في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد ٩ أيلول ٢٠١٨، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وترأس غبطته رتبة تدشين وافتتاح كاتدرائية سيّدة الإنتقال للسريان الكاثوليك في العزيزية، حلب، سوريا، بعد الإنتهاء من ترميمها إثر ما تعرّضت له من تخريب وتدمير نتيجة الحرب المدمّرة التي ألمّت بحلب، وذلك بهمّة وعناية سيادة المطران مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب وتوابعها.
شارك في هذه المناسبة أصحابُ السيادة الأحبار الأجلاء: مار يعقوب بهنان هندو رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية.
كما شارك نيافة الكردينال ماريو زيناري السفير البابوي في سوريا، وأصحاب السيادة المطارنة رؤساء الكنائس في حلب وهم: يوحنّا جنبرت مطران حلب للروم الملكيين الكاثوليك، بطرس مراياتي مطران حلب للأرمن الكاثوليك، أنطوان أودو مطران سوريا للكلدان، جورج أبو خازن النائب الرسولي للاتين في سوريا، يوسف طوبجي مطران حلب للموارنة، شاهان سركيسيان مطران حلب للأرمن الأرثوذكس، الأب الربّان بطرس قسّيس المعتمَد البطريركي للسريان الأرثوذكس في حلب، الأرشمندريت موسى الخصي وكيل مطران حلب للروم الأرثوذكس، والقسّيس هاروتيون سليميان راعي كنيسة الأرمن البروتستانت في حلب، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس في حلب، وحشود غفيرة جداً من المؤمنين الذين غصّت بهم الكاتدرائية على رحبها واتّساعها.
كما شارك من الشخصيات الرسمية الأستاذ محمّد حنّوش رئيس مجلس محافظة حلب ممثّلاً محافظ حلب العميد حسين أحمد دياب، والمهندس عبدالله حنيش عضو قيادة فرع الحزب ممثّلاً أمين فرع الحزب في حلب القاضي فاضل نجّار، وعدد من أعضاء مجلس الشعب، ومن بينهم المهندس بطرس مرجانة ابن كنيستنا السريانية الكاثوليكية في حلب، وعدد من القناصل المعتمَدين، والمهندس باسم الخطيب مدير السياحة في حلب ممثّلاً وزير السياحة بُشر يازجي، والمهندس باسل خراط المسؤول السياسي عن الحرس القومي العربي، وممثّلو الأجهزة الأمنية وقوى الأمن الداخلي.
في البداية، سار غبطة أبينا البطريرك بموكب حبري مهيب من أمام مستشفى أنطونيان وصولاً إلى أمام المدخل الخارجي للكاتدرائية، يتقدّمه أصحاب السيادة المطارنة والإكليروس، حيث سار غبطته مباركاً الحشود الغفيرة من المؤمنين الذين تجمّعوا على جانبي الطريق، وسط جوّ من الفرح الروحي والأهازيج والزغاريد.
وأمام الباب الرئيسي الكبير للكاتدرائية، قصّ غبطة أبينا البطريرك الشريط الأبيض معلناً رسمياً تدشين الكاتدرائية وافتتاحها.
ثمّ دخل غبطته بموكب حبري يتقدّمه الأساقفة والإكليروس إلى داخل الكاتدرائية التي ارتدت حلّة بهيّة قشيبة.
وأمام المذبح الرئيسي، منح غبطته المؤمنين البركة. ثمّ ترأس صلاة خدمة تجديد البيعة.
وألقى غبطة أبينا البطريرك كلمة بهذه المناسبة، استهلّها بنشيد صاحب المزامير في الكتاب المقدس: "فرحتُ بالقائلين لي، إلى بيت الرب ننطلق، وبترنيم الفرح ندخل إلى دياره"، شكر فيها غبطتُه سيادةَ المطران أنطوان شهدا على دعوته، معرباً عن فرحه بالإحتفال بتدشين وافتتاح "هذه الكاتدرائية الشهيرة التي بُنيت قبل أربعين عاماً"، بعدما "استُهدِفت بجرائم العابثين بأمن هذا الوطن الغالي سوريا، والذين استهدفوا الكثير من أماكن العبادة في حلب من كنائس وجوامع، ونخصّ بالذكر منها كنائسنا من جميع الطوائف في مدينة حلب، وهي كنائس عميقة في القدم، وهي رمز لحضورنا المسيحي في هذه المدينة الشهباء الغالية، حضور أخوّة ومحبّة وسلام، وحضور حضارة سورية عريقة في التاريخ، تعود إلى آلاف السنين، بلغتها المعروفة الآرامية السريانية، كما بلغتها البيزنطية والأرمنية، واللغة العربية في عصورها كافّةً".
وأكّد غبطته أنّ إرادة الحياة غلبت على الموت، والرجاء والأمن على اليأس والفوضى، شاكراً أبناء حلب وشعبها، وبخاصة المسؤولين بينهم "لأنهم عملوا بقلب واحد وبأيادٍ متضافرة كي ينهضوا بهذا البلد وهذه المدينة الغالية علينا جميعاً، وهي درّة في الشرق ومفخرة لجميع المواطنين في سوريا"، منوّهاً إلى أنه رغم أنّ الإرهابيين والتكفيريين قد عبثوا بهذه المدينة، "ولكنّ إرادة الحياة هي التي انتصرت بصمود المواطنين وقوّتهم ووحدتهم".
واستذكر غبطته زيارته الأخيرة إلى أبرشية حلب، في شهر نيسان من العام المنصرم، يوم أحد الشعانين، حيث احتفل غبطته بالذبيحة الإلهية، "وكانت هناك مفاجأة وعطية من السماء أن هطلت الأمطار، وتابعنا الذبيحة الإلهية تحت المظلات، لأنّ المطر كان يسقط علينا من كلّ جوانب هذه الكاتدرائية. ولكن اليوم، وبعد أن قرّر راعي هذه الأبرشية أن يسرع بترميم هذه الكاتدرائية، جئنا اليوم كي نشهد مفاجأة أخرى، هذه الكاتدرائية بهذه الحلّة الرائعة الجمال والقشيبة بهندستها وإضاءتها وألوانها"، مقدّماً الشكر إلى سيادة راعي الأبرشية المطران أنطوان شهدا، وجميع معاونيه، والمحسنين.
كما وجّه غبطته "شكرنا البنوي إلى أمّنا السماوية العذراء مريم التي أحاطت أبناء وبنات هذه الكاتدرائية بحمايتها، كما أحاطت الكثيرين من أبناء وبنات حلب"، غير ناسٍ ذكر "الآلاف من الشهداء والشهيدات الذين أدّوا واجب الشهادة من أجل وطنهم"، والكثيرين "من الجرحى والمرضى والمشرَّدين والمخطوفين، وفي مقدّمتهم مطرانا حلب بولس اليازجي ويوحنّا ابراهيم والكهنة".
وشدّد غبطته على أننا "نبقى دوماً شعب الرجاء والحياة، لقد عادت حلب كما ستعود سوريا بكامل مناطقها إلى عهدها السابق بل وأجمل، لأنّ هناك الكثيرين من المسؤولين المدنيين والروحيين الذين شعروا بواجب مسؤولياتهم أن يخدموا هذا الشعب الأبيّ بالنزاهة والأمانة".
وتطرّق غبطته إلى الأحداث الأخيرة التي وقعت على أرض سوريا الغالية في الأيّام القليلة الماضية: "كلّنا ندمع بعيوننا ونتألّم بقلوبنا لما يحصل حتى اليوم من هجمات إرهابية تكفيرية على سوريا، وكان آخرها القصف الوحشي على محردة حيث سقط شهداء وبينهم ستّة أطفال، كما هناك أيضاً الكمين الذي نُصِب لرجال الأمن على طريق القامشلي، والهجمة الإرهابية الكارثية على محافظة السويداء"، مثمّناً روح الأخوّة والمواطنة الصحيحة التي بها يتضامن أبناء سوريا "مع جميع المتألّمين من أجل بقاء هذا البلد الغالي بلد أمن وسلام وإخاء ومحبّة".
وختم غبطته كلمته ضارعاً إلى الله "كي يمنّ علينا وعلى هذا الشعب الطيّب والوطن الغالي بنعمة السلام، ويبعد عنه أولئك الذين يضمرون له السوء شرقاً وغرباً، وأن تُترَك الحرّية لهذا الشعب كي يختار من يحكمه ومن يمثّله، سيّما الذين يقومون بخدمته بروح المسؤولية النزيهة"، سائلاً إيّاه تعالى "أن يحفظ حلب وشعبها كافّةً من جميع الديانات والطوائف كيما تبقى حلب هذه الدرّة الفريدة في شرقنا بماضيها وحاضرها ومستقبلها، آمين".
وكان سيادة المطران أنطوان شهدا قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطة أبينا البطريرك، مثمّناً زيارته الرسولية وترؤّسه هذا الإحتفال، وشاكراً غبطته على محبّته الأبوية واهتمامه بشؤون أبرشية حلب، خاصّةً خلال فترة الحرب، وعلى كلّ ما قدّمه من مساعدة للأبرشية وللترميم.
كذلك شكر سيادتُه السفيرَ البابوي والمطارنة والإكليروس والرسميين وجميع الحاضرين، خاصّاً بالشكر الجمعيات التي قدّمت التبرّعات للمساهمة في أعمال الترميم، وذاكراً جميع الذين تعبوا في تنفيذ هذه الأعمال.
وألقى نيافة الكردينال ماريو زيناري كلمة هنّأ خلالها غبطتَه وسيادةَ المطران أنطوان شهدا وأبرشية حلب بهذا الإنجاز الرائع، مؤكّداً محبّته وصلاته وتضامنه الدائم مع الكنيسة في حلب.
وإذ أعرب نيافته عن فرحه بتدشين الكاتدرائية بهذه الحلّة البهيّة، وجّه التحيّة الحارّة إلى جميع الحاضرين، مذكّراً أنّ الكنيسة هي جماعة المؤمنين الملتزمين والمتّحدين بالمحبّة المتبادلة فيما بينهم.
ثمّ تلا المونسنيور توماس حبيب سكرتير السفارة البابوية الرسالة التي وجّهها بالمناسبة نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان، وفيها هنّأ نيافتُه غبطةَ أبينا البطريرك وسيادةَ المطران أنطوان شهدا بإنجاز الترميم، معرباً عن فرحه وسروره بعودة الحياة إلى طبيعتها في حلب، وناقلاً إلى الجميع البركة الأبوية لقداسة البابا فرنسيس ومحبّته ومشاركته معهم بالروح والصلاة في هذه المناسبة المباركة.
وقبل انتهاء الإحتفال، وبإنعام بطريركي، تلا الأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية، نص تكريم غبطته للسيّد جورج أنطوان بخّاش، بمنحه الميدالية البطريركية، بناءً على تزكية من سيادة المطران أنطوان شهدا، تقديراً لأتعابه في خدمة أبرشية حلب.
وبعد أن قلّد غبطتُه السيّدَ بخّاش الميدالية البطريركية، شكر بخّاش غبطتَه ومطرانَ الأبرشية وجميعَ العاملين معه في خدمتها، طالباً من الجميع أن يصلّوا من أجله كي يقوم بواجب الخدمة كما يجب ويليق.
وفي ختام الإحتفال، خرج غبطة أبينا البطريرك بموكب حبري إلى الصالون الرسمي للمطرانية، حيث استقبل غبطتُه الأساقفةَ والإكليروس والمؤمنين، ونالوا بركته الأبوية.
|