فقد دخل الموكب البطريركي كنيسة مار يوحنّا الرسول التي زُيِّنَت كعروسٍ بهيةٍ في الساعة الواحدة بعد ظهر الأحد 4 أيار، بعد قصّ الشريط الأحمر على لحن ترنية استقبال الأحبار "تو بشلوم روعيو شاريرو" (هلمَّ بسلام أيّها الراعي الصالح)، يتقدّمه الصليب المقدّس، يليه صفّ الشمامسة والكهنة، فأصحاب السيادة الأساقفة وهم متّشحون بحللهم الطقسية، وهم: مار أثناسيوس متّي متوكة رئيس أساقفة بغداد سابقاً، مار رابولا أنطوان بيلوني المعاون البطريركي سابقاً، مار غريغوريوس الياس طبي رئيس أساقفة دمشق، مار اقليميس يوسف حنّوش مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، مار يعقوب بهنان هندو رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، مار باسيليوس جرجس القس موسى رئيس أساقفة الموصل السابق، المعاون البطريركي والزائر الرسولي للسريان الكاثوليك في أوروبا، مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، مار إيوانيس لويس عوّاد الأكسرخوس الرسولي في فنزويلا سابقاً، مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد.
وكان يحفّ بغبطته سعادة السفير البابوي في هولندا المطران أندريه بويس، والمطران هوخنبومممثّل الكردينال فيلن آيكرئيس أساقفة أوترخت، ونيافة المطران مار بوليكاربوس أوكين أيدين النائب البطريركي للسريان الأرثوذكس في هولندا، والخوراسقف بونيفاس أزدمير، والكهنة السريان الأربعة الذين يخدمون إرسالياتنا في ألمانيا وهولندا.
كما حضر هذا الإحتفال رئيس بلدية أرنهايم وعدد من أعضاء البلدية.
وقد رافق غبطته في وقائع التكريس والقداس الكاهنان القائمان بخدمة الإرسالية السريانية في هولندا: الخوراسقف نوئيل القس توما، والأب سعدي بنو. واستقبلت الموكب المهيب زغاريد النسوة، تصحبها زخّة من التصفيق تصاعدت من أكفّ جمع المؤمنين الذين غصّت بهم الكنيسة على رحبها، وقد تقاطروا من كلّ أنحاء هولندا، بل جاء قسمٌ منهم أيضاً من ألمانيا وبلجيكا، وحتى من اسطنبول ولندن.
أعلن غبطته بصوته الجهوري صلاة ابتداء رتبة تكريس المذبح، وتناوبت الصلوات مرتَّلةً بالسريانية، مع القراءات والطلبات بالعربية واللغة النيرلاندية. وكانت قمّة الإحتفال عندما توجّه غبطته نحو المذبح، وأحاطه بذراعيه، وهو يمسح طبليث التقديس وأركان المذبح بإشارة الصليب الخلاصي بالزيت المقدّس. ثمّ يزيّحه بشراشف التقدمة قبل فرشها عليه، مع الأهزوجة السريانية الطقسية: "لتشبوحتو وليقورو وهدرو ورومرومو دتليثويوثو قاديشتو..." أي "لمجد الثالوث الأقدس المتساوي في الجوهر وكرامته وعظمته، ولسلام بيعة الله المقدّسة وبنيانها". وكانت كلّ حركة تصدح لها زغاريد النسوة من الجمع المبارك، أو تتنادى وإيّاها موجات التصفيق.
وبعد الإنجيل المقدّس الذي رتّله بالعربية سيادة المطران مار يوحنّا بطرس موشي بصوته الشجي، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة بليغة باللغتين العربية والإنكليزية، عبّر فيها عن الفرح الكبير الذي يغمرنا جميعاً بهذا الحدث التاريخي، حدث اقتناء أوّل كنيسة للسريان الكاثوليك في أوروبا. كما عبّر غبطته في آنٍ واحدٍ عن أسفه لتشتُّت أبنائنا مسيحيي الشرق من جراء الحروب والإضطهادات والضغوط المذهبية، وعن فرحه في لقاء الأبناء ومتابعتهم حيثما حلّوا نشداناً للحرية والكرامة، حاثّاً إيّاهم على الأمانة لإيمان آبائهم وأجدادهم ومحبّة كنيستهم والشهادة لقيمهم ولمحبّة المسيح في بلاد الإنتشار التي تستقبلهم، داعياً إيّاهم ليلتفّوا حول الكهنة الذين يخدمونهم بهمّة في هذه البلاد.
ثمّ توالت أقسام القداس الحبري بهدوءٍ وخشوعٍ تنعشه التراتيل التي أدّتها الجوقة والشمامسة بكفاءة باللغتين السريانية والعربية.
وقبل ختام القدّاس، ألقى الخوراسقف نوئيل القس توما مسؤول إرسالية مار يوحنّا الرسول في هولندا، كلمة بليغة شكر فيها غبطة أبينا البطريرك الذي كان له الدور الأساس في كسب الرهان في اقتناء هذه الكنيسة. كما شكر جميع المحسنين الذين ساهموا بمالهم أو بمساعيهم لتذليل العقبات، أو بإعطاء كتف العمل لا سيّما في الأسابيع الأخيرة لتأهيل الكنيسة في حلّتها القشيبة الحالية. علماً أنّ الأب نوئيل كان له الباع الكبير في متابعة مشروع اقتناء هذه الكنيسة، وهو في خدمة الجالية السريانية في هولندا منذ أكثر من عشر سنين.
وقرأ السفير البابوي رسالة التهنئة التي بعث بها نيافة الكردينال ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية في روما بهذه المناسبة، وكذلك رسالة التهنئة من نيافة كردينال أوترخت فيلن آيك، تلاها ممثّله المطران هوخنبوم. كما ألقى كلمة حماسية باللغة الفرنسية المحسن الخوراسقف بونيفاس أزدمير من بلجيكا، تلاه بكلمة سريانية بليغة نيافة المطران مار بوليكاربوس أوكين أيدين النائب البطريركي للسريان الأرثوذكس في هولندا، مشدّداً على وحدة جناحَي الكنيسة السريانية، الأرثوذكسي والكاثوليكي. وقدّم نيافته هدية قيّمة للكنيسة هي الإنجيل المقدس.
وبعد ترنيم نشيد "فشوط يمينوخ" (أبسط يمينك وباركنا كلّنا)، انضمّ آباء السينودس السرياني المقدّس إلى غبطته لإعطاء بركة الختام، قبل الوقوف للصور التذكارية بهذه المناسبة السعيدة.
وخُتِمت الإحتفالات بغداء المحبّة والأخوّة في قاعة الكنيسة، قدّمته الخورنة لجميع المشتركين في فرحة هذا العرس الكنسي، وجبات وجبات، بحسب اتّساع المكان... وكانت بهجة الأبناء الكبرى بالتزوُّد ببركة غبطته، وبالسلام على أصحاب السيادة مطارنتهم، لا سيّما أبناء وبنات أبرشيات الموصل وبغداد والحسكة ودمشق الذين ساقَتْهم ظروف الحياة والبلاد إلى الشتات. لقد نسوا المعانيات لسويعاتٍ لذيذةٍ، وعاشوا فرح اللقاء والنشوة بالرب، واغرورقت عيون بعضهم بدموع الفرح والإيمان أثناء هذا القدّاس المؤثّر، كما صرّح أحدهم، وقد غادر أرض الوطن وأروقة كنائسه منذ زهاء ربع قرنٍ ونيّف.
حقاً إنه حدثٌ كنسي سرياني فريد من نوعه، مع الرجاء أن يعمّ كلّ البلاد حيث يقيم السريان بإذنه تعالى.
|