في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأحد ١٨ تشرين الثاني ٢٠١٨، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي على مذبح كنيسة سيّدة فاتيما في حيّ القصور، دمشق، بمناسبة اليوبيل الذهبي لتدشينها، وذلك تتويجاً لفعاليات الزيارة الرسولية والرسمية الأولى التي يقوم بها غبطته إلى دمشق.
بدايةً، استُقبِل غبطة أبينا البطريرك استقبالاً شعبياً حاشداً، حيث ترجّل موكبه وسار طول الطريق المؤدّي إلى الكنيسة التي ازدانت بأبهى حلّة، تتقدّمه فرقة مار بولس السريانية الكشفية التي أدّت المعزوفات الكنسية، ثمّ الإكليروس، فيما المؤمنون محتشدون على جابني الطريق.
ثمّ دخل غبطته إلى الكنيسة في موكب حبري مهيب، ليحتفل بالقداس، فيما كانت الكنيسة مكتظّة بالحشود الغفيرة جداً من المؤمنين القادمين من مختلف رعايا أبرشية دمشق السريانية الكاثوليكية.
حضر القداس قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغبطة البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، ونيافة الكردينال ماريو زيناري السفير البابوي في سوريا، وسيادة المطران لوقا الخوري ممثّلاً غبطة البطريرك يوحنّا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وسيادة المطران أرماش نالبنديان رئيس أساقفة دمشق للأرمن الأرثوذكس، ونيافة المطران مار تيموثاوس متّى الخوري النائب البطريركي في دمشق للسريان الأرثوذكس، ونيافة المطران مار موريس عمسيح مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، وسيادة القس بطرس زاغور رئيس السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والراهبات من كنيستنا ومن الكنائس الشقيقة. وتقدّم الحضور من المدنيين، معالي الوزير الأستاذ جوزف سويد.
عاون غبطةَ أبينا البطريرك في القداس أصحابُ السيادة المطارنة: مار غريغوريوس الياس طبي رئيس أساقفة دمشق، ومار يعقوب بهنان هندو رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار متياس شارل مراد أسقف الدائرة البطريركية.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة روحية بعنوان "أن تسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دُعيتم إليها، بكلّ تواضع ووداعة، وبطول الأناة، محتملين بعضكم بعضاً في المحبّة، مجهتدين أن تحفظوا وحدة الروح برباط السلام" (افسس 4: 1-3)، فرحّب غبطته شاكراً الحضور من كنسيين ومدنيين، منوّهاً "بالذكرى الخمسين لبناء هذه الكنيسة المكرَّسة على اسم العذراء مريم والدة الله الكلمة، سيّدة فاتيما، بعد أن شاركنا في العام المنصرم، بمئوية ظهورات هذه الأمّ السماوية لأطفال بسطاء أبرياء في قرية فاتيما بالبرتغال"، مهنّئاً مطران الأبرشية وكهنة الرعايا والمكرَّسين والمكرَّسات من أبناء هذه الرعية وبناتها المؤمنين، ضارعاً "إلى الآب السماوي أن يبارك بشفاعة الأمّ القديرة مريم العذراء، سوريا الحبيبة وعاصمتها دمشق ذخر الإنسانية بكلّ عطية صالحة".
واستذكر غبطته "المثلّثَي الرحمات المطران جرجس ستيته والمطران اسطفان رحال لأتعابهما وجهودهما في بناء هذه الكنيسة، وجميع الذين تعاقبوا على خدمتها، أساقفةً وكهنةً، مع الجوقات وفرق الكشّاف والأخويات ولجنة الكنيسة الذين عملوا جاهدين طوال خمسين عاماً لاستمرار الخدمة في هذه الكنيسة حتى وصلت إلى يومنا هذا، إذ نحيي اليوبيل الذهبي لتأسيسها، واليوبيل هو وقفة للتأمّل بما تمّ إنجازه في الماضي والسير قدماً نحو المستقبل بهمّة عالية، وبالاتّكال على الرب الذي يسندنا ويقوّي ضعفنا"، مبتهلاً إلى الله "كي يغمر جميع المواطنين الشرفاء، بفيض نعمه وبركاته، كي ينطلقوا بعد تضحيات التحرير من هجمات الإرهابيين والمتآمرين، بورشة الإعمار بقلوب متّحدة وبرباط السلام".
وتحدّث غبطته عن "الويلات الإجرامية التي حلّت بسوريا والعراق، هذين البلدين الجارين، حيث عانى كلاهما ، وعلى مختلف المناطق والأطياف والأعراق من الهجمات الظلامية التي فاقت كلّ تصوّر. ومنذ تسلُّمنا الخدمة البطريركية، لم نألُ جهداً من زيارة الشعبين الشقيقين مع إخوتنا البطاركة والأساقفة، نكرّم ذكرى الشهداء والشهيدات، نزور الجرحى ونعزّي الحزانى، ونتفقّد شؤون المهجَّرين المقتلَعين من أرض الأجداد، ساعين دوماً إلى بثّ الرجاء في النفوس، واثقين من غلبة الخير على الشرّ، ليحلّ السلام الذي تتوق إليه النفوس"، ومؤكّداً للمؤمنين "أنكم في قلبنا وصلاتنا، وأنكم البشارة للرجاء، رغم المعاناة والدمار، إذ ليس من أمر عسير لديه تعالى".
وتكلّم غبطته عن "أحد بشارة زكريا الكاهن بولادة ابنه يوحنّا السابق، بهذه البشارة يبدأ التدبير الخلاصي بحكمة ما كان بمقدور زكريا الكاهن أن يفهمها، لأنه وامرأته أليصابات كانا قد طعنا في السِنّ. بعد الرؤيا في هيكل البخور، خرج هذا الكاهن البار شديد التأثّر، يعتريه الخوف ومتسائلاً في عمق نفسه عن معنى الرؤيا، وعن الحدث المبهج الذي بُشِّر به، متأمّلاً في قلبه في سرّ العطية التي ميّزه بها الله، لأنّ كثيرين سيفرحون بولادة يوحنّا السابق للمسيح المخلّص"، مشدّداً على الحاجة الماسّة "اليوم إلى إيمان متجدّد بأحكامه تعالى، ونحن نقاسي الأمرّين في حياتنا: هموم يومية في المعيشة وقلق إزاء المستقبل"، مذكّراً "بدعوتنا التي حملتها لنا المعمودية المقدسة، وهي "أن تسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دعيتم لها..."، كما يقول بولس رسول الأمم، أي أن نحيا كأولاد الله، الأب لجميعنا، وأن نسلك في وحدة الروح، لأننا تبعنا ربّاً واحداً هو الفادي يسوع".
وفي ختام موعظته، أكّد غبطته أننا "كلّنا نحتاج أن نتذكّر وأن نذكّر بعضنا بعضاً بأنّ علينا أن نسعى في حياتنا، بالأفعال الصالحة قبل الكلام، لكي نبلغ إلى كمال قامة المسيح، أي أن نشاركه في عمل الفداء لإخوتنا وأخواتنا، لنضحي شهوداً وشاهداتٍ له، فيعرفنا العالم بأننا تلاميذه"، طالباً "حماية العذراء، سيّدة فاتيما، وشفاعة جميع شهدائنا الأبرار، لكي تنقشع الغيمة السوداء المظلمة والظالمة من سماء سوريا الحبيبة، وأن ينعم الرب على شعبها بالسلام الحقيقي والمبني على قبول الآخر والإعتراف بحقوق جميع المواطنين متساويةً، أكانوا من الأكثرية أو من الأقلّيات، لأننا جميعنا قد خُلقنا على صورته ومثاله تعالى، وجميعنا مدعوون كي نشاركه في بناء ملكوته على الأرض، لنستحقّ أن نلاقيه وجهاً لوجه في ملكوته السماوي، حيث السعادة ثمرة المحبة".
وكان سيادة المطران الياس طبي قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطة أبينا البطريرك، مثمّناً قيامه بهذه الزيارة الرسولية والرسمية لأبرشية دمشق، مؤكّداً محبّة الأبرشية وتقديرها وإكرامها لغبطته، وشاكراً الحضور جميعاً لمشاركتهم الأبرشية هذه الفرحة الروحية.
وأهدت رعية سيّدة فاتيما إلى غبطة أبينا البطريرك الدرع الذهبي الخاص بالمناسبة، عربون محبّة وشكر وإكرام وتقدير، تخليداً لهذه المناسبة المباركة.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، يشاركه صاحبا القداسة والغبطة البطريركان الحاضران، ونيافة الكردينال السفير البابوي، استقبل غبطة أبينا البطريرك وأصحاب القداسة والغبطة والنيافة والسيادة جماهير المؤمنين في صالون الكنيسة. فنال الجميع البركة، معبّرين عن عميق فرحهم وعظيم سرورهم بهذه المناسبة وبالزيارة الرسولية الرسمية الأولى لغبطة أبينا البطريرك والتي لطالما تاقوا إلى تحقُّقها.
|