في تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الأحد 23 شباط 2020، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في اللقاء الذي عقده قداسة البابا فرنسيس مع المشاركين في مؤتمر "حوض المتوسّط: حدود سلام"، من بطاركة وكرادلة وأساقفة من مختلف البلدان في حوض المتوسّط، بدعوة من مجلس أساقفة إيطاليا الكاثوليك، وذلك في بازيليك القديس نيقولاوس في مدينة باري الإيطالية.
حضر اللقاء جميع المشاركين في المؤتمر من كرادلة وأساقفة، وفي مقدّمتهم أصحاب الغبطة: ابراهيم اسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، والكردينال لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل للكلدان، وكريكور بيدروس العشرون كبرويان كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك. وقد رافق غبطةَ أبينا البطريرك للمشاركة في هذا اللقاء وفدُ كنيستنا السريانية الذي يضمّ أصحاب السيادة: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، والأب رامي قبلان الزائر الرسولي في أوروبا، والأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
وألقى قداسة البابا كلمةً مسهبةً تحدّث فيها عن أهمّية انعقاد هذا المؤتمر في مدينة باري التي ترمز إلى الرباط القائم مع الشرق الأوسط والقارّة الأفريقية، وهي علامة بليغة للعلاقات المتجذّرة بين الشعوب والتقاليد المختلفة، مؤكّداً ضرورة التأمّل في دعوة ومصير منطقة حوض المتوسّط، ونقل الإيمان وتعزيز السلام، لافتاً إلى أنّ هذه المنطقة تشكّل المساحة الجغرافية والروحية التي أبصرت فيها النور حضارتنا، كنتيجة للتلاقي بين الشعوب المختلفة، مركّزاً على الدعوة إلى تقديم شهادة للوحدة والسلام، انطلاقاً من إيماننا وانتمائنا إلى الكنيسة، مشيراً إلى أنّ نقل الإيمان هو إرثٌ تحفظه الجماعة المسيحية، ويتمّ إحياؤه من خلال التعليم المسيحي والاحتفال بالأسرار وتنشئة الضمائر والإصغاء الفردي والجماعي لكلمة الله.
ونوّه قداسته إلى أنّ إعلان الإنجيل يدفعنا إلى العمل كصانعي سلام في منطقة المتوسّط التي تشهد اليوم انعدام الاستقرار والحروب، أكان في الشرق الأوسط، أم في أفريقيا الشمالية، فضلاً عن الصراعات بين الأعراق المختلفة والجماعات الدينية والمذهبية، والصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وخطر التوصّل إلى حلول غير عادلة قد تولّد أزمات جديدة، مذكّراً بأنّ الحرب تتعارض مع المنطق، إذ تُوجِّه الموارد نحو شراء الأسلحة والجهود العسكرية، وتشكّل ضرباً من الجنون لا يسعنا الاستسلام أمامه، ولا يمكن أن تكون وسيلةً لحلّ الخلافات والمصالح المتضاربة. فالغاية الأسمى لكلّ مجتمع بشري تبقى السلام، الذي لا يوجد بديل آخر سواه، فيما الحرب تعبّر عن فشل كلّ مشروع بشري وإلهي.
وشدّد قداسته على أنّ بناء السلام، الذي ينبغي أن يشكل أولوية بالنسبة للكنيسة وكلّ مؤسّسة مدنية، يرتكز على العدالة والتضامن مع المحتاجين، مشيراً إلى أنّ الكنيسة وفي إعلانها بشرى الإنجيل تتضامن مع الصغار والفقراء، متطرّقاً إلى وضع النازحين واللاجئين الذين غادروا أرضهم بحثاً عن حياة لائقة، والذين تتزايد أعدادهم بسبب تنامي الصراعات، وبخاصّة في منطقة الشرق الأوسط، ممّا يؤثّر في بلدان العبور وبلدان الوجهة النهائية، فضلاً عن الحكومات والكنائس في بلدان المنشأ.
وحذّر البابا من خطاب صدام الحضارات الذي يبرّر العنف ويغذّي الحقد، داعياً المشاركين في المؤتمر إلى رفع الصوت لمطالبة الحكومات بالدفاع عن الأقلّيات وحماية الحرّيات الدينية، منوّهاً إلى أنّ الاضطهادات التي تستهدف الجماعات المسيحية وغيرها أيضاً تشكّل جرحاً يمزّق قلبنا ولا يسعنا أن نقف إزاءه غير مبالين، متطرّقاً إلى أولوية الحوار الذي وحده يسمح بالتلاقي وتخطّي الأحكام المسبقة والتعرّف على بعضنا بشكل أفضل، ممّا يتطلّب ضيافة صادقة تمارَس حيال الجميع وعلى المستويات كافّة.
ولفت قداسته إلى أنّ التاريخ عرف مواجهات وصراعات ترتكز إلى قناعة مشوّهة بأننا ندافع عن الله، لكنّ التطرّف والأصولية ينكران كرامة الإنسان وحرّيته الدينية، ممّا يقتضي لقاءً أكثر حيوية بين مختلف الديانات، بالاحترام الصادق والنيّة في تحقيق السلام، مشيراً إلى أنّ الساعين إلى بناء السلام وممارسة الضيافة لا يستطيعون القتال لدوافع دينية، بل يسيرون في درب الحوار المطبوع بالاحترام، ودرب التضامن المتبادل والبحث عن الوحدة.
وبعد كلمة شكر وجّهها صاحبُ النيافة الكردينال Gualtiero BASSETTI رئيس أساقفة Perugia ورئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكاثوليك، تُلي تقرير أعمال المؤتمر مع توصياته وجرى تقديمها إلى قداسته.
|