ننشر فيما يلي نص البيان الإعلامي الذي أصدرته أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية، حول رسالة القيامة لهذا العام 2016 التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بعنوان: "المسيح سلامنا"
الرقم: 29/أس2016
التاريخ: 23/3/2016
بيان إعلامي
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
رسالة عيد القيامة لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
توجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلّي الطوبى، بالرسالة السنوية لمناسبة عيد القيامة المجيدة، بعنوان"المسيح سلامنا"، تناول فيها الأوضاع الحالية فيلبنان، إذ قال:
"في لبنان الحبيب، حيث نحن السريان مكوِّنٌ صغيرٌ نسبياً، ولكنّنا جزءٌ لا يتجزّأ من المجتمع، ولنا رجالاتٌ كبارُ ساهموا في تحقيق الإستقلال. نقولها بأسىً إنّنا لا نزال نُعتبَر مجرّد أقلّياتٍ علينا أن نكتفي بالفُتات كما يقال.
من هنا جاءت مطالبتنا مع قداسة أخينا مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، لتعديل قانون الإنتخابات النيابية وزيادة مقعدين نيابيين، أحدهما للسريان الكاثوليك والآخر للسريان الأرثوذكس، دون أن نتطاول على حقوق المكوّنات الأخرى. وكلّنا ثقةٌ بحكمة القيّمين على الوطن والمسؤولين فيه لتحقيق هذا المطلب المحقّ في هذه اللحظة التاريخية المفصلية، ضمانةً لبقاء المسيحيين في الشرق.
ومع جميع الرعاة الروحيين، نصلّي من أجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، فيكتمل جسد الدولة برأسها المسيحي الوحيد في العالم العربي، لِما لهذا الإنتخاب من أثرٍ إيجابي في تثبيت الإستقرار السياسي والأمني ودعم الإقتصاد، وتفعيل المؤسّسات الدستورية والسياسية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.
وفي السياق عينه، نصلّي من أجل استتباب الأمن والإستقرار، فتجري الإنتخابات البلدية والإختيارية في مواعيدها، لِما لهذا الإستحقاق من مؤشّراتٍ على رقيّ الشعب اللبناني، ودلالاتٍ على قرار أبنائه التمسّك بقيم الديمقراطية والحرّية والعدالة التي نشأ لبنان عليها منارةً للعالم العربي. كما نتمنّى أن تستمرّ مسيرة حلّ أزمة النفايات، فتصل إلى خواتيمها السعيدة رحمةً بالبلاد والعباد".
ثمّ تطرّق غبطته إلى الوضع في الشرق:
"في عيد قيامة المسيح المخلّص، عيد عبوره بالبشرية إلى حياةٍ جديدةٍ، نعيش هذه السنة، في بلدان الشرق الأوسط، سيّما في لبنان وسوريا والعراق، أزمنةً قاتمةً من العنف والحروب والإرهاب، وما ينتج عنها من جوعٍ وخوفٍ وتهجيرٍ وقلقٍ على المصير. لكنّ نور المحبّة والسلام المشعّ من قبر المسيح الفارغ، وقد دُحرِج عنه الحجرُ الكبير، والإيمان الوطيد بقيامة الفادي، إنّما يدفع بنا جميعاً إلى صخرة الرجاء بيسوع المسيح الذي أصبح سيّد العالم بموته وقيامته، وبه نُوطّد حضورنا ورسالتنا. بالرغم من إغراء المال وبطش السلاح وجبروت التسلّط، تبقى للمسيح الرب الكلمةُ الأخيرة، كلمة الحقيقة بوجه الكذب والتضليل، وكلمة المحبّة بوجه البغض والقتل، وكلمة السلام بوجه العنف والحرب.
مِن المسيح الذي "هو سلامنا" (أف 2: 14)، وقد حطّم جدران الإنقسامات والتفرقة، وحقّق الأخوّة بين الناس، جاعلاً من الجميع أبناءً وبناتٍ لله ببنوّته الأزلية، نلتمس السلام للعالم ولأوطاننا، وبخاصّةٍ لبلداننا في الشرق الأوسط، من أجل العيش بكرامةٍ وبروح المواطنة الحقيقية، والتمتُّع بالحرّيات الإنسانية والدينية، في أنظمةٍ ديمقراطيةٍ تحترم كرامة كلّ إنسانٍ وكلّ مجموعةٍ بشريةٍ قيل عنها إنّها أكثرية أو أقلّية. سلامنا أن يُعزَّز التنوّع في الوحدة، ويشارك الجميع في مسؤولية الحياة العامّة، وتنتفي الأحادية والفئوية وفرض الإرادة والتحكّم بمصير المواطنين، ويتمكّن كلّ مواطنٍ، من أيّ دينٍ أو ثقافةٍ أو عرقٍ أو انتماءٍ كان، وكلّ مجموعةٍ، مهما كان نوعها، من العيش بالكرامة والمساواة مع الآخرين".
عن الوضع في سوريا، قال غبطته:
"أمّا في سوريا الغالية، وقد عدنا للتوّ من زيارةٍ تفقّديةٍ لأبنائنا وبناتنا في أبرشية حمص وحماة والنبك وفي محافظة طرطوس، حيث لمسنا إيماناً حيّاً وتعلّقاً بهويّتنا المسيحية والوطنية، بالرغم من العاصفة الهمجية التي حلّت بوطنهم الغالي طوال سنواتٍ خمس. ومع تلك الرعايا العزيزة، ناشدنا الجميع أن يبقوا متجذّرين في أرض سوريا الطيّبة، وتضرّعنا إليه تعالى كي تتكلّل بالنجاح المساعي التي تبذلها الدول الصديقة والمجتمع الدولي لإنهاء الإقتتال، وإرساء قواعد السلام والأمان، والكفّ عن هذا التدمير الممنهَج للأرض والمؤسّسات. إنّنا نبتهل إلى ربّ السلام كي تتوقّف آلة الحرب، وتبدأ عمليات البناء للحجر والرجوع للبشر. عندئذٍ يعود الشعب الذي اضطُرَّ إلى النزوح والهجرة، فيساهم في إعادة إعمار سوريا، وتوطيد أواصر التواصل بين مكوّنات الشعب السوري الطيّب الذي حاولت يد الإجرام تفتيته وتقسيمه".
والوضع في العراق:
"أمّا العراق العزيز، والذي ننوي زيارته في الشهر المقبل لتفقُّد أبنائنا وبناتنا النازحين، فإنّ قلبنا يتألّم لما حلّ بشعبنا السرياني بشكلٍ خاص، وقد قاربت نكبة اقتلاعه من أرضه في مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى واحتلالها من الإرهابيين التكفيريين عامَها الثاني، فيما أبناؤنا وبناتنا نازحون ومهجَّرون داخل العراق وخارجه. فمن غير المقبول أن يستمرّ المجتمع الدولي على صمته وتخاذله، مطلقاً فقط حتّى الآن الشعارات والتمنّيات في تحرير الموصل وسهل نينوى. إنّ هذا التقاعس يشكّل تواطئاً مع الإرهابيين الذين لم يكتفوا بطرد الشعب الساكن هناك، بل دمّروا الكنائس والأديرة والمعالم الدينية والآثار الحضارية التي تشهد على عمق تجذُّر شعبنا في أرض العراق وتاريخه منذ آلاف السنين".
وأكّد غبطته أنّه "في خضمّ هذا كلّه، تقف الكنيسة مع شعبها، لا تتركه ولا تتنازل عن حقوقه. إنّنا نسأل الرب يسوع، القائم منتصراً على الموت، أن يعزّز إيمان المسؤولين في شرقنا بأرضهم وأوطانهم، وينير طريقهم ليكونوا قدوةً لهذا الشعب، بالأمانة للتراث التاريخي والحضاري الذي تمثّله أرضنا وتاريخها في لبنان وسوريا والعراق".
ونوّه غبطته إلى قضية "المخطوفين من رجال دينٍ وعلمانيين، ونذكر خاصةً مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم، وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال، مطالبين بعودتهم إلى الحرية في أسرع وقت. كما نضرع إلى الرب يسوع، القيامة والحياة، أن يتغمّد جميع الشهداء برحمته الواسعة، ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، ويعزّي كلّ مفجوعٍ بفقد عزيز".
وتوجّه غبطته "الصلاة إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام النزوح والهجرة والإقتلاع، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة".
وفي كلمته الروحية، أكّد غبطته أنّ الصليب هو درب القيامة، وأنّ القيامة تزرع السلام وتوطّده، وأنّ السلام والرحمة هما ثمار القيامة. وتقدّم بالتهاني بالعيد من جميع أبناء الكنيسة وبناتها ومن جميع المواطنين في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار.
|