في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأربعاء 25 كانون الأول 2019، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس عيد ميلاد الرب يسوع، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف، بيروت، يعاونه الأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بحضور ومشاركة الشمامسة والراهبات الأفراميات وجمع من المؤمنين من مختلف الرعايا، قدموا ليشاركوا في القداس ويهنّئوا غبطته بالعيد.
رنّم غبطة أبينا البطريرك الإنجيل المقدس من بشارة القديس لوقا، ثمّ أضرم ناراً في موقدة وُضِعت في وسط الهيكل، وزيّح فوقها الطفل يسوع. ثمّ طاف غبطته في زيّاح حاملاً الطفل يسوع، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، ليضع بعدها غبطته الطفل يسوع في المكان المرموز به إلى المذود في المغارة التي نُصِبت داخل الكنيسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "لنمضِ إلى بيت لحم"، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن "عيد ميلاد الرب يسوع، عيد الفرح والسلام والرجاء"، متناولاً "ما فعله الرعاة الذين سمعوا من الملاك بالخبر المفرح بولادة الطفل يسوع، فأسرعوا إلى بيت لحم كي يروا ما أخبرهم به الملاك، ووجدوا الطفل مقمَّطاً ومضجعاً في مذود وحوله مريم ويوسف".
وتطرّق غبطته إلى "نبوءة أشعيا النبي الذي منذ ما يقرب من 600 سنة قبل المسيح تنبّأ عن ولادة المخلّص، المسيح المنتظر، واصفاً كيف أنّ الكون كلّه يتلاءم ويتلاقى بالفرح والسلام، الحيوانات المفترسة تقترب وتتعايش مع الحيوانات الأليفة. وهذا يذكّرنا بملكوت السماء حيث السلام الحقيقي، وفي نفس الوقت يذكّرنا أنّ الله منذ البدء أراد أن يتكلّم مع البشر ويعطيهم النِّعَم في حياتهم على الأرض، وأنّ عوامل الطبيعة والخلائق كلّها تتآلف لتمجيد اسمه القدوس".
وتأمّل غبطته بالرسالة إلى العبرانيين التي تُبرِز "كيف أنّ الله الذي كلّم الإنسانية بطرق مختلفة، كلّمها عندما حان ملء الزمان بكلمته المتأنّس من مريم العذراء. كلّمنا الله بابنه الوحيد، كلّمنا بهذا الحدث الأعجوبي أنّ الله بالذات يتنازل نحو خليقته بفعل تنازُلٍ واتّضاعٍ رائعٍ وفريد، لأنّ الله الغير محدود والأزلي والأبدي والقادر على كلّ شيء يرضى أن يتأنّس ويصبح مثلنا بالطبيعة البشرية، وهكذا يتجلّى معنى كلمة عمانوئيل أي الله معنا".
وتناول غبطته الوضع في لبنان والشرق "حيث أنّ العيد هذا العام ليس مثل باقي الأعوام، فلا نزال في هذا الشرق المعذَّب نعاني الكثير من الاضطرابات والعنف وخطاب الكراهية وعدم التسامح وروح المصلحة الخاصة والأنانية والفساد وكلّ الأعمال التي كان يجب أن نتلافاها في شرقنا في هذا القرن الحادي والعشرين"، آملاً "أن يكون الذين ننتخبهم حقاً خدّاماً للشعب، ويتفهّمون مشاكل الشعب ومعاناته وأوجاعه وتطلّعاته، ويبذلون كلّ جهدهم لتلبية هذه التطلّعات. وكأنّ ربنا يذكّرنا دائماً أنّ يسوع الذي وُلِد في بيت لحم وعانى الكثير من طرد وتهجير واضطهاد، هو مثالنا في هذه الحياة الأرضية، لأنّنا على هذه الأرض في مشوار نحو سعادة الملكوت السماوي".
ووجّه غبطته التهنئة بالعيد إلى جميع الحاضرين وإلى "العائلات التي التقت واجتمع أفرادها سويّةً في عيد الميلاد، سواء أتوا من بعيد أو من قريب"، سائلاً "الله أن يثبّتنا بالإيمان ويقوّي رجاءنا أنه مهما كانت العواصف عاتيةً، سنظلّ مؤمنين بالرب يسوع الذي هو إله وملك السلام، ومعلّمنا ومثالنا بالمحبّة، وأخ لنا في الوحدة مع بعضنا البعض".
وختم غبطته موعظته ضارعاً إلى الطفل الإلهي المتواضع المولود عجباً في مذود بمغارة بيت لحم، كي يحلّ أمنه وسلامه في لبنان والشرق والعالم، ويجمع الأفراد والعائلات أينما كانت، وخاصّةً الآلاف من العائلات التي تهجّرت رغماً عنها من أرض الآباء والأجداد، ويجعلنا جميعاً أمناء لدعوتنا المسيحية"، طالباً "شفاعة أمّنا مريم العذراء التي كانت تفكّر بهذا السرّ العظيم، سرّ نأنُّس كلمة الله في أحشائها الطاهرة، كي يحمينا الرب "هنا في لبنان ويحمي شرقنا، ويجعل المسيحيين يزدادون ثباتاً في إيمانهم ويبشّرون برجاء الميلاد الذي هو السلام والمحبّة".
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، انتقل إلى الصالون البطريركي حيث استقبل المؤمنين والمهنّئين بعيد الميلاد حتّى الظهر، وكذلك في فترة بعد الظهر حتّى المساء، فقدّموا لغبطته التهاني بالعيد مع التمنّيات بالصحّة والعافية والعمر المديد.
|