في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 15 كانون الأول 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد الجلَيان (الوحي - البيان) ليوسف، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف - بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بحضور ومشاركة جمع من المؤمنين.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن "هذا الأحد، أحد الجلَيان، الوحي، البيان ليوسف، أي إظهار الله ليوسف، عبر الملاك، حقيقة حبل مريم العذراء بالروح القدس، كما سمعنا من الإنجيل المقدس بحسب القديس متّى. ومتّى رسول اختاره يسوع، ووجّه إنجيله وكتبه إلى المؤمنين من أصل يهودي، أي كانوا يعرفون التوراة، ويذكّرهم أنّ الرب يسوع تأنّس من عذراء هي مريم. وفي الرسالة التي سمعناها إلى العبرانيين، يذكّر الكاتب المؤمنين من اليهود بالعهد الذي قطعه الله مع ابراهيم أن يباركه بشعب كبير، وأن يأتي من نسله المخلّص".
ولفت غبطته إلى أنّنا "اليوم في هذا الأحد نتأمّل بشخصية مار يوسف الذي يسمّيه الإنجيل "الرجل البارّ"، والبرارة تعني في الكتاب المقدس الإنسان الذي يسلّم أمره لله، ويترك لله أن يدبّر شؤونه، وبحكمة إلهية يقوده في حياته. وهنا نفهم أنّ مار يوسف البارّ قَبِلَ، بإلهام ووحي وجلَيان السرّ من الملاك، أن يأخذ مريم ويعتبرها زوجته الشرعية أمام المجتمع. وهكذا، مع هذه الآحاد التي تسبق الميلاد، نسير بخطوات ثاقبة، ككلّ عام، نحو عيد ميلاد الرب يسوع".
ونوّه غبطته إلى أنّ "هذا الميلاد مثل أعياد أخرى سبقت واحتفلنا بها، أكان هنا في لبنان أو في الشرق، لم تُعطِنا فعلاً الفرحة الحقيقية، لأنّ الظروف التي تلمّ بنا في هذه البلاد مؤلمة، وبشكل خاصّ العنف الناتج عن العداوات بين سكّان هذه البلاد، والذين لم يعرفوا، للأسف، أن يلتقوا معاً، ويقبلوا بعضهم، ويحترموا حرّيات بعضهم البعض، ويساهموا معاً في بناء الوطن".
وتناول غبطته "الأوضاع في لبنان، حيث عشنا هذه الأشهر الأخيرة حقيقةً بقلق وخوف، خوف على مصير لبنان، وعلى الوحدة التي سمّوها، لا سيّما البابا القديس يوحنّا بولس الثاني الذي سمّاها رسالة في العالم، صحيح هي مثالية، بمعنى أنّنا نطلب أن يتآلف جميع المواطنين، ويتبادلوا الاحترام وقبول بعضهم البعض، كي يكوّنوا وطناً لهم جميعاً. لكن للأسف، هذا السعي إلى الوحدة سيمرّ كما مرّ سابقاً بصعوبات كثيرة".
وتطرّق غبطته إلى "ما يحدث حالياً في سوريا من تغيير مفاجئ بدّل كلّ شيء في البلاد، ونمرّ اليوم في سوريا بمرحلة انتقالية نرجو أن تكون بالحقيقة مرحلة تبني وتؤسّس بلداً ودستوراً جديداً يؤمّن حقوق المواطنين كافّةً، وقوانين تحترم الاختلافات بالدين والطائفة والعرق. نسأل الرب أن يعضد الجميع، كي يتمكّنوا، بمن فيهم المسيحيون، أن يشاركوا ويساهموا في بناء الوطن في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي يمرّ بها".
وأشار غبطته إلى أنّنا "تواصَلنا مع إخوتنا أصحاب السيادة مطارنة أبرشياتنا الأربع في سوريا، واطمأنَّينا عليهم، وعلى الآباء الخوارنة والكهنة والمؤمنين والكنائس، وأخبرونا أنّ الوضع نوعاً ما مستتبّ وهادئ، لكنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقالية، لا يعلمون ماذا سيحدث في المستقبل، إلا أنّ الجميع يرجو كلّ خير".
وتوقّف غبطته عند "موضوع وعنوان احتفالنا في السنة القادمة 2025 بالسنة اليوبيلية، والتي أعلنها قداسة البابا فرنسيس، وجعل لها عنواناً "الرجاء الذي لا يخيِّب". نعم، إنّ إيماننا مؤسَّسٌ على رجائنا بأنّ الله لا يتركنا، بل سيبقى مع كنيسته، وسيتمِّم مواعيده لنا".
وختم غبطته موعظته بالقول: "نحن لا نفهم الحكمة الإلهية، لكنّنا نؤمن ونرجو أنّ الرب سيظلّ مع كنيسته، وسيُبيِّن للمؤمنين، هنا في لبنان، وفي سوريا، والعراق، والأراضي المقدسة، وفي سائر بلدان الشرق، ولكلّ الناس، لأيّ دينٍ انتموا، أنّ رسالتهم على الأرض هي عيش الانفتاح على الجميع، والسعي لبناء وطن واحد ولو متميِّز، حتّى نستطيع أن نتابع رسالتنا في أوطاننا، رسالة محبّة وأخوّة وسلام، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، ومار يوسف البارّ، فنكون حقيقةً كنيسة الرب يسوع".
وبعد القداس، استقبل غبطته المؤمنين الذين نالوا بركته الأبوية.
|