صاحب الغبطة البطريرك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى
صاحب النيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان
صاحب النيافة الكردينال مار عمانوئيل دلي بطريرك بابل على الكلدان الكلي الطوبى
سعادة السفير البابوي في العراق المونسنيور جورجيو لينكوا
أصحاب السيادة الأساقفة والمطارنة الجزيلي الاحترام
السيد سركون صليوا وزير البيئة المحترم
السادة أعضاء مجلس النواب المحترمين
سعادة السفير البرازيلي في العراق المحترم
السيد رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى الأستاذ رعد كجه جي المحترم
السيد دريد زوما مستشار محافظ نينوى المحترم
السيد قائمقام قضاء الحمدانية ـ قره قوش المحترم
إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات والشعب المؤمن
دم الشهداء بذار الحياة...
هذا الشعار الذي أطلق سنة 1984 بمناسبة الاحتفال باليوبيل المئوي السادس عشر لدير مار بهنام الشهيد، مستلهماً من قول أحد مؤرّخي الكنيسة في القرن الثالث الميلادي، نرفعه اليوم أيضاً في يوم إعادة فتح هذه الكنيسة التي فيها سقط سبعة وأربعون شهيداً بيد الحقد والإرهاب وقوى الشرّ قبل سنتين.
"دم الشهداء بذار الحياة": لقد قامت المسيحية على دم من فدى الحياة بموته، ولكنّ القيامة أبت أن يكون الموت آخر كلمة يقولها الفادي للبشرية، بل أعقبها بهذا القول الحكيم والأبدي الذي يعطي كل المعنى للتضحية: "حبة الحنطة إن هي ماتت أتت بثمرٍ كثير". ومنذ ذلك الحين قوافل الشهداء، منذ اسطيفانوس أوّلهم، مروراً بمار بهنام ورفاقه الأربعين، والأبوين وسيم وثائر ورفاقهم الخمسة والأربعين، أعطوا حياتهم بإيمان الزارع الذي يلقي البذر في الأرض وينتظر القيامة يوم الحصاد والفرح، وكلمة المعلّم: "أنا الطريق والحق والحياة... من آمن بي وإن مات فسيحيا"، تمدّ بالقوة صبرهم، وبالرجاء صمت دموعهم، في تلك المأساة.
أجل، لقد اختلطت تضحيتهم بتضحية الفادي، وصار قداسه قداس دمائهم وهو يرفع أبصاره إلى الآب الواحد، بالرغم من كلّ ما حدث على الجلجلة، وهم، بالرغم من كلّ ما حدث في أمّ الطاق يقولون: "أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"... وإن كان هؤلاء ومن دفعهم إلى فعل ما فعلوا يدرون ما يفعلون!. لقد فتح الفادي ذراعيه على الصليب ليعانق البشرية في حنانه وغفرانه، وضمّ شهداء سيّدة النجاة أذرعهم ليحموا فلذات أكبادهم من بطش أناسٍ نزعوا الإحساس البشري والرحمة من بين ضلوعهم... فعبثوا بقدسية المكان، وشوّهوا اسم الإنسان، وفجّروا حقد نفوسهم، قبل أن يفجّروا أجسادهم ببشاعة سلاح أنفسهم.
إننا اليوم، وفاءً لدماء إخوتنا الأبوين الشهيدين ثائر ووسيم، ولدماء رفاقهم الشهداء، نعاهدهم بأننا سنبقى أوفياء لتضحياتهم، وصامدين في مكان استشهادهم البطولي... نطلب ونتضرّع ونصلي في هذه الكنيسة، ونرفع الابتهالات والترانيم إلى عرش الرب، ونوقد الشموع صباحاً ومساءً، فتبقى أمّ الطاق مزاراً مفتوحاً للقاصي والداني للصلاة والتبرّك وطلب الشفاعة... ستبقى كنيسة سيدة النجاة منارة نيّرة تُضيء بأنوارها البهية كلّ مؤمنٍ محتاجٍ وعابر سبيل... ستبقى أمّ الطاق رغم جرحها الكبير شامخةً بوجه الغدر والطغيان، ستبقى تحكي للأجيال القادمة بطولة وصمود أبنائها وبناتها في أرضهم وبلدهم العراق، رغم التحدّيات والآلام، وحتى الموت.
نعم، سنبقى في أرضنا، ولسنا بخائفين، لأننا نحن أصحاب الأرض الأصليين، هنا جذورنا. لسنا بجاليات غريبة أو مهاجرين، بل نحن في أرض آبائنا وأجدادنا... فلا يمكن لأيّ قوةٍ أن تبعدنا عن أرضنا وكنيستنا... سيّدة النجاة... أمّ الشهداء... مهما ضاق بنا الدهر وزادت التضحيات. سنبقى في كنائسنا التي عمرُها بعمر المسيحية في هذا الشرق، لأنّ الذي وعدنا هو معنا حتى انقضاء الدهر.
بهذه الروح نأتي اليوم لنتبارك جميعاً بدماء الشهداء... وتبقى كنيسة سيّدة النجاة في كرّادة بغداد نصباً قومياً حياً لشهداء العراق كلّهم... كلّهم جميعاً... مسيحيين ومسلمين. ونشعل الشموع فيها من جديد علامةً للتضحية... وعلامةً للرجاء... وإذا ما سكبنا الدمع عليهم، فهو دمع الإيمان والرجاء... بالحياة والقيامة.
وفي الختام نكرّر شكرنا البنوي لغبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى، على مشاركته الشخصية في احتفالنا هذا. كما نجدّد شكرنا لنيافة الكردينال ليوناردو ساندري، ولغبطة أبينا البطريرك الكردينال مار عمانوئيل دلي، والسفير البابوي، والسادة الأساقفة رؤساء الطوائف والأبرشيات الشقيقة، ولفيف الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة والمؤمنين، على انضمامهم إلينا في الصلاة وتكريم شهدائنا الأبرار. صلاتهم معنا. آمين.
|