دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري كامل المالكي المحترم
صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان البطريرك الأنطاكي الكلي الطوبى
صاحب النيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيسمجمع الكنائس الشرقية في روما
الأستاذ يونادم يوسف كنا ممثّلاً رئيس مجلس النواب المحترم
صاحب النيافة الكردينال مار عمانوئيل دلّي بطريرك بابل على الكلدان الكلي الطوبى
صاحب الغبطة مار ادي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة الكلي الطوبى
سيادة السفير البابوي في العراق المونسنيور جورجيو لينكوا
أصحاب السيادة رؤساء الأساقفة والأساقفة والمطارنة الأجلاء
السيد استبرق ابراهيم الشوك الوكيل الأقدم في وزارة الإسكان والإعمار
السيد رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى الأستاذ رعد جليل كجه جي
السادة أصحاب المعالي والفضيلة والسماحة الوزراء والنواب وسفراء الدول المعتمدين في العراق، ورجال الدين الأفاضل بكل طوائفهم، والعسكريين، والشرطة، والدفاع المدني، والمرور، وكل العاملين في أجهزة الدولة المحترمين
إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات
أيها الشعب الكريم
بكل فخرٍ واعتزاز أحييكم أجمل تحية، وبكلّ مودّة وحبّ أرحّب بكم في هذا اليوم المؤثّر، يوم افتتاح كنيسة العذراء مريم... سيدة النجاة، التي ألمّ خبرُ مُحرقتِها قلوب الملايين شرقاً وغرباً، فنالت شرف لقب أمّ الشهداء، بعد اقتحامها من قبل شرذمة من الارهابيين الذين عاثوا بها فساداً وارتكبوا مجزرةً دامية شجبها القاصي والداني في العالم كله، استشهد فيها سبعةٌ وأربعون من المؤمنين المصلّين الأبرياء، رجالاً ونساءً وأطفالاً، بضمنهم الكاهنان الشابان الأب ثائر عبدال والأب وسيم القس بطرس.
أحبائي الحضور:
استضاء عراقنا الحبيب وأضاءَ بنور المعرفة والعلم والطب والفلسفة والرياضيات والفلك بفضل أبنائه السريان، بِما بذلوه من جهدٍ وسهرٍ وترجمةٍ وعلمٍ، في أوّل جامعة تأسست في العالم في بداية القرن التاسع (عام 809)، ألا وهي بيت الحكمة ببغداد.
المسيحيون سادتي، شعوراً منهم بدورهم، وانطلاقاً من مبادئهم، بذلوا ولم يبخلوا وما زالوا يبذلون وسيبذلون دوماً، من أجل بلدهم وشعبهم، ليبقى العراق شعلةً مضيئةً في عالمٍ تكتنفه ظلمات الجهل والغدر والظلم والحروب. أجل، سنبقى نحن المسيحيين ملحاً وخميرةً في عجينة هذا الوطن الغالي ـ العراق. سنثابر بعون الرب على البذل والسخاء في خدمة وطننا ومحبة شعبنا. لا نؤمن ولا ندين سوى بمبدأ المحبة والتعاون والغفران، لأنّ الله نفسه محبة. وأرقى شهادة عن المحبة يقدّمها الانسان وأصدقها هي أن يبذل ذاته ويضحّي بحياته، حتى الموت إذا لزم، في سبيل ربه وعن أحبائه ووطنه. ولا شهادة أصدق عن المحبة من هذه. المحبّ لا يموت مشهّراً سلاحاً بوجه أحد، ولا يغرس سيفاً في صدر أخيه، المحبّ يموت مصلّياً وضارعاً وغافراً كما فعل المسيح مع صالبيه: "أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون". من دون المحبة لا يُبنى وطن ولا يقوم شعب ولا يسود سلام.
لقد جئنا خاشعين أمام ذكرى شهداء سيّدة النجاة، وكلّنا احترامٌ لهذه الضحايا، وإيمانٌ بأنّ الخير يغلب الشر. نحن هنا، رؤساء ومسؤولين روحيين ومدنيين، مع أبناء شعبنا، لا لنبكي، بل لنشهد أنّ المحبة هي فوق كلّ شيء، ولا مخافة حقيقية للرب من دون محبة، بل لا عمل صالحاً يباركه الرب من دون محبة واحترام حياة الآخر.
نحن هنا لنحيي ذكرى مَن في هذه الكنيسة بالذات غدرت بهم الوحشية وثار على براءتهم الجهل، فباغتهم في أصفى ساعات الحياة وهي ساعات السجود لله. لقد قضى شهداؤنا على يد حفنةٍ من الارهابيين، فطهّروا بدمائهم قذارة أدران المجرمين في هذا البلد. لقد سطّر شهداؤنا بدمائهم الزكية أروع ملاحم الحب والوفاء، ليبقى بلد الرافدين يرفد العالم بالخُلق الرفيع، ويواصل ملاحم البطولة في عهدٍ ازداد فيه الجبن، وتراجعت فيه الأخلاق. لقد خلّد شهداؤنا للعالم ملحمة عزٍّ وحبٍّ وبطولةٍ قلّ نظيرها.
أجل، نحن هنا لا لنبكي، فالنوح هو لمن يموت ذليلاً وينطفئ ذكره، والفخر والاعتزاز لمن بموته يبلغ ذروة العزّ ويسمو فوق تفاهات هذه الحياة. أحباؤنا شهداء هذه الكنيسة: الأب ثائر عبدال، والأب وسيم القس بطرس، ورفاقهم، يشفعون فينا اليوم لينقذ الرب أبناء شعبنا، مسلمين ومسيحيين، من كلّ شرٍّ وغدرٍ وطغيان، ويحفظ بلدنا وقادته ليسهروا على مصالح شعبهم، باذلين كلّ غالٍ ونفيس ذوداً عن حقوقهم وصيانةً لكرامتهم.
سادتي الأجلاء،
يتقدّم، اليوم، دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري كامل المالكي، مع غبطة أبينا البطريرك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى، وبطريركا بابل وساليق، وممثّل قداسة الحبر الأعظم بابا روما، وأركان دولة االعراق، وجماهير المؤمنين من كلّ أديان العراق، ليفتحوا من جديد أبواب كنيسة سيّدة النجاة المغلقة، والتي خمد صوت ترانيمها العذبة، وبطلت صلواتها، وسكتت دقّات أجراسها، وتشتّت أبناؤها وبناتها حزناً وألماً، ولسنتين وشهرين، منذ المجزرة الرهيبة.
يقفون اليوم سويةً خاشعين صامتين، يُكرمون الشهود الشهداء، وسيم وثائر ورفاقهم، في هذا المكان الذي فيه سلّموا أنفاسهم مع أنفاس الفادي على جلجلة القيامة. ويعلنون للملأ، وعبر الأثير، وللعالم أجمع، وعبر القنوات الفضائية، افتتاح كنيسة سيّدة النجاة، لتبقى مزاراً موحّداً، وملتقىً لكلّ الأديان والطوائف. فتعود من جديد مآذن بغداد تعانق أجراس كنيسة سيّدة النجاة، فتتوحّد الأصوات مناديةً بالسلام الدائم لعراقنا الحبيب، كي يصبح نموذجاً للعيش المشترك وللاحترام المتبادل بين أبناء الديانات والمذاهب والطوائف والأطياف، وتعود بغداد بحق دار السلام والمحبة والوئام.
وإذا ما سكبنا الدمع على شهدائنا، فهو دمع الإيمان والرجاء... بالحياة والقيامة: قيامتنا وقيامة بلدنا، العراق.
وفي الختام، نتوجّه بالشكر البنوي العميم لغبطة أبينا البطريرك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى، على مجيئه شخصياً من لبنان، وتكرُّمه بمباركة مذبح كنيسة سيدة النجاة وسيدة الشهداء مجدّداً للصلاة والعبادة. نعم أبانا، لقد جئتَ لتكون بالقرب من أبنائك وبناتك، تشاركهم أفراحهم وأحزانهم... تشدّد عزيمتهم، وتسكب بلسماً روحياً شافياً على آلامهم، فتملأ قلوبهم فرحاً وتعزيةً ورجاءً بالذي وعدنا أن يكون معنا إلى انقضاء الدهر.
كما نشكر نيافة ممثّل قداسة البابا الحبر الأعظم مار بنديكتوس السادس عشر، نيافة الكردينال ليوناردو ساندري، والمطران جورجيو لينكوا سفير دولة الفاتيكان لدى العراق.
نتوجّه بالشكر إلى غبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل دلّي بطريرك بابل على الكلدان، لمشاركته الشخصية في هذا الاحتفال، مع غبطة مار أدي بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة. كما نتوجّه بالشكر من جديد إلى دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي، والحكومة العراقية الموقّرة، لقيامها بإنجاز مشروع ترميم وتجديد كنيسة سيّدة النجاة بعد المأساة التي ألمّت بها، ولديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى ممثّلاً برئيسه الأستاذ رعد جليل كجه جي ومعاونيه، ولوزارة الإعمار والإسكان التي نفّذت المشروع ممثّلةً بمعالي السيد الوزير الأستاذ محمد الدراجي. عميم شكرنا وامتناننا أيضاً لشركة الفاو التي أنجزت المشروع، ولجميع العاملين فيها من مدراء ومهندسين، مع امتناننا لممثّل المطرانية في تنفيذ المشروع المهندس السيد زياد بني، الذي أشرف بنفسه وسهر على إنجاز المشروع. كما نشكر أخاه المهندس لؤي بني، الذي أعدّ التصاميم والخرائط، وشكرنا لكلّ الذين عملوا وتعبوا في إعادة إعمار هذه الكنيسة.
نتوجّه بشكرنا أيضاً إلى السادة الأساقفة والإكليروس والرهبان والراهبات والشعب المؤمن الذين يشاركوننا الاحتفال اليوم. أما صلاتنا وتضامننا وشكرنا الخالص والخاص، فنوجّهه مع تحياتنا إلى جرحى سيّدة النجاة وعائلاتهم حيثما وُجدوا، وإلى من عاشوا الساعات الرهيبة فيها محتجَزين حيثما كانوا، وفي مقدّمتهم الخوراسقف روفائيل قطيمي، الذي لا زال تحت العلاج في فرنسا، وإلى ذوي الشهداء الأبرار أينما رحلوا.
وأخيراً، نستشفع شهداءنا الأبرار، ضارعين إلى الله لتكون دماؤهم بذار حياة وسلام وأمان للعراق ولكلّ من جاء وصلى وأوقد الشموع هنا قرب موقع استشهادهم. لتكن صلاتهم حمىً لنا. اللهَ نسأل أن يريح أنفس شهدائنا، ويسكب بلسم التعزية على قلوب ذويهم، ويشدّ من عزمِ مَن أصيبوا وجُرحوا وتعذّبوا. وليحرسكم الرب جميعاً من كلّ مكروه. آمين.
|