في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من ليل يوم الثلاثاء 24 كانون الأول 2019، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس ليلة عيد ميلاد الرب يسوع، وذلك على مذبح كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف، بيروت.
عاون غبطتَه في القداس الأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بحضور ومشاركة الأب ميشال حموي مساعد كاهن الرعية، وجمع من المؤمنين من أبناء الرعية.
رنّم غبطة أبينا البطريرك الإنجيل المقدس، وخلاله قام غبطته بإشعال نار في موقدة وزيّح فوقها الطفل يسوع، ثمّ قام بتطواف في الكاتدرائية، فيما الإكليروس والجوق ينشدون تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر".
في موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بآية الإنجيلي لوقا "لا تخافوا ها إنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون للشعب كلّه، وُلِد لكم اليوم المخلّص... وقال الرعاة بعضهم لبعض: هلمّوا ننطلق إلى بيت لحم فنرى ما حدث، ذاك الذي أخبرَنا به الرب"، متحدّثاً عن "هذا الليل، ليلة عيد الميلاد، نلتقي ككلّ عام كي نستقبل الطفل الإلهي في رعيتنا وكنيستنا، وبشكل خاص في قلوبنا وفي عائلاتنا. نحن عائلة روحية واحدة، وعلينا أن نوحّد قلوبنا ونضمّ أيادينا بعضها إلى بعض كي نكمل مشوار حياتنا مثلما يرضي قلب الرب يسوع".
وتكلّم غبطته عن الرعاة الذين أعطاهم الرب أن يكونوا أول الأشخاص الذين يذهبون ويلتقون بيسوع ليلة ميلاده: "تصوّروا هؤلاء الرعاة المساكين الفقراء الذين كان عليهم أن يسهروا على قطعانهم، يعطيهم الرب هذا الامتياز أن يذهبوا ويتعرّفوا على يسوع ويسجدوا له قبل كلّ البشر، قبل الملوك والقادة والأغنياء وأعيان القوم، هؤلاء كانوا أول الذين ذهبوا ليلتقوا بيسوع ويسجدوا له، ثمّ يعودوا ليبشّروا بهذه الأعجوبة الميلادية، أنّ الابن - كلمة الله يتنازل ويصبح مثلنا، كما سمعنا من نبوءة أشعيا: الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. أعطانا اللهُ الإبنَ العجيبَ الذي هو ملك السلام، تصوّروا نبياً يتنبّأ قبل مئات السنين عن ميلاد هذا الطفل الإلهي!".
ونوّه غبطته إلى "أنّ الله كلّم الإنسان بطرق عديدة، نحن نعرف أنّ الإنسان، إن عاد إلى ضميره، يقدر أن يلتقي مع الله في أمورٍ كثيرةٍ وأحداثٍ عديدةٍ في حياته، فهو يمجّد الله عندما يرى الشمس، ويمجّده ويعترف بفضله عندما يعيش بالصحّة. وعندما يصبح أباً أو أمّاً لعائلته ويكون هناك سلام في البيت، كلّ ذلك يذكّر الإنسان أنه نعمة من عند الله"، مشيراً إلى أنّ "هذا هو كلام من الله بطريقة غير مباشرة، لكنّ مار بولس رسول الأمم يقول إنه جاء الوقت والله كلّمنا بابنه الوحيد، وهذا ما يميّزنا أنّ الله لم يبقَ بعيداً عن الخليقة، بل تنازل وأصبح مثل خليقته، وصرنا نسمّيه كما قال النبي أشعيا عمانوئيل أي الله معنا".
وتطرّق غبطته إلى العيد هذا العام، إذ أنّ "لهذا العيد معانٍ كثيرة وسامية جداً وعزيزة جداً على قلوبنا، لكنّنا نعيّد العيد هذا العام ليس كما في باقي السنين، ويبدو الفرح غائباً عن المظاهر الخارجية، حتّى داخل بيوتنا وفي قلوبنا لا نشعر هذه السنة بالفرح والغبطة أن نأتي ونعيّد ليسوع في الكنيسة ونعيّد بعضنا البعض ونبدأ مشوار حياتنا في سنة جديدة بفرح وسلام. وها نحن نعاين في وطننا لبنان المظاهرات والحراك والانتفاضة – الثورة، وأضحى بلدنا يعيش نوعاً من الاضطراب والقلق، إلى جانب الأسباب المالية التي فرضت ذاتها على الشعب".
وذكّر غبطته المؤمنين بضرورة أن "نعود إلى بيت لحم حيث وُلِد الطفل الإلهي يسوع في مغارة، في مكان حقير ومذود للحيوانات، لأنه لم يكن هناك ليوسف ومريم مجال أن يسكنوا في بيت أو مأوى. ثم سنجد أنّ العائلة المقدسة ستُضطهَد وتُرغَم على الهروب إلى مصر، وبعدئذٍ مقتل أطفال بيت لحم، ونحن نعرف أنّ يسوع عاش حياةً متواضعةً جداً، لأنّ يوسف كان نجّاراً في بلدة مغمورة آنذاك هي الناصرة"، منوّهاً إلى أنّنا "إذا راجعنا حياتنا وتاريخ المسيحيين في بلادنا، نجد أنّ الأيّام والسنين لم تكن بهذا اللمعان والسلام والاستقرار، ومع ذلك سنظلّ نجدّد إيماننا بالرب يسوع، ونسعى كلّ جهدنا كي نظلّ أمناء له وللكنيسة".
وشدّد غبطته على أهمّية "أن نبادر إلى مساعدة بعضنا البعض، وأن نفتح قلوبنا ونمدّ أيدينا لمعونة الآخرين، لأنّنا سنظلّ جميعنا عائلة روحية واحدة، لذا علينا ألا نكتفي فقط بالكلام، إنّما أن نعسى جهدنا كي نساعد الآخرين أيضاً، متذكّرين أنّ يسوع جاء كي يعطينا الأمل والرجاء"، حاثّاً الكبار كي يرافقوا الأولاد والشباب بهذا الفرح والرجاء والاتّكال على الله، حتّى يتابعوا مشوار الحياة غير خائفين، إنّما ممتلئين من الفرح على غرار ما بشّر به الملاكُ الرعاةَ: لا تخافوا ها إني أبشّركم بفرح عظيم".
وختم غبطته موعظته داعياً "المؤمنين اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، كي يضعوا كلّ همومهم ومشاكلهم وصعوباتهم وتحدّياتهم واحتياجاتهم وأوجاعهم وآلامهم أمام الطفل الإلهي، مولود مذود مغارة بيت لحم"، متيقّنين "أنّه هو الله القادر على كلّ شيء، وأنّه سيحوّل الهموم والتحدّيات إلى فرح داخلي حقيقي، وإلى نعمة رجاء وخلاص، لأنّنا سنبقى الشعب الذي يتّكل على الله والذي ينشر حوله الفرح والسلام".
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل التهاني بالعيد من المؤمنين في جوّ من الفرح الروحي.
|