البطريرك يونان: "الطوائف في لبنان تتسابق والذراع المدني في التمييز بين أكثرية وأقلية وفي المطالبة بالحصص"
في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الاحد 19 كانون الثاني 2020، ترأس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، الصلاة الافتتاحية الرسمية لأسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس، بصلاة بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، استضافتها بطريركيتنا في كاتدرائية سيّدة البشارة السريانية الكاثوليكية، المتحف – بيروت.
شارك في الصلاة صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وصاحب القداسة مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وصاحب الغبطة يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، وصاحب السيادة المطران جوزف سبيتيري السفير البابوي في لبنان، وصاحب النيافة المطران مكارديش ممثّلاً قداسة الكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان كاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير للأرمن الأرثوذكس، وصاحب السيادة المطران جورج أسادوريان ممثّلاً غبطة البطريرك كريكور بيدروس العشرين كبرويان بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، وصاحب السيادة المطران ميشال قصارجي مطران الكنيسة الكلدانية في لبنان، والقسّيس جوزف قصّاب رئيس المجلس الأعلى للكنيسة الإنجيلية الوطنية في لبنان وسوريا، ورؤساء الكنائس في بيروت، وعدد من المطارنة والخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة من مختلف الكنائس، وجمع من أبناء رعايا أبرشية لبنان البطريركية للسريان الكاثوليك، ومن المؤمنين من الكنائس الشقيقة.
بعد صلاة البدء التي أعلنها غبطة أبينا البطريرك، أقيمت صلاة مساء الأحد مرتَّلةً باللغة السريانية، بأصوات جوقة مشتركة بين إكليريكية دير الشرفة ورعايا أبرشية لبنان، بقيادة الأب سعيد مسّوح نائب المدير والقيّم في الإكليريكية وفي دير الشرفة. وقد جمعت الصلوات نُخَباً مختارة من صلوات زمن الدنح المقدس وأحدَي تقديس البيعة وتجديدها.
وتوالى على تلاوة الصلوات الخاصة والقراءات المقدّسة من العهدين القديم والجديد، الآباءُ البطاركة والمطارنة من مختلف الكنائس. فجاءت الرتبة منسَّقةً ومنظَّمةً بشكلٍ مرتّبٍ ولائق، وكانت أمانة سرّ بطريركيتنا السريانية الكاثوليكية قد هيّأت برنامج الرتبة في كرّاس خاص بالمناسبة.
وبعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة روحية بعنوان "مجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام". فرحّب غبطته بجميع الحاضرين، مؤكّداً أهمّية الصلاة من أجل وحدة الكنائس، ومتطرّقاً إلى قول الرب يسوع لتلاميذه: "دعوتكم أحبّائي"، شارحاً ماهيّة المحبّة التي تجمع بين أتباع الرب يسوع، وتتجسّد بروح الأخوّة الصادقة.
ونوّه غبطته إلى أهمّية الوحدة بين المسيحيين لأداء الشهادة الحقيقية للرب، مشيراً إلى أنّ "الصلاة لأجل الوحدة المسيحية أضحت ضرورةً في العالم، حيث تطالعنا منظّمة الأمم المتّحدة بأنّ المسيحيين هم الجماعة الدينية التي تعاني أنواعاً من الاضطهادات أكثر من أيّ دينٍ آخر"، ومُبرِزاً "أهمّية الصلاة والسعي لهذه الوحدة في شرقنا الأوسط خاصةً، حيث غنى التعدّد في الإنتماءات الناتجة عن تقاليدٍ وطقوسٍ ولغاتٍ متميّزة، تشكّل في الوقت عينه تحدّياتٍ بل عقباتٍ في طريق الوحدة، ممّا يضعف شهادة المسيحيين في أعين الأكثرية العظمى التي تختلف عنهم. وما القول عن لبناننا الحبيب حيث الحنين إلى وحدة الكنائس يتضاعف ويتعمّق كلّ يومٍ في نفوس المؤمنين، بينما لا تزال كنائسنا عاجزةً عن توحيد الأعياد، لا سيّما الاحتفال بعيد قيامة مخلّصهم، ولا يزال المسيحيون غير مبالين بتحقيق المساواة بين طوائفهم أكثريةً كانت أم أقلّية!".
وأكّد غبطته "أنّ الوحدة أمرٌ ضروري وأساسي لأداء الشهادة الحقيقية للرب. صحيحٌ أننا لم نبلغ الوحدة المنظورة حتى الآن، إلا أنّنا قطعنا أشواطاً طويلةً من اللقاء والحوار والتقارب الليتورجي والروحي واللاهوتي، مع إقرارنا بأنّ العلمانيين سبقونا في مغامرة الوحدة هذه"، مشيراً إلى أنّ أموراً عديدةً تبقى "بحاجةٍ إلى متابعةٍ بالحوار المشترك، بروح الانفتاح والمحبّة الأخوية. لذا يحثّنا الرب على عيش المحبّة بالصدق مع أنفسنا، والإنفتاح المستمرّ على بعضنا البعض، وذلك بروح الإصغاء المتواضع إلى يسوع معلّمنا ومثالنا، راجين أن يتعرّف علينا الربّ ويعترف بنا تلامذةً له متى جاء".
وذكّر غبطته أنّ "الرب يدعونا اليوم إلى أن نعمل الآن وبدون تراخٍ أو تأخير، فنهيّئ الأطر اللازمة والطرق المؤدّية إلى الوحدة الكاملة، أمنية المسيحيين جميعاً في كلّ أنحاء العالم. هذه الوحدة مطلوبةٌ الآن بإلحاحٍ وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، سيّما في ظلّ ما يعيشه العالم من تقلّباتٍ وتغيّرات، بسبب مرض اللامبالاة الدينية وتفشّي الإلحاد أو التطرّف الديني الخطير، لا بل معاداة بشرى الإنجيل التي تسعى الكنيسة أن تقدّمها لمن يجهلها وهو متعطّشٌ إليها"، منوّهاً إلى وجوب "أن نستلهم نعمةً وحكمةً وتنوُّراً من لدن الله تعالى، كي نتفهّم المتغيّرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عالمنا اليوم، ونكون رسلاً حقيقيين نشهد لبشرى الخلاص شهادةً حيّةً واحدةً موحّدةً، كي يرى جميع الناس أعمالنا الصالحة ويمجّدوا الآب السماوي".
وتناول غبطته الوضع الراهن في لبنان، فقال:
"ولكن، كيف لنا أن نبلغ هذه الوحدة ونحن هنا في لبنان "الرسالة" نرى الطوائف تتسابق والذراع المدني في التمييز بين أكثرية وأقلية وفي المطالبة بالحصص. ونجد واجباً علينا أن نناشد من هذا المكان المقدس جميع المسؤولين السياسيين الذين ينعتهم الشعب المنتفض بحقّ أنّهم لا يستحقّون شرف هذا العمل النبيل، كي يبادروا على الفور إلى تشكيل حكومةٍ فاعلةٍ مؤلّفةٍ من اختصاصيين مستقلّين وغير ملوَّثين بالفساد أو مشاركين في السرقات وهدر المال العام. ونعرب عن تضامننا مع جميع المواطنين وبخاصّة الشباب الذين يتابعون حراكهم المطالِب بأبسط حقوق العيش الكريم، وينادون دون كللٍ بدولةٍ نزيهةٍ تحافظ على كيان الوطن وتنتشل الاقتصاد من الوهدة السحيقة التي سقط فيها. ونتمنّى بإلحاح أن يحافظ هذا الحراك الشعبي بلبلعلى بلسلميّته صوناً لأهدافه النبيلة، بالتعاون البنّاء مع القوى الأمنية والعسكرية المخلصة والساهرة على أمان بلالوطن وسلامة أراضيه وجميع مواطنيه".
ورفع غبطته الصلاة "بشكلٍ خاص لكنائسنا في الشرق الأوسط، سيّما في سوريا الجريحة التي يعاني مواطنوها الصعوبات والآلام نتيجةً للصراعات الهدّامة التي ابتُلِيت بها منذ تسع سنوات، وفي العراق العزيز الذي لا يزال يكابد النزاعات والانقسامات بسبب الصراعات السياسية والطائفية ممّا دفع بالمسيحيين إلى هجرة أرضهم ووطنهم، ومصر والأراضي المقدسة، كما في بلدان الانتشار حيث تشتّت أهلنا" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته في خبر خاص على صفحة الأخبار هذه في الموقع الرسمي للبطريركية).
وكان الأب طانيوس خليل أمين سرّ لجنة العلاقات المسكونية في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وعميد كلّية العلوم الكنسية في جامعة الحكمة ببيروت، قد افتتح الصلاة بالتعريف بأسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس الذي يقام كلّ عام، وإعلان انطلاقة أسبوع الصلاة لهذا العام.
وقبل ختام الصلاة، ألقى سيادة المطران جوزف معوّض رئيس اللجنة المسكونية في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وراعي أبرشية زحلة المارونية، قد ألقى كلمةً شكر فيها غبطةَ أبينا البطريرك والآباءَ البطاركة والأساقفة والإكليروس والمؤمنين المشاركين في الصلاة، باسم اللجنة، رافعاً الصلاة من أجل أن تتحقّق وحدة المسيحيين كما يريدها الرب يسوع.
وفي ختام الصلاة، انتقل الجميع إلى صالون الكاتدرائية، حيث استقبل غبطةُ أبينا البطريرك الآباءَ البطاركة والأساقفة والكهنة والإكليروس والمؤمنين.
|