في تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم السبت 13 تمّوز 2024، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رتبة تقديس وتكريس كنيسة الروح القدس السريانية الكاثوليكية في ملبورن Melbourne– أستراليا، والتي جاءت بحلّة قشيبة وجميلة، معبّرةً بشكلٍ صارخ عن أهمّية الحضور السرياني في هذا البلد، أستراليا.
بدايةً، دخل غبطة أبينا البطريرك بزيّاح حبري مهيب إلى الكنيسة، يتقدّمه الأساقفة والكهنة والشمامسة. ثمّ ترأّس غبطته رتبة تقديس وتكريس الكنيسة، يعاونه فيها أصحاب السيادة: مار باسيليوس جرجس القس موسى الزائر الرسولي في أستراليا ونيوزيلندا، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والخوراسقف فاضل القس اسحق كاهن إرسالية ملبورن، والذي سعى جاهداً، بمؤازرة المؤمنين الغيارى والأسخياء، إلى اقتناء هذه الكنيسة الجميلة والأولى لكنيستنا السريانية الكاثوليكية في ملبورن.
شارك في الرتبة صاحب السيادة Terence CURTIN المطران المعاون لرئيس أساقفة أبرشية ملبورن اللاتينية على منطقة شمال ملبورن، ممثّلاً سيادة رئيس الأساقفة Peter COMENSOLI الغائب بداعي السفر، وصاحب السيادة الأسقف مار بنيامين إيليّا أسقف كنيسة المشرق الآشورية في ملبورن ونيوزيلندا، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والإكليريكيين من كنيستنا السريانية الكاثوليكية ومن مختلف الكنائس الشقيقة في ملبورن. وخدم القداس شمامسة إرسالية الروح القدس في ملبورن، وأعضاء الجوق. وحضرت هذه المناسبة التاريخية جماهير غفيرة جداً من المؤمنين الذين احتشدوا داخل الكنيسة وفي باحتها والساحات المحيطة بها، معبّرين عن فرحهم وسرورهم بهذا الحفل الروحي التاريخي، وقد قَدِموا بشوق ولهفة لنيل بركة غبطته في زيارته الرسولية والأبوية الثانية لهذه الإرسالية المباركة.
كما حضر هذا الاحتفال الروحي عدد من المسؤولين الرسميين في حكومة ولاية فيكتوريا التي تعود إليها مدينة ملبورن، وعدد من المسؤولين المحلّيين في ملبورن، وجمع من المدعوين، واللجنة المكلَّفة تنفيذ مشروع الكنيسة.
تلا غبطة أبينا البطريرك الصلوات الخاصّة برتبة تقديس وتكريس الكنيسة بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وخلالها قام غبطته بمسح المذبح المقدس بالميرون، وكذلك الواجهة الخلفية للمذبح، يعاونه أصحاب السيادة المطارنة. ثمّ كلّف غبطته المطارنة ليقوموا بمسح جهات الكنيسة وأبوابها بالميرون المقدس، ليقوم غبطته بعد ذلك بإكساء المذبح بالحلّة الكنسية البهيّة، وسط جوٍّ من الخشوع والفرح الروحي، مع التصفيق والتهليل والزغاريد.
وبعد انتهاء الرتبة، ألقى سيادة المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى كلمة عبّر في مطلعها عن "الترحيب والتعبير عن شكرنا البنوي لغبطة أبينا البطريرك الأنطاكي لقدومه إلينا في هذا اليوم التاريخي في حياة إرسالية الروح القدس في ملبورن، وترؤّسه رتبة تقديس وتكريس كنيستنا، كنيسة الروح القدس، أول كنيسة للجالية السريانية الكاثوليكية في ملبورن"، شاكراً أيضاً الأبرشية اللاتينية في ملبورن على استقبالها واحتضانها إرسالية الروح القدس، كاهناً ومؤمنين، اعتباراً من عام 2011.
وتابع سيادته: "إنّه يوم انتظرناه بشوق وتطلُّع وأمل، ونستقبله اليوم بالهلاهل والبهجة والرجاء. فإليكم، يا أبا الآباء، ومن خلالكم إلى أساقفة كنيستنا أعضاء السينودس المقدس، نزفّ التهنئة بهذا الإنجاز في أقصى جناح لكنيستنا السريانية الكاثوليكية في بلاد الإنتشار. إنجاز تمّ لبنة لبنة بتبرُّعات أبناء وبنات الجماعة ومساهماتهم السخيّة،المادّية والعينية، وأُنجِز بسواعد ومشاركة الغيارى، رجالاً ونساءً، من ذوي القلوب العامرة بالمحبّة والرجاء، على مدى أشهر، يتابعهم في الميدان مباشرةً، والمعول بيديه،كاهن الإرسالية الخوراسقف فاضل القس اسحق. فمبروك له، والشكر لهولمعاونيه من لجان الكنيسة ولجنة المتابعة والإتّصالات الإدارية والهندسية، والفنّية، واللجنة المالية، وكافّة الذين عاونوا في فقرات التأهيل ونصب الأجهزة والتأسيسات والسقوف والجدران والصبغ والصوتيات والمصاطب والتنظيفات والستائر، والتماثيل، وخياطة الشراشف والهرّارات، حتّى بيت القربان، هدية أبرشية ملبورن، واللوحات الفنية".
وأردف سيادته: "مبروك لكم، ولنا معكم، يا جميع أبناء وبنات إرسالية الروح القدس، كافأ الرب ببركاته، ثلاثين وستّين ومئة، كلَّ من وضع سنتاً أو حجرة أو مصطبة أو أمنية في هذا الصرح الإيماني. وفي باب التثمين والتقدير، لا يسعني إلا أن أذكر غياب أخ عزيز، عضو لجنة المتابعة ومسؤول شبكة الكهربائيات في هذه الكنيسة، الفاعل بدماثة وصمت، بسّام سعيد صبّاغ، الذي غادرنا إلى الآب في حادث مؤلم قبل أن تكتحل عيناه بفرحة هذا اليوم، ليرحمه الله في نور مجده.الشكر لكلّ من اشترك، بقليل أو كثير، في تهيئة بيت الرب هذا الذي سيكون الملتقى الجديد لاحتضان الإحتفالات الكنسية، والقداديس، واللقاءات الثقافية، والأنشطة الراعوية، واستقبال المراجعين، والفعاليات،والسكرتارية".
واعتبر سيادته أنّ "حدث اليوم هو بداية مرحلة جديدة في حياة الإرسالية، فننتقل من مرحلة تأمين الضروري والمؤقَّت في عملنا الراعوي، إلى رسم سياسة راعوية تنظر إلى المستقبل، بالأمانة لقِيَم الماضي، أجل، ولكن لا لاستنساخها، بل لتفعيلها وإعداد الآتي، لا سيّما فيما يخصّ الطفولة والشبيبة، في تعاوُن وثيق بين كاهن الإرسالية والرسل العلمانيين الذين هم أجنحة الكاهن. وفي هذا الإطار، ننظر إلى امتلاكنا الآن كنيسة خاصّة وموقعاً نستطيع توظيفه لشبيبتنا وشمامستنا ولقاءاتنا بحسب حاجتنا ومواعيدنا".
وأشار سيادته إلى أنّه "في هذا الأطار ننظر إلى نموّ الدعوة الكهنوتية في قلب أحد شبابنا الناشئين هنا، وقد دخل المعهد الكهنوتي الأبرشي، وهو في سنته الدراسية الثانية للكهنوت. في هذا الإطار ننظر إلى حاجتنا إلى كاهن آخر ينضمّ إلى جهود كاهن الإرسالية الحالي الذي أسّسها، وها إنّ فرحته تكتمل بإنجاز هذه الكنيسة، يقدّمها كالعروس النضرة لشعبه الذي لولا سخاؤه لما استطاع ذلك. وفي هذا الإطار أيضاً ننظر إلى حدث وضع حجر الأساس لكنيسة سيدني الجديدة، متطلّعين برجاء واثق إلى انتقال إرسالياتنا في أستراليا إلى اسم "أبرشية أستراليا للسريان الكاثوليك"، فتكون الأبرشية السريانية الخامسة عشرة. هذه الأمنية نودعها قلب غبطة أبينا البطريرك وبركته وصلاته".
وألقى سيادة المطران Terence CURTIN كلمة من القلبمعبّراً فيها عن تهنئته وأطيب التمنّيات بهذه المناسبة المبهجة، باسم رئيس أساقفة أبرشية ملبورن اللاتينية، لافتاً إلى أنّنا "نفرح لفرحكم ونتعزّى بإيمانكم"، مشيراً إلى أنّ "هذا الوقت مميّز لأنّه أصبح لديكم بيتكم الخاص حيث ينشأ أولادكم ويتربّوا على الإيمان والتقليد الأصيل، وحيث يوجد في الوسط الرب يسوع المصلوب والقائم من بين الأموات".
واستذكر سيادته "علاقة الصداقة الوطيدة التي تربطني بغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان منذ أن كنّا طالبين إكليريكيين ودرسنا معاً في صفّ واحد في روما، ورُسِمنا كاهنين في السنة عينها عام 1971، لذا أعرف عنكم الكثير لأنّي في تواصُل دائم مع غبطته، وقد أخبرني غبطته كيف أنّه عانى مع المؤمنين التحدّيات الكثيرة في أيّام الحرب الأهلية في لبنان، وكيف ثبّت المؤمنين الذين امتُحِنوا بإيمانهم. واليوم أيضاً، هنا في أستراليا، أنتم في اختبار وامتحان لإيمانكم مجدَّداً، هذا الإيمان الذي هو كنز جماعتكم الكنسية، والذي عليكم أن تحافظوا عليه، هنا في أستراليا، نقيّاً وصافياً، رغم التحدّيات الكثيرة".
ثمَّ ألقيت كلمات من عدد من السمؤولين المدنيين في حكومة ولاية فيكتوريا، وفي الإدارة المحلّية في مدينة ملبورن، أشادت بهذا الإنجاز الهامّ، وأعربت عن السعادة بوجود أبناء الكنيسة السريانية الكاثوليكية كعناصر فاعلة في المجتمع المحلّي في المنطقة، مؤكّدةً على أنّ هذا البلد هو وطن الحرّية والاحترام والانفتاح.
وألقى الخوراسقف فاضل القس اسحق كلمة توجّه خلالها بالشكر الجزيل من غبطته الذي يزيّن هذه المناسبة بحضوره وترؤّسه، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد في رعاية كنيستنا السريانية، شاكراً جميع الحاضرين، مستعرضاً محطّات بارزة من تاريخ حضور الكنيسة السريانية الكاثوليكية في ملبورن، وأبرز المراحل التي مرّ بها مشروع كنيسة الروح القدس، وصولاً إلى حفل تقديس وتكريس الكنيسة، شاكراً جميع الذين تعاونوا معه لإعداد هذه المناسبة.
وكانت مسك الختام الكلمة الأبوية التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك، بعنوان "إفرحوا بالرب كلّ حين، وأقول لكم افرحوا"، أعرب في مستهلّها عن "عميق الفرح الذي يغمرنا اليوم ونحن نزوركم للمرّة الثانية ونحتفل معكم بثمرة جهودكم المضنية، ألا وهي تقديس وتكريس هذه الكنيسة الجميلة، كنيسة الروح القدس، وهي الأولى لكنيستنا السريانية الكاثوليكية هنا في ملبورن".
ونوّه غبطته إلى أنّه "قبل حوالي ألفي سنة، وجّه مار بولس رسول الأمم كلامه إلى الجماعة المسيحية الأولى، وحثّهم على أن يحافظوا دوماً على الفرح في قلوبهم، مهما كانت الصعاب، ومهما كانت المعاناة.وقد سمعنا منذ قليل من الرسالة إلى العبرانيين أنّ الرب يسوع دخل إلى قدس الأقداس بدمه، وهذا يذكّرنا أنّنا مع الرب دوماً مستعدّون أن نتحمّل كلّ الصعاب، ودوماً مستعدّون أن نقبل الشهادة حتّى بسفك الدم. ففي اللغة السريانية، التي منها أيضاً جاءت اللغة العربية، فعل "شَهِدَ" يعني الشهادة بإعلان الإيمان، وكذلك الشهادة بسفك الدم من أجل الإيمان".
ولفت غبطته إلى أنّنا "نفرح اليوم لأنّنا أبناء وبنات شهداء وشهيدات، ولا نودّ أن نفتح الجروح، لكن هذه هي الحقيقة الإيمانية التي عشناها، ونعيشها، وسنبقى دائماً نعيشها، لأنّنا نحن تلاميذ المسيح.هذا الأسبوع هو أسبوع تاريخي مليء بالفرح في حياة كنيستنا السريانية الكاثوليكية في أستراليا، فيوم الإثنين الماضي وضعنا حجر الأساس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الثانية في سيدني وضواحيها، واليوم نقدّس ونكرّس هذه الكنيسة الجميلة، بيت الله، كنيسة الروح القدس، والأولى لنا في ملبورن وضواحيها، والتي تجمعكم بالمحبّة والوحدة".
وذكّر غبطته أنّنا "قبل 11 سنة قمنا بزيارتنا الرسولية الأولى إليكم، وكانت جماعة المؤمنين من أبناء كنيستنا في ملبورن حينذاك قليلة العدد، أمّا اليوم فقد تجاوزت الألف وثلاثمئة عائلة، وربّما أكثر. يكتب مار بولس في رسالته إلى أهل كورثنوس ويقول: أنتم أغنياء ونحن فقراء، وهو يتكلّم هنا عن المؤمنين الذين بشّرهم، أي هم أغنياء بالرب. وأنتم اليوم، أيّها الأحبّاء، جئتم إلى هذا البلد الذي أعطاكم الكرامة الإنسانية والحرّية الدينية، أنتم تغتنون، ونشكر الله على ذلك، ونفرح من أجلكم لأنّكم تعيشون في هذا البلد المبارك، أستراليا، وفي الوقت ذاته، تدركون جيّداً ما حصل ويحصل في بلادنا المشرقية العزيزة، وتبقون متعلّقين بها، بأهلها وقِيَمها وتراثها الأصيل".
وأكّد غبطته على أنّنا "لسنا هنا لكي نزيد من آلامكم، وكما تعلمون الشهداء في بغديدا – قره قوش في شهر أيلول الماضي موجودة صورهم على مدخل هذه الكنيسة، ونحن نفتخر أن نكون أبناء شهداء وشهيدات، ونفتخر أن نكون اليوم شهوداً لربّنا يسوع المسيح في مجتمع وللأسف ينقاد نحو العلمنة المتطرّفة والمادّية، وهناك الأخطار الكبيرة لجميعنا، وخاصّةً للعائلة والأطفال والشباب".
وشدّد غبطته على أنّنا "مع ذلك سنبقى شعب الرجاء، فالرب يسوع شجّعَنا بقوله: لا تخف أيّها القطيع الصغير. نعم، سنبقى دوماً قطيع الرب يسوع، مع كلّ إخوتنا المسيحيين من مختلف الكنائس الشقيقة، أكان في الشرق أو في كنائس الانتشار، سنبقى شهوداً للرجاء، وشهوداً للمحبّة، أينما كنّا".
وختم غبطته كلمته بالقول: "أهنّئكم بهذا الإنجاز العظيم الذي قدّمتموه، وأوصيكم أن تظلّوا على الدوام فخورين بصليب الرب، وفخورين بتراثنا السرياني العريق، وبلغتنا السريانية التي انتشرت منذ آلاف السنين باتّجاه الغرب والشمال والجنوب، وتقدّست بأن تكلّم بها ربّنا يسوع المسيح ووالدته مريم العذراء ورسله القديسين. إبقوا دوماً رسل وسفراء المسيح، بالإيمان والرجاء والمحبّة، متّكلين على إلهامات الروح القدس، وبشفاعة أمّنا مريم العذراء، وجميع القديسين والشهداء".
وفي الختام، منح غبطة أبينا البطريرك بركته الرسولية، وخرج من الكنيسة بموكب حبري مهيب، وسط بهجة روحية عارمة وتصفيق حادّ واستحسان بالغ من الحضور جميعاً لهذا الحدث التاريخي المبارك الذي يشكّل علامة رجاء وشهادة حيّة صارخة للحضور السرياني والمسيحي في هذه البقعة المباركة وفي هذا البلد أستراليا، مع الأمانة لتقليد الآباء والأجداد في البلاد الأمّ في الشرق. فشكراً لله على عطيته التي لا يعبَّر عنها.
|