إخوتي أصحاب السيادة والنيافة:
مار ثيوفيلوس جورج صليبا، مار يوليوس حنّا أيدين، مار رابولا أنطوان بيلوني، مار فلابيانوس يوسف ملكي، مار باسيليوس جرجس القس موسى، ومار يوحنّا جهاد بطّاح، الجزيلي الإحترام
الخوارنة، الأباتي عرّاب الشمّاس، الكهنة، الشمامسة، الرهبان، الراهبات
أيّها المؤمنون المحبوبون بالرب، مبتدئين ودارسين وإكليريكيين، إخوة وأخوات
نلتقي اليوم في هذا المساء في كنيسة مار اغناطيوس النوراني شفيع بطريركيتنا، لكي نحتفل بالسيامة الشمّاسية للشمّاس حبيب. وقد اخترنا، واختار هو، هذا اليوم الذي هو ذكرى عيد القدّيس حبيب شمّاس الرها الشهيد.
سمعنا من مار بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس التوصيات، كيف على الشمامسة أن يحيوا، أن يعيشوا، أن يقدّموا الشهادة بالصدق، بالعفاف، بالنقاء، بالمحبّة، أن يعرفوا أولوية الروح على كلّ ما هو مادّي.
وأصغينا أيضاً في إنجيل يوحنّا عن حبّة الحنطة التي تموت كي تعطي ثمراً، وهذا يذكّرنا بسرّ فدائنا الذي تمّمه الرب يسوع بآلامه وموته وقيامته، ثمرة الآلام والموت هي القيامة، هي الخلاص.
يقول لنا سفر أعمال الرسل: "وكان اسطفانوس مملوءاً نعمةً وقوّة" (أعمال 6:8). واسطفانوس الشمّاس، أحد الشمامسة السبعة الذين اختارهم الإثنا عشر رسولاً كي يساعدوهم في خدمة جماعة المؤمنين الأولى، هو أيضاً الأوّل بين شهداء الكنيسة. هذا الشمّاس، إذا عدنا وقرأنا المقطع عن استشهاده، نتذكّر كيف أنّه تمثّل بمعلّمه وإلهه الرب يسوع المسيح عندما غفر للذين كانوا يرجمونه والذين قتلوه.
وعلى مدى العصور، نرى شمامسةً عديدين هم منارات تضيء لنا الطريق نحو الرب يسوع، قداسةً وعلماً، ومنهم الأبطال الذين قدّموا ذواتهم على مذبح الشهادة، متشبّهين بمعلّمهم الفادي الإلهي.
وفي روما، اشتهر في بداية القرن الثاني الشماس الشهيد لورنسيوس، وفي الرها، عاصمة السريان واللغة السريانية المقدّسة، برز الشمّاس حبيب وهو شهيد أيضاً نحتفل اليوم بعيده، كذلك ملفان الكنيسة الجامعة مار افرام السرياني شمّاس نصيبين والرها، هذا الذي كان شمّاساً ولم يرضَ أن يُرسم كاهناً، وكلا الشمّاسين حبيب وأفرام هما من القرن الرابع الميلادي. وفي القرن الثالث عشر، عرفت الكنيسة شمّاساً قدّيساً ووجهاً مشرقاً ما زال ذكره مخلَّداً في العالم قاطبةً لتواضعه وبساطته ونشره السلام، ألا وهو القدّيس فرنسيس الأسيزي، الذي حلم وهو في السجن بأنّ عليه أن "يبني كنيسة المسيح". ففاح عطر قداسته إلى يومنا هذا في العالم أجمع، حتى أنّ قداسة الحبر الروماني المنتخَب في شهر آذار الماضي، اتّخذ اسمه: هو "البابا فرنسيس".
واستناداً إلى هذا التقليد، أضحت الرتبة "الشمّاسية" الدرجة الأولى في سلّم الدرجات الكهنوتية الثلاث، تليها درجة القسوسية، أي الكهنوت، ثم درجة الأسقفية، وهي ملء سرّ الكهنوت، كما تعلّمنا الكنيسة، منذ عهد الرسل...
من خلال الصلوات والترانيم التي سنصعدها معاً إلى الرب في رتبة السيامة الشمّاسية، والتي ستتمّ قبيل تناوُل الأسرار المقدّسة، لكي نتذكّر الرباط الجوهري بين سرّ الإفخارستيا والدرجات الكهنوتية، سنتعرّف على شخصية الشمّاس التي تريدها بيعة الله، لبنيانها وتقديسها. وهذه الصفات تُختصَر بكلمة واحدة طالما نردّدها بين بعضنا البعض، وهي "الخدمة".
فكلمة الشمّاس، كما يدرك الكثيرون، تعني "الخادم" بالسريانية. وفي الخدمة التي تمارَس بروح التواضع والبساطة والعطاء، تكمن دعوة الشمّاس الأساسية.
حبيب الملفونو، الذي سنسيمه شمّاساً، تعرفونه بغالبيتكم. لقد سمع دعوة الرب له منذ حداثته، فأصغى إلى ربّه وتولّه بحبّه، وعشق السريانية، اللغة الأمّ لفاديه يسوع ولكنيسته، حتى أنّنا لقّبناه بـ "الملفونو"، وأتذكّر أنّني أنا في البداية لقّبته بـ "الملفونو"، وأتصوّر أنّي كنت محقّاً أن ألقّبه بـ "الملفونو"، مع أنّي لم أكن أريد أن أجرح تواضعه. وقد أضحى "الملفونو" الإسمَ المرادف لحبيب..! ومنذ أن عيّنته في أمانة سرّ البطريركية، لم يتوانَ الملفونو حبيب عن جمع الدراسة والتعليم مع الخدمة المتفانية في البطريركية، مكرّساً ذاته بكليّتها، كي يأتي عمله أقرب منه للكمال وبالتمام..! ومن عرفه عن كثب، يدرك أنّ ردود فعله ذاتها الدّالة على وسع علومه اللغوية والتاريخية والقانونية، لأنه بالحقيقة لا يريد أن يكون هناك نقص، وتشهد له بالـ "ملفانية"..! ولكنّنا كي لا نخدش تواضعه، علينا أن نذكّره بواجب شكره تعالى دوماً على المواهب التي منحه إيّاها، فلا نخسره ونحن نشيد بما حباه الرب،..! ولا هو ينسى فضل الرب وإنعاماته عليه، كي لا يتكبّر، ونحن نشكر الرب معه!
وإلى يساره يجلس الأباتي سمعان أبو عبدو الذي هو مرشده ومرافقه في درب دعوته، نشكره على ذلك، كما أنّ الأباتي عُيِّن مؤخّراً مدبّراً بطريركياً في أبرشية حلب المارونية. ندعو إلى الله أن يرافقه دوماً في خدمته الجديدة.
سنتابع ذبيحة القدّاس الإلهية هذه، بروح التقوى، ونفوسنا ترفع آيات الشكر للربّ المخلّص، مثالنا في الخدمة، وهو الذي قال: "تعلّموا منّي، فإنّي وديعٌ ومتواضع القلب".
لنسأل الرب أن يهب بيعته شمامسةً مندفعين بصدقٍ ونزاهةٍ لخدمته على المذبح بالنقاء، ومتفانين في استجابتهم لحاجات القريب بيننا، والغريب الذي يأتينا من بعيد نازحاً أو مهجَّراً إلى بلدنا الحبيب لبنان.
وما أجمل أن تكون رعايانا وجمعياتنا ومؤسّساتنا وأديرتنا، نابضةً بمحبّة الرب يسوع، بالصدق والبساطة الإنجيلية. وإن كنّا قد وُجِدنا بعدُ غير مؤهَّلين أن نتبع الرب الفادي على درب الآلام والإستشهاد، فنحن جميعاً مدعوّون، كي نعطي المثال في عيش الإنجيل وخدمة الكنيسة، بالتواضع والبساطة والفرح ومجانية الخدمة، كلٌّ حسبما يهبه الروح القدّوس.
نهنّئ سلفاً الشمّاس الملفونو حبيب، نهنّئ والدته، كما نطلب الراحة لوالده المرحوم كبريال، نهنّئ أخاه وأخته وجميع المحبّين والأصدقاء، نهنّئ كنيستنا، وندعو إلى الرب أن يرافق الشمّاس حبيب دوماً معه في هذا الدرب، درب الكهنوت، الذي هو هدفنا في خدمة الكنيسة، بشفاعة مريم العذراء، أمّنا السماوية، التي قالت عن نفسها إنّها "أمةُ الرب"، أي خادمة، والتي وهبتنا بهذه الروح السخيّة مجّاناً أعظم وأحلى هدية، يسوع مخلّصنا. آمين.
|