذبح كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – المتن، لبنان.
عاون غبطتَه في القداس المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة – الفنار، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، بمشاركة الشمامسة، وجوق الرعية، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء رعية مار بهنام وسارة، ومن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين، والذين غصّت بهم الكنيسة.
في بداية القداس، أقام غبطة أبينا البطريرك رتبة عيد الدنح وتبريك المياه بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، حيث طاف في زيّاح مهيب داخل الكنيسة، وشّح خلاله غبطتُه السيّدَ كابي ملكو بخمارٍ أبيض، ليمثّل إشبين الرب يسوع، بحسب العادة المتَّبَعة، فيحمل قنّينة الماء التي يعلوها الصليب المقدس.
ثمّ بارك غبطته المياه المُعَدَّة ليتبارك منها المؤمنون، وتكون لصحّة النفوس والأجساد، والحماية من المضرّات، ومَعين القداسة والخيرات، ومصدر المعونة والتعزية. كما أقام غبطته بركة الجهات الأربع بالصليب المقدس والمياه المبارَكة.
وفي موعظته بعد الرتبة، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن "عيد الدنح، عيد الغطاس، عيد عماد الرب يسوع، والدنح كلمة سريانية تعني "الظهور"، فاليوم، بعماده في نهر الأردن، أظهر لنا الرب يسوع جوهره الإلهي أمام الملأ، أمام الشعب الذي كان يعتمد. تنازل الرب يسوع واعتمد على يد يوحنّا الذي كان يمانع بدايةً: كيف أعمّد أنا الخاطئ حملَ الله؟، لكنّ يسوع طلب منه أن يعمل ما يجب عليه أن يعمله حتّى يكمل البرّ، وما هو البرّ؟ هو مشروع الخلاص لنا نحن البشر. يسوع أخلى ذاته، كما نعلم من تعاليم مار بولس، أخلى ذاته من كلّ شيء، تقبّل كلّ شيء، وشابَهَنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وأحبّنا حتّى قدّم ذاته على خشبة الصليب".
ولفت غبطته إلى أنّنا "سمعنا من بعض القراءات من العهد القديم، من الأنبياء الذين كانوا يتنبّأون عن يسوع، بعضَ الرموز التي كانت قد اكتملت في أيّام موسى حين حلّى الماء المالح كي يشرب الشعب. وسمعنا أيضاً من سفر أعمال الرسل ذاك النص الرائع الذي هو عماد الخصيّ من إثيوبيا - الحبشة، والذي كان يهودياً جاء ليزور المدينة المقدسة، وكان في طريق عودته يقرأ في سفر النبي إشعيا. فألهم الروحُ القدسُ فيلبّسَ الرسولَ أن يلتقي بهذا الحبشي، ويشرح له معنى هذا النص من سفر النبي إشعيا من العهد القديم. وبنعمة الله، حلَّ الإيمانُ في قلب هذا الإثيوبي الحبشي الذي يبدو أنّه كان لديه مركز مرموق في المملكة، فطلب أن يعتمد على يد فيلبّس، وكان من أوائل الناس الذين اعتمدوا في المسيحية، حسبما يخبرنا سفر أعمال الرسل".
ونوّه غبطته إلى أنّكم "تقولون كيف تكلّم هذا الحبشي مع فيلبّس؟، بالتأكيد أنّ فيلبّس كان قد نال الروح القدس وأضحى يعرف اللغات، لكن كذلك إذا تعمّقنا في هذا الأمر، نجد أنّ أهل الحبشة كانوا يتكلّمون أيضاً اللغة الآرامية السريانية. فقد كان هناك مجال إذاً أن يتفاهم فيلبّس والحبشي، والحبشة هي من أوائل الممالك التي أصبحت مسيحية وإلى اليوم، ومعنى عاصمتها، على سبيل المثال، أديس أبابا، كلمتان سريانيتان تعنيان الزهرة الحديثة، هذا البلد الذي يُسمَّى اليوم إثيوبيا، لا يزال أغلب سكّانه من المسيحيين حتّى اليوم. وما يهمنا أيضاً أنّنا نعرف أنّه في بلاد أفريقيا، لا سيّما في مصر وإثيوبيا، حافظت المسيحية على وجودها".
وأشار غبطته إلى أنّ "القديس بولس الرسول يذكّرنا حين يكتب في رسالته إلى تلميذه تيطس أنّنا نلنا الإيمان، وأنّ علينا أن نسلك حسب هذا الإيمان، فنتنافس مع بعضنا في عمل الخير، لا أن نكره بعضنا ونبثّ الشقاق فيما بيننا، بل علينا أن نعيش الوحدة برباط المحبّة التي علّمنا إيّاها يسوع. وهنا نتأمّل بالرب يسوع الذي اعتمد حتّى يُظهِر ألوهته، وفي الوقت عينه كي يبيّن لنا محبّته ورحمته".
وشرح غبطته معاني رتبة عيد الدنح وتبريك المياه، وهي رتبة هامّة وفريدة، متوقّفاً عند أهمّية المعمودية كسرّ، ومفاعيلها في حياة المؤمن، فقال: "كما رأينا، درنا في الكنيسة في بداية القداس مع قنّينة الماء، يحملها إشبين المسيح، السيّد كابي ملكو حمل القنّينة باسمكم جميعاً، كي يَظهَر على أنّه عرّاب أو إشبين للمسيح. وتعرفون أهمّية أن يكون الشخص عرّاباً أو عرّابةً للمعمَّد أو للمعمَّدة، فهناك صلة روحية وثيقة بين المعمَّد وعائلته من جهة، وبين الإشبين وعائلته من جهة أخرى، نسمّيها القرابة الروحية. هذا الإشبين هو الصديق العزيز على الرب يسوع، وهنا نسأل الرب يسوع أن يجعل من جميع شبّاننا أعزّاء له وأصدقاء بالفعل، وليس فقط بالكلام، بل بحياة مسيحية صالحة".
وأكّد غبطته على أنّ "الرب يسوع طلب منّا أن نعيش المحبّة الحقيقية في العائلة، وأن تكون عائلاتنا مقدَّسة ومبارَكة، وأن تتغلّب على الصعوبات التي تصادفها في طريق هذه الحياة، وما أكثرها اليوم! ونحن نسمع ذلك من الذين يخدمون في المحاكم الكنسية، وللأسف الشديد، وهذا الأمر يؤلم قلبنا، لأنّ المشاكل العائلية تزداد، ويلجأ الزوجان إلى المحاكم، في حين يجب عليهما العودة للصلاة والطلب من الرب أن يلهمهما بالروح القدس، كيف عليهما أن يكملا وعد المحبّة الذي وعدا به، كلّ واحد منهما للآخر، عندما نالا سرّ الزواج. عليهما أن يعرفا أنّ لدى كلّ مؤمن طاقة روحية تستطيع أن تساعده كي يتغلّب على كلّ صعوبات الحياة، على كلّ مشاكل المعاملة والتواصل بين الشخصين، مهما كانت ظروف حياتهما، فيفهم كلّ واحد منهما الآخر، حتّى يعرفا أن يحافظا على رباط المحبّة كخيمة حقيقية للأولاد".
وذكّر غبطته المؤمنين بأنّهم يعرفون "المشاكل الموجودة في عالمنا اليوم، ونسمع ذلك ليس فقط في الغرب، بل هنا في الشرق أيضاً، فالبركة تُعطى فقط للشخص الذي يضع نفسه أمام الله، ويطلب نِعَمَه كي يكمل حياته الصالحة، البركة تُعطى للزوجين الصالحين. فالكنيسة هي أمّ وكلّها رحمة وحنان وتقبل الجميع، لكنّها لا تعطي البركة لأشخاص يريدون أن يستمرّوا في العيش في حالة الخطيئة".
وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، بجاه عماده وظهوره الإلهي في نهر الأردن، أن يمنحنا النِّعَم اللازمة كي نتابع مشوار حياتنا كما يريد هو ويرضي مشيئته، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، والقديسين بهنام وسارة الشهيدين، وجميع القديسين والشهداء".
وبعد البركة الختامية، تمّ توزيع قناني المياه المبارَكة على المؤمنين، بركةً لهم ولعائلاتهم ومنازلهم.
|