في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الأحد 14 تمّوز 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الثامن بعد عيد العنصرة، وذلك في كنيسة الروح القدس السريانية الكاثوليكية في مدينة ملبورن Melbourne– أستراليا.
عاون غبطتَه أصحابُ السيادة: مار باسيليوس جرجس القس موسى الزائر الرسولي في أستراليا ونيوزيلندا، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والخوراسقف فاضل القس اسحق كاهن إرسالية ملبورن. وخدم القداس شمامسة الإرسالية، وأعضاء الجوق. كما شاركت جموع غفيرة من المؤمنين الذين حضروا بفرح وشوق لنيل بركة غبطته في زيارته الراعوية الثانية إلى هذه الإرسالية، وللمشاركة في هذا القداس.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن "الفرح الكبير الذي يغمرنا ونحن نحتفل بالذبيحة الإلهية للمرّة الثانية في هذا الأحد الثامن من آحاد ما بعد عيد العنصرة وحلول الروح القدس. فكلّنا فرحون أن نلتقي في هذا البيت الجميل الذي استطعتم أن تحصلوا عليه وأن تجدّدوا بناءه وتجمّلوه كي يكون بيتاً لنا نحن السريان الكاثوليك في ملبورن، وإن شاء الله تكون هناك بيوت أخرى تلتقون فيها في هذا البلد العظيم، أستراليا، الذي استقبلكم وأمّن لكم الكرامة الإنسانية والحرّية الدينية والاستقرار العائلي. يشاركنا في هذه الذبيحة الإلهية أصحابُ السيادة الأساقفة الذين يفرحون معنا بهذه المناسبة، وكذلك الآباء الكهنة والشمامسة وأعضاء الجوق والعائلات التي أتت في هذا المساء للمشاركة في ذبيحة القداس الإلهي".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "نقوم في هذه الأيّام بالزيارة الراعوية الأبوية الثانية إلى أولادنا السريان الكاثوليك في أستراليا، من كانبرا العاصمة، إلى سيدني حيث وضعنا حجر الأساس لكنيسة جديدة بعد الكنيسة الأولى التي كنّا قد حصلنا عليها هناك قبل سنوات، ثمّ إلى برسبن. نستطيع القول إنّه حيث ذهبنا لتفقُّد أولادنا والتقينا بمطارنة الأبرشيات اللاتينية المحلّية، كانوا يقرّون بأنّكم الشعب المسيحي الأمين للرب وللتراث المسيحي العريق ولتقاليدكم الصالحة والتي تبني شخصيتنا الإنسانية في شرقنا. كما يعترفون أيضاً بهذا الحضور ويقدّرونه، بعدما حصلت موجات العلمنة المخيفة في هذه البلاد".
ولفت غبطته إلى أنّ "الأمر نفسه حدث في فرنسا، حيث كنّا هناك الشهر الماضي لمدّة أسبوعين، وزرنا عشرة تجمُّعات كنسية لأبنائنا المنتشرين هناك، وكان الإكليروس اللاتيني يقرّ بأنّ أولادنا حقيقةً يعطون مثالاً للمجتمع الجديد في الحفاظ على الإيمان، وكانوا خاصّةً معجَبين بحضور الشباب، الشباب الراسخ بإيمان الآباء والأجداد، رغم كلّ التحدّيات التي يجابهونها في هذا العالم الغربي الذي يجعل من الإنسانِ الشخصَ المادّي الأرضي فقط، دون أن يتطلّع إلى السماء".
وأشار غبطته إلى أنّنا "سمعنا من رسالة مار بولس إلى أهل غلاطية، وتعرفون أنّ غلاطية هي من الكنائس القديمة التي بشّرها بولس، هذا النص الجميل جداً والغني بالمعاني، حيث يذكّر بولس المؤمنين أنّهم يعيشون ويتبرّرون بالإيمان، وليس بأعمال الشريعة. فالشريعة، في ترجمات أخرى بالعربية تُترجَم إلى الناموس، والناموس كلمة يونانية تعني الشريعة، أي القانون الذي يسنّه دين معيّن. فبالطبع بولس، الذي كان يهودياً وفريسياً، وكان يتبع الشريعة اليهودية، هو الذي يعلّمنا بأنّ على الشريعة أن تكون وسيلةً لتقوية إيماننا، وأنّ تبريرنا هو بالإيمان بيسوع".
وذكّر غبطته المؤمنين أنّه "بحسب تاريخ الكنيسة، فإنّ البروتستانت، وهي كلمة تعني المحتجّين، كانوا يوجّهون الاحتجاجات ويعتبرون بأنّنا لا نحتاج إلى أعمال، بل فقط الإيمان هو الذي يخلّصنا. هنا لا يتكلّم بولس عن الأعمال الصالحة، أعمال الفضيلة التي نعيشها، إنّما يتكلّم عن أعمال الشريعة، أي تثبيت بعض القوانين، حيث يعتقد المؤمن أنّه إذا تمّمها ينال الخلاص. فنجد بولس يصل إلى القول: لستُ أنا أحيا، بل المسيح يحيا فيّ، أي يحيا فيَّ يالإيمان الراسخ به أنّه هو الرب المخلّص".
وهنّأ غبطته المؤمنين "على ما قمتم به، فقد عانيتم الكثير، وهذا واضح، وكلّنا نعرفه جيّداً، كم مرّةً زرنا العراق، أكان قره قوش وبرطلّة والموصل وكوردستان، وكذلك بغداد والبصرة. نعرف كم قاسى أولادنا المؤمنون الكثير، واليوم أنتم موجودون في هذا البلد الذي استقبلكم وأعطاكم الأمان، مع أنّ الصعوبات موجودة، والتحدّيات كثيرة، خاصّةً للشباب والأولاد والعائلات. اليوم أنتم موجودون هنا في أستراليا، وعلينا أن نشكر الله على هذه النعمة، ولا ننسى أنّ القداس هو في الأساس صلاة شكر، لا بل هو أجمل صلاة شكر، لأنّنا في القداس نحتفل بذبيحة الفادي يسوع مخلّصنا".
وأكّد غبطته على أنّنا "نعم، نشكر الرب على هذه النعمة، ونضرع إليه كي يقوّيكم ويزيد فيكم الإيمان والرجاء والمحبّة، فالإيمان والرجاء يمكن شرحهما على أنّهما علاقة روحية مع الرب، أمّا المحبّة فهي المحكّ، لماذا؟ لأنّنا لا نستطيع أن نحبّ الله إن لم نحبّ القريب. ومتطلّبات محبّة القريب، أيّها الأعزّاء، هي أولاً أن نقرّ بضعفنا، فلا نعتقد أنّنا نحن الكاملين ونمتلك الحقّ كلّه، وثانياً أن نقبل الآخر كما هو، نقبل فضائله كما نقبل نقائصه، وثالثاً أن نتعاون مع بعضنا كي يتمجّد الرب بنا، نحن أبناءه وبناته".
وشدّد غبطته أنّه "علينا أن نتذكّر أيضاً أمراً آخر ونعلنه لكلّ الذين نلتقي بهم، أكانوا شرقيين أو غربيين، إنّه في أنطاكية التي نعود نحن إلى بطريركيتها العريقة، في هذه المدينة عُرِفَ تلاميذ المسيح أنّهم تلاميذ مسيحيين، أي يتبعون المسيح، لأنّهم كانوا يحبّون بعضهم بعضاً. فالمحبّة هي هويّتنا، أيّها الأحبّاء، لأنّ على كلّ مسيحي أن يعرف أنّه مدعوّ لعيش المحبّة".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الرب يسوع أن يبارككم ويمنحكم النِّعَم التي تحتاجونها، السلام والمحبّة والوفاق، لا سيّما في العائلات، حتّى نبقى جميعنا عائلة روحية واحدة، بشفاعة أمّنا مريم العذراء وجميع القديسين والشهداء".
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، خرج من الكنيسة بموكب حبري مهيب، والتقى بالمؤمنين في لقاء جمع الأب بأبنائه وبناته، في جوّ عابق بالفرح الروحي.
|