في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأحد 18 شباط 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد القديس مار أفرام السرياني شفيع كنيستنا السريانية وملفان الكنيسة الجامعة والأحد الثاني من زمن الصوم الكبير، وذلك في كاتدرائية الروح القدس في الحميدية – حمص، سوريا.
بدايةً وصل غبطته إلى دار مطرانية حمص وحماة والنبك في الحميدية – حمص، ملبّياً دعوة صاحب السيادة مار يوليان يعقوب مراد رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك، للاحتفال بهذا العيد المبارك، يرافقه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
ثمّ توجّه غبطته إلى كاتدرائية الروح القدس في موكب حبري مهيب، يتقدّمه الآباء الخوارنة والكهنة، فسيادة راعي الأبرشية، على أنغام عزف موسيقى فرقة الكشّاف السرياني.
واحتفل غبطته بالقداس، يعاونه صاحب السيادة المطران يعقوب مراد، والخوراسقف ميشال نعمان كاهن الرعية، بمشاركة الآباء الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة، وجموع غفيرة جداً من المؤمنين الذين غصّت بهم الكاتدرائية وباحتها، وقد تقاطروا من مختلف رعايا الأبرشية وأرجائها لنيل بركة غبطته والمشاركة في هذه المناسبة المباركة.
كما شارك في القداس صاحب النيافة مار تيموثاوس متّى الخوري مطران حمص وحماة وطرطوس وتوابعها للسريان الأرثوذكس، وصاحب السيادة المطران عبدو عربش رئيس أساقفة حمص وحماة ويبرود للروم الملكيين الكاثوليك، وعدد من الكهنة ممثّلين الكنائس الشقيقة في حمص.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن فرحه وسروره لأنّنا "نلتقي في هذه الكاتدرائية، بيت الله، كي نمجّد الله قبل كلّ شيء، وكي نحتفل بالذبيحة الإلهية في هذا العيد المبارك، عيد القديس مار أفرام السرياني، والأحد الثاني من زمن الصوم الكبير، والذي فيه تُحيِي الكنيسة السريانية تذكار أعجوبة شفاء الأبرص التي اجترحها الرب يسوع".
وتحدّث غبطته عن "القديس مار أفرام السرياني، ابن نصيبين الواقعة في تركيا اليوم على الحدود السورية – التركية بالقرب من مدينة القامشلي في سوريا. في اللغة السريانية نقول "ܐܰܦܪܶܝܡ ܣܽܘܪܝܳܝܳܐ أفرام السرياني، أي أفرام السوري، لأنّ كلمة السريان جاءتنا من لغات أجنبية تعبيراً أو دليلاً عن الوطن سوريا، في الوقت الذي كانت تُعرَف فيه سوريا بلاداً واسعةً شرقاً وشمالاً وجنوباً".
ونوّه غبطنه إلى أنّنا "نعتزّ بهذا القديس الذي، تؤدّي كلّ الكنيسة الجامعة على مختلف طوائفها ترانيمه، وتنشد أناشيده، وتصلّي صلواته منذ أجيال وأجيال، هذا القديس الشهير من القرن الرابع قد شاركَ مطرانَه، مطرانَ نصيبين، مار يعقوب النصيبيني، بحضور المجمع النيقاوي الذي عُقِد في نيقية سنة 325، وإن شاء الله سيحتفل جميع المسيحيين في العام القادم بذكرى مرور 1700 سنة على انعقاده كأوّل مجمع مسكوني، والمسكوني أي الذي يشمل كلّ الكنائس شرقاً وغرباً".
ولفت غبطته إلى أنّ "مار أفرام عُرِف بغزارة تآليفه، إذ ألّف الميامر والمداريش، أي الأشعار والأناشيد التي تشرح لنا الكتاب المقدس. وقد كتب أحد المؤرّخين المسيحيين: إن فُقِدَ الكتاب المقدس، لا سمح الله، نجده في مؤلّفات مار أفرام السرياني. أفرام عُرِفَ بزهده، لذلك تحتفل الكنيسة السريانية، الكاثوليكية والأرثوذكسية، بأعياد عديدة للقديس مار أفرام، ولكنّ العيد الرسمي الأهمّ هو في السبت الأول من زمن الصوم الكبير، لأنّ أفرام اشتهر بتقشُّفه وزهده. كما اشتهر أفرام أيضاً بتواضعه، فقد بقي شمّاساً، واعتذر عن قبول الرسامة الكهنوتية لتواضعه، وهو الذي أنشد يعظّم سرّ الكهنوت بأناشيده. فقال: ܟܳܗܢܳܐ ܪܰܒ ܡܶܢ ܡܰܠܰܐܟ̈ܶܐ ܘܰܡܥܰܠܰܝ ܡܶܢ ܢܽܘܪ̈ܳܢܶܐ الكاهن أعظم من الملائكة وأسمى من النورانيين. ويتابع متأمّلاً بعظمة سرّ الكهنوت: ܥܰܠ ܦܰܓܪܳܐ ܫܰܪܝܳܐ ܢܽܘܪܳܐ ܘܥܰܠ ܟܳܣܳܐ ܫܰܠܗܶܒܺܝܬܳܐ܆ ܘܒܶܝܬ ܢܽܘܪܳܐ ܠܫܰܠܗܶܒܺܝܬܳܐ ܩܳܐܶܡ ܟܳܗܢܳܐ ܘܰܡܚܰܣܶܐ ها هي النار حالّة على الجسد، واللهيب على الكأس، وما بين النار واللهيب يقف الكاهن مستغفراً".
وشدّد غبطته على أنّنا "في هذه المناسبة نتذكّر أنّ الدعوة الكهنوتية هي دعوة سامية من قِبَل الرب، وليست وظيفة، بمعنى أنّ الكاهن يقدّم ذاته كي يمثّل الرب يسوع على المذبح، ويقدّم الأسرار باسم الرب يسوع وباسم الكنيسة. لذلك على الكاهن أن يفي بوعوده الكهنوتية التي أعلنها أمام مطرانه يوم سيامته، بأنّه سيحافظ على هذه الدعوة وهذه الأمانة، وعليه أن يكون مثال الخادم الصالح، متشبّهاً بالرب يسوع. وهنا نتذكّر ما قاله الإنجيلي متّى، إنّه سيظلّ هناك في العالم صالحون وأشرار، هذا هو سرّ الشرّ في الكون. ولكنّ المطلوب من الكاهن أن يكون من هؤلاء الصالحين، فيقود شعب الله نحو الرب يسوع. الكاهن إذاً هو مثالٌ للمؤمنين في التواضع والوداعة والخدمة المتجرّدة، وفي التقوى والصوم".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في سوريا، فقال: "نحن، أيّها الأحبّاء، نعيش أزمنة صعبة جداً، وجميعكم تعيشون هذه المعاناة منذ ما يقرب من 13 سنة، حربٌ أُعلِنَت على هذا البلد الطيّب بشعبه، حربٌ شعواء، للأسف أرادها الظالمون الكبار في هذا العالم، كي يمزّقوا هذا البلد الطيّب، هذا البلد الحضاري الذي أعطانا قديسين بالآلاف، بينهم مار أفرام ومار يعقوب السروجي، وهما ملفانان، أي معلّمان (دكتوران) في علوم الكتاب المقدس. في هذه الذبيحة الإلهية، ندعوكم كي تجدّدوا رجاءكم بالرب يسوع، كما علّمنا مار بولس في رسالته إلى أهل روما، فعلينا أن نبقى رغم كلّ المعاناة أقوى من هذا الظلم والقهر الذي حلّ بشعب سوريا الحبيبة".
وتضرّع غبطته "إلى الرب يسوع، بشفاعة مار أفرام السرياني السوري، كي يحلّ الرب أمنه وسلامه في هذا البلد الغالي علينا جميعاً، وكي يحمي جيشه الذي يضحّي بالكثير، ونحن نسمع من وقتٍ لآخر بهجمات التكفيريين، وبالضحايا التي يقدّمها الجيش السوري الذي يحمي البلاد".
ورفع غبطته الصلاة "من أجل جميع المسؤولين الذين يريدون خير البلد، رغم كلّ المآسي والمصائب التي حلّت به، كي تعود سوريا مثالاً للبلد الغنيّ بتعدُّد كياناته، أكانت دينية أو مذهبية أو قومية. فسوريا هي بلد الحضارة في هذه المنطقة، ونسأل الرب أن يحفظها ويزيل عنها كلّ المظالم، لا سيّما ما يُسمَّى بالعقوبات الاقتصادية الدولية التي تنال قبل كلّ شيء من لقمة الشعب الطيّب، ومن معيشة الناس الأبرياء. إنّنا نجدّد رجاءنا بالرب يسوع، رغم كلّ ما حلّ ويحلّ بنا".
وتوجّه غبطته بالشكر "إلى سيادة راعيكم مار يوليان يعقوب الذي نحتفل بالذكرى الأولى لسيامته الأسقفية في الشهر القادم، ونطلب من الرب أن يرافقه بنِعَمِه وبركاته، كي يكون الخادم الأمين لأبرشيته، والأخ للخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، والأب الروحي لجميعكم، فيتمجّد اسم الرب دائماً".
وكان الخوراسقف ميشال نعمان قد وجّه كلمة ترحيبية بغبطته في بداية القداس، اعتبر فيها أنّ حضور غبطته وترؤُّسه الاحتفال بهذا العيد هو مصدر فرح وبركة للرعية وللأبرشية كلّها، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد.
وقبل ختام القداس، شكر صاحبُ السيادة المطران يعقوب مراد غبطةَ أبينا البطريرك على تكرُّمه بتلبية دعوته وترؤُّس هذا القداس الاحتفالي ومنحِهِ بركتَه الرسوليةَ لأبرشية حمص وحماة والنبك، تعبيراً عن محبّته الأبوية وقربه الدائم منها، راعياً وكهنةً وإكليروساً ومؤمنين، لافتاً إلى أنّ وجود غبطته في وسط هذه المناسبة على رأس الجميع هو بركة للأبرشية برمّتها، سائلاً الله أن يديمه ويعضده في متابعة رعايته الصالحة للكنيسة في كلّ مكان، شاكراً أيضاً حضور صاحبي السيادة والكهنة من الكنائس الشقيقة، والإكليروس والمؤمنين، وفي مقدّمتهم جمعية الرابطة الخيرية في رعية حمص، والتي تحتفل بمرور 65 سنة على تأسيسها، مثنياً على جهودها في مساعدة الفقراء والمحتاجين.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، ألقى رئيس جمعية الرابطة الخيرية السيّد غسّان السمعان كلمة شكر فيها غبطتَه على بركته الأبوية وترؤّسه هذا القداس، وأعلن عن مشروع رعاية اليتيم الذي أطلقَتْه الجمعية في حمص، وسيمتدّ ليشمل مختلف رعايا الأبرشية، موجّهاً الشكر لجميع المتبرّعين والمساهمين فيه.
وقدّم لغبطته درعاً تذكارياً بالمناسبة.
وبطلب من الجمعية، قدّم غبطته دروعاً تكريمية لبعض الأعضاء في الجمعية تقديراً لجهودهم.
بعدئذٍ توجّه غبطته إلى باحة الكاتدرائية حيث أدّت فرقة الكشّاف السرياني بعض المعزوفات تكريماً لغبطته بمناسبة زيارته الأبوية إلى الأبرشية.
ثمّ انتقل غبطته إلى صالة الكاتدرائية حيث استقبل أصحابَ السيادة والإكليروس والمؤمنين الذين نالوا بركته الأبوية، وقدّموا له التهنئة البنوية بهذا العيد المبارك، في جوّ من الفرح الروحي بلقاء الأب بأبنائه الروحيين.
|