يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سيادة المطران مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، خلال الاحتفال الرسمي بتدشين وافتتاح كنيسة سيّدة البشارة ودار مطرانية السريان الكاثوليك في المجموعة الثقافية – الجانب الأيسر من مدينة الموصل – العراق، صباح يوم السبت 7 كانون الأول 2019:
"غبطة أبي الطائفة وفخر السريان مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلّي الطوبى
لا يسعنا أبانا، أن نعبّر عن مدى غبطة أبنائكم في عموم الأبرشية، وعن تفاخرهم وترحيبهم بقدومكم الكريم للاحتفال معنا بافتتاح وتكريس كنيسة البشارة، بحلّتها الجديدة، وبكبر حجمها، بعدما كانت، من قبل، تقتصر على صالة، حرمنا داعش من اللقاء فيها للصلاة ولإداء الحمد للخالق الأوحد.
كما ويزيدنا فخراً أن يشاركنا اليوم فرحتنا، نيافة الكردينال برباران، قادماً من ليون الفرنسية، هو الذي على مرأى ومسمع من الجماهير، في حزيران 2014، إبّان عودة أهالي قره قوش / بغديدا، من هجرتهم الأولى، كان قد أعلن تبنّي أبرشية الموصل واعتبارها أختاً توأماً لأبرشية ليون الفرنسية.
اسمحوا لنا سعادة المحافظ الأستاذ نجم الجبوري أن نعبّر لكم عن سعادتنا وسرورنا، مقدّمين لكم وافر تهانينا وأمانينا باستلامكم منصبكم الجديد، محافظاً لنينوى، التي ليست غريبةً، لا عنكم ولا عن اهتماماتكم.
وأنتم قادتنا الروحيين، ممثّل السفير البابوي في العراق، والأساقفة والأئمّة والعلماء، ومختلف رجال الدين الأجلاء، والمسؤولين المدنيين والقادة العسكريين، وكلّ رؤساء الدوائر الحكومية ومدراء وممثّلي منظّمات المجتمع المدني، وذوات الجاه والشأن، من شيوخ العشائر والوجهاء الكرام، وأنتم جمهورنا الحبيب الواحد بمختلف انتماءاته الدينية والطائفية والقومية، تواجدكم هنا اليوم في حضن هذه الكنيسة المشيَّدة على اسم العذراء الطاهرة مريم، التي يشيد الكلّ بطهارتها ويعترف بمكانتها لدى الله، تواجدكم هذا إن هو إلا علامة وحدتكم وتضامنكم وتعايشكم المشترك، ودليل على عزمكم وهدفكم الواحد والمشترك وعلى رغبتكم الصادقة لبناء مدينتكم الموصل الحبيبة، واسترجاع كرامتها، وإبراز أهمّيتها ومكانتها. موصل الجريحة والمنكوبة، موصل السبّاقة في نشر الوعي والثقافة، والمفتخرة بما حقّقه أباؤنا فيها من تراث وحضارة، تشهد على ذلك الآثار التي خلّفتها لنا، والتي لا يزال قسمٌ كبيرٌ منها مطموراً في باطنها تحت تراب أرضها، آملين أن تعود من جديد لتأخذ مكانتها وأهمّيتها في العراق.
في هذه الأيّام العصيبة التي منها يعاني جميع العراقيين، ورغم ما حلّ بنا من الدمار والخراب، وخاصّةً في مدينتنا الموصل الحدباء الحبيبة والمباركة، وقد شمل الجوامع والكنائس، علاوةً على البيوت والفنادق والمعامل والمحلات. يطيب لنا، اليوم، أن نفتخر بإعادة الحياة إلى أحد شرايين المدينة، ألا وهو إعادة إعمار كنيسة البشارة، وبناء للمطرانية، حيث دُمِّرت بالكامل مطرانيتنا القديمة التي كانت في الساحل الأيمن، إضافةً إلى إنشاء قسم داخلي لاستضافة أبنائنا الدارسين في الجامعة، ممّن لا مأوى لهم في المدينة، لتسهيل عملية العيش والدراسة لهم.
إنها حقّاً مفخرة العصر وموضوع فرح وغبطة لنا ولأبناء مدينتنا، بل وهي علامة رجاء وأمل وتأكيد على أنّ مدينتنا هذه لا ولن تفرغ من تواجد أبنائها المسيحيين، أهمّ عناصرها وأقدم مكوّناتها، للعمل معاً جنباً إلى جنب مع بقيّة المكوّنات الأخرى المتواجدة حالياً فيها.
كلّ هذا تمّ لنا وتحقّق، ولله الحمد، بفضل من له الفضل! إلهنا، إله الحبّ الكلّي الرأفة والرحمة، وأيضاً بسخاء أصحاب الأيادي البيضاء وذوات النيّات الحسنة، ومن عدّة جهات فرنسية مانحة مشكورة، منها، عمل الشرق، أوفر دوريان، وجماعة أخوّة العراق، فراترنيتي أن إيراك، ومؤسّسة ليون.
علماً أنّ هذا العمل الجبّار ما كان ليتحقّق لولا متابعة وإصرار الأب عمانوئيل كلّو، المعروف بأبونا رائد، ومساندتكم أنتم جميعاً، وبالتسهيلات التي قدّمها له، مسؤولو ودوائر المحافظة، كلٌّ بحسب موقعه ومهمّته. ونحن بدورنا نثني عليهم جميعاً، ونثمّن أعمالهم، طالبين من الله أن يعوّض كلّ من سعى وجدّ بما هو بحاجةٍ إليه في هذه الدنيا وفي الآخرة.
والآن! وللتعبير عن بهجتنا، بحضوركم أبانا، صاحب الغبطة، وبحضور هذا الجمع المبارك، نفتتح هذا الإنجاز العظيم، ليس فقط بحجمه، بل بأهمّية تواجده في الموصل الحدباء، أنتم الذين لولا معزّتكم للموصل وللأبرشية لما عزمتم على أنفسكم وألزمتم ذاتكم لتضمنوا تواجدكم هنا معنا في هذا اليوم بالذات، رغم التزاماتكم وانشغالاتكم. فألف شكر وتقدير لحضوركم بيننا ولمشاركتكم فرحتنا هذه.
حفظكم الله جميعاً، وحفظ بلدنا العراق حرّاً أبيّاً بوحدته وتضامن مختلف مكوّناته، وحفظ سوريا الأبيّة، ولبنان العزيز، بل وكلّ بلدان شرقنا العريق بمسيحيته وبحضارته، والغني بتراثه وخيراته ومعادنه.
اللهمَّ ارحم شهداءنا الذين استرخصوا دماءهم لتحرير مدينتنا، الموصل، وكلّ مدن وقرى سهل نينوى، وجميع المناطق التي كان داعش قد استولى عليها وعبث بها. وامنح الشفاء العاجل للجرحى والمصابين نتيجة المظاهرات الشعبية التي نظّمتها محافظات الجنوب للمطالبة بحقوقهم المشروعة، بل وبحقوقنا جميعاً، وامنح الحكمة والدراية لقادتنا لكي يحسنوا التصرّف والتعامل مع أبناء شعبنا لتأمين عيشه الرغيد ولحفظ كرامة العراق والعراقيين، وقد منّ الله على عراقنا بالخيرات والبركات تكفي لمعيشة شعوب عديدة، لو تمّ استخدامها بالمعقول وتحقيق توزيعها بالعدل والإنصاف. وشكراً".
|