تحت عنوان:
بطريرك السريان الكاثوليك رفع الصوت من أجل ابناء كنائس العراق ولاجئيهم في لبنان
يونان لـ"النهار": لا بقاء للشرق الأوسط اذا خلا من المسيحيين
في عدد جريدة النهار البيروتية الصادر يوم السبت 3 تموز 2010
كتبت هالة حمصي:
رسالة ثقة وتشجيع يوجهها بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان الى المسيحيين في الشرق: "لا تخافوا". عن كثب، يتابع اوضاعهم، من العراق الى لبنان. بالنسبة اليه، "الشرق الاوسط لن يبقى اذا خلا من المسيحيين، ولن يقدر ايضا على ان يقوم برسالته الحضارية التي اشتهر بها في العصور القديمة". تحذيره هذا لا يوجهه الى مسيحيي الشرق فحسب، انما ايضا الى "الاخوة من الديانات غير المسيحية" الذين، في رأيه، لهم دور في "العمل بجدية من اجل وقف الهجرة والتهجير ضد المسيحيين".
المهمة التي قادت البطريرك يونان الى العراق كانت راعوية، من اجل "تفقد الرعايا والابرشيات هناك. "لدينا عدد لا بأس به نسبيًا من السريان الكاثوليك، لاسيما في ابرشيتَي بغداد والموصل"، على ما يفيد. زيارته للعراق من 8 حزيران الماضي الى 13 منه ليست الاولى، وكانت له اخرى سابقة في تشرين الاول 2009، استغرقت اسبوعين وشملت الموصل وبغداد ومنطقة الشمال. وهذه المرة، كان الدافع الرئيسي "ان ارسم مطرانا جديدا لاميركا الشمالية والولايات المتحدة الاميركية وكندا، هو المطران برنابا يوسف حبش من بلدة قره قوش قرب الموصل".
"المسيحيون فريسة الارهابيين التكفيريين"
لقاءات عدة عقدها البطريرك في العراق، وكان الاستنتاج جليًا. "وضع المسيحيين مؤلم جدا، منذ حصول الغزو الاميركي والاحتلال وتغيير النظام والانفلات الامني المخيف". يقول: "المسيحيون هم الفئة الاضعف. وفي الظروف الحالية، هناك فئات متطرفة استغلت عدم الاستقرار وضعف الحكومة المركزية كي تنتقم، من خلال اضطهاد اقلية مسالمة كالمسيحيين اولا، واقليات اخرى ثانيا. وما يعنينا هو ان المسيحيين الذين ليس لديهم سند، لا في الداخل ولا في الخارج، اصبحوا فريسة لهؤلاء الارهابيين التكفيريين الذين يستغلون الضعفاء الابرياء تحت غطاء الدين".
والرؤية الى سبل مساعدة المسيحيين في العراق واضحة في ذهن البطريرك. "اولا يجب ان تتخذ الحكومات العربية في اجتماع لجامعة الدول العربية قرارا واضحا بالدفاع عن المسيحيين الذين هم غير مستوردين من الخارج، او طابور خامس، او مرتهنين لدول اجنبية معادية. المسيحيون هم من نسيج البلاد الشرق – اوسطية، ويجب تقدير وجودهم، خصوصا لجهة المشاركة في بناء حضارة تلك البلاد. ثانيا على الدول الكبرى التي تملك كلمة على المستوى الدولي ان تكون اصيلة او صادقة ومنسجمة مع مبادئها التي تنادي بها، لاسيما الديموقراطية والحريات واحترام حقوق الانسان. يجب ان تعرف ان هناك تعرضا واضحا للمسيحيين في العراق، لا لسبب الا لكونهم الفئة الاضعف والمسالمة".
المالكي وعدنا... ولكن!
في تشرين الاول 2009، زار البطريرك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي و"وعدنا باتخاذ كل التدابير الامنية في الموصل". غير ان "الوعد" سرعان ما لاقته سلسلة اعتداءات على المسيحيين في الموصل بعد نحو شهرين. "حصل انقلات امني مريع، والحكومة المحلية، اي المحافظ وجماعته وقوى الامن، قالت انها عاجزة عن فرض الامن. ولدى تذكير المالكي بالامر مجددا، اجابنا انه سيبذل كل جهده، وسيرسل قوى من الجيش للمساعدة في فرض الامن. وحصل هدوء اكثر من قبل. حتى ان الطلاب رافقتهم قوات من الجيش، لحمايتهم خلال تنقلهم من قراهم".
لكن في 2 ايار الماضي، تعرض موكب حافلات جامعيين كان انطلق من بلدة بخديده –قره قوش السريانية، "لتفجير سيارة عند مدخل الموصل، دمر 3 باصات، وقضى فيه اثنان، وجرح اكثر من 180 شخصا...". وبهؤلاء الطلاب والطالبات تحديدا، اجتمع البطريرك في قره قوش. "ما يقولونه هو انهم يريدون الامن واحترام كرامتهم، وان على الغالبية السنية في الموصل ان تعرف احترام الجار، لاسيما الضعيف، وان العلم حقل ضروري لتنمية الوطن وتقدمه، وتعرض الارهابيين لهم مشين جدا ومخيف".
عن ترك العراق والتمسك بالارض، كان تبادل للآراء. حاول البطريرك ان يطمئن الطلاب الى انه "لا بد من ان يقف العراق مجددا على رجليه ويتقدم، وان يرجع كل ابنائه وبناته اليه، ويعرف الجميع قيمة بلادهم واهمية التوافق والحوار والاحترام المتبادل، وترك امر الدين لله، بحيث يكون بعيدا من الحسابات السياسية والزمنية". والى جانب التطمين، كانت له كلمة تشجيع على البقاء في الارض والوطن. "نريد ان يبقى اولادنا واهلنا في وطنهم، متشبثين بالارض، رغم كل الاهوال التي يلقونها. وندرس مع الرعاة الروحيين، اكانوا مطارنة ام كهنة ام رهبانا ام راهبات، هذا الموضوع وسبل مساعدة ابنائنا في البقاء في العراق".
برسم الحكومة اللبنانية
السريان، كغيرهم من الاقليات المسيحية العراقية، طالهم التهجير والهجرة. ويفيد البطريرك انه "حتى حرب الخليج الاولى، كان هناك نحو 80 او 90 الفا من السريان الكاثوليك في العراق، توزعوا على ابرشيتين كبيرتين هما بغداد والموصل، ونيابة بطريركية في البصرة جنوبًا. واليوم، يمكن القول ان المهاجرين لا يزيدون عن الثلث، وفق تقديراتنا. ويتوزعون بين سوريا والاردن ولبنان ومصر وتركيا، وقسم آخر في طور الازدياد في اوروبا والاميركيتين واوستراليا".
هجرة المسيحيين العراقيين، الكلام على خطة لتهجير المسيحيين من الشرق ابتداء من العراق، مخاوف على مستقبل المسيحيين في المنطقة... في كل هذا، كان للبطريرك رأي. "خطة؟ نحن معتادون اتهام الآخرين بالمؤامرات لتخفيف مسؤوليتنا. بالتأكيد لا يمكن بلد القول انه يستغني عن ارتباطه بجيرانه في المنطقة، وحتى في العالم. وتبقى هناك مصالح وخطط واستراتيجيات لبلدان تريد ان تستغل بلدانا اخرى. لكن الموضوع هو هنا، اي ان الانفلات الامني يطال الجميع من دون شك. فعندما يقع تفجير على الطريق، فانه يصيب الناس على اختلاف فئاتهم. لكن عندما يقصدون عائلة او كنيسة تابعة لطائفة معينة، يتساءل المرء كيف يعرفون ان من يقصدونهم في البيت او الشارع هم مسيحيون؟ هذا يعني ان هناك تواطوءا داخليا من الموجودين في المحيط والحي والمدينة والمنطقة. واذا كانت هناك خطة، والخطة تنجح في استخدام هذه الايادي المجرمة المحلية، فهذا يعني ان الامر خطير جدا جدا، لان القضية لم تعد حادثة عابرة. وثمة تساؤل آخر: اين القوى الامنية التي يجب ان تلاحق الفاعلين المجرمين وتقبض عليهم وتجري تحقيقات معهم وحول من يقف وراءهم؟ يقولون من وقت الى آخر انهم القوا القبض على احدهم، وان آخر اقرّ. النقطة مخيفة عندما تحصل اعتداءات في مدينة او بلدة، والمسؤول الاول هو الامن المحلي الذي من المفروض به ان يحافظ على امن المواطنين".
واهتمامات البطريرك لا تشمل المسيحيين العراقيين فحسب، انما ايضا اولئك الذين لجأوا الى لبنان وغيره من دول المنطقة. وعن وضعهم، يقول انه كوضع لاجئين آخرين، "مأسوي، بعدما انسلخوا عن ارضهم، واهلهم ووطنهم، وينتظرون في بلاد غريبة الفرج ورحمة الله". الكنيسة السريانية الكاثوليكية تهتم باوضاعهم، "ونقوم بذلك من دون تمييز ما بين سريان وكلدان واشوريين وغيرهم"، يؤكد البطريرك، "ونفكر في كيفية الاهتمام بهم. وقد عيّنا كاهنًا عراقيًا نشيطًا لهذه الغاية، وهو يقوم بكل ما يقدر عليه لجهة الدفاع عن حقوقهم وتلبية حاجاتهم وزيارتهم في البيوت والمستشفيات والسجون".
ويرفع البطريرك الصوت عاليا، واضعا تمنياته برسم الدولة اللبنانية. "ما نطلبه باصرار من الحكومة هو ان تعتبر ان المسيحي العراقي لم يأت بارادته الى لبنان، لا بل لجأ اليه كي يقدر على العيش بكرامة وامان فقدهما في العراق، وانه هنا موقتًا، وهو يعرف ان لا مجال كي يبقى هنا. لذلك يجب ايجاد حل موقت تعامل بموجبه الحكومة اللاجئين العراقيين كبشر، وتقر بان وجودهم موقت، وانه يجب مساعدتهم في تمضية هذه الفترة من دون التعرض لهم... ويمكن، على غرار ما يحصل في سوريا، اعطاء اللاجئين اقامات موقتة، كي تخف عنهم الضغوط النفسية، ويقدروا على العيش في شكل حضاري انساني كريم".
"ما لقيصر وما لله"
السينودس من اجل الشرق الاوسط، المقرر عقده في تشرين الاول المقبل، يحظى ايضا بكل اهتمام وتحضير. والمطلوب منه، من اجل مسيحيي العراق اولا، والشرق ثانيا، يحدده البطريرك "بمراجعة مفهوم دعوة المسيحيين في الشرق. فهم وُجدوا هنا من آلاف الاعوام، وهم سكان اصلاء. صحيح ان عددهم اقل من الاكثرية التي لا تشاركهم ايمانهم، لكن هذا لا يعني انه يجب الشعور بالخوف او الفشل او الهلع. الموضوع هو ان الاسباب التي ادت الى الهجرة جعلت الناس يفكرون نوعا ما أن هناك خططا لتفريغ الشرق من المسيحيين، بدءا من العراق. وهذا الموضوع تجب مواجهته بايمان اولا، وبموضوعية ثانيا، وبتعميق معنى دعوتنا المسيحية في هذه المنطقة ثالثا".
ويتابع: "وثيقة عمل السينودس التي وزعت في 6 حزيران (الماضي) تذكرنا بواجبنا ان نعيش الشركة الروحية والرعوية مع بعضنا البعض، كمسيحيين، على اختلاف طوائفنا وكنائسنا. للاسف، ركزنا في فترة من الفترات على اختلاف طوائفنا اكثر مما ركزنا على وحدة ايماننا ودعوتنا. وهذا الامر ليس مقبولا... والشركة المسيحية يجب ان تجعلنا نعرف كيف نؤدي الشهادة لايماننا وللرب يسوع في المجتمع، ليس بالقول والصلاة فحسب، انما ايضا بحياة تلتزم هذا الايمان، وتجعلنا رسل محبة وسلام وحوار، فنبني جسور التواصل مع الآخرين، ونشاركهم، اكانوا اقلية ام اكثرية، في مسؤوليات بناء الانسان والاوطان في الشرق الاوسط".
والسؤال عن حقيقة امكان عيش هذه الشهادة في ظل تنامي ظاهرة التطرف الاسلامي يردّ عليه بتأكيد: "لا تكفي مواجهة هذا الامر بالشجب، بل يجب التكاتف وتربية الانسان من الصغر على احترام اخيه الانسان، وان الله اب للجميع، وكل واحد، ايا يكن لونه وقوميته وديانته، يبقى خليقة الله، ويؤدي حسابه له، وانه لا يمكن الحكم على الآخرين باسم الله بالقوة والعنف".
ويبقى طلبه ان يكون هناك "موقف واضح من مرجعيات اسلامية لشجب هؤلاء الناس وتخوينهم واعتبارهم مارقين عن الدين الاسلامي لدى تعرضهم لابرياء، وانه لا يحق تسمية المسيحيين صليبيين او تكفيريين، لانه ذكر في القرآن ان لا اكراه في الدين. لذلك يجب ان يظهروا لنا بوضوح انهم لا يودون فرض ديانتهم على الآخرين بالقوة والعنف. والاقناع اساس العلاقات الانسانية".
ورغم كل شيء، يدعو البطريرك المسيحيين الى "عدم الخوف". ويذكّر "اخوتنا من الديانات غير المسيحية ان الشرق الاوسط لن يبقى اذا خلا من المسيحيين، ولن يقدر ايضا على ان يقوم برسالته الحضارية التي اشتهر بها في العصور القديمة". وتمنى عليهم "العمل بجدية من اجل وقف الهجرة والتهجير للمسيحيين، وان يتجهوا نحو نظام "ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، اي ان يعرفوا كيف يفصلون الدين عن الدولة، وان يبدأوا بنشر حضارة الحرية الصحيحة، اكان في العبادة ام في حرية الضمير، ويدافعوا عن حقوق الجميع، خصوصا الاضعف، اكانوا اقليات ام نساء".
|