البطريرك يونان: "وباء كورونا الذي عمّ المسكونة هو تحذيرٌ لأولئك الذين تناسوا الله، وختقوا صوت الضمير، فاستعملوا قوّتهم السياسية والعسكرية لتحقيق مآربهم ومصالحهم الأنانية"
البطريرك يونان: "في لبنان نحتاج إلى العودة التائبة إلى الله، فنتضافر كي نغلب الشرّ بالخير، وآفة وباء الكورونا بالوعي والتضامن، والنزاهة والمحبّة".
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس ١٩ آذار ٢٠٢٠، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد مار يوسف، ومن أجل القضاء على وباء كورونا وشفاء المصابين به، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف، بيروت.
شارك في القداس الأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب روني موميكا والأب كريم كلش أمينا السرّ المساعدان في البطريركية، والراهبات الأفراميات، وقد نُقِل القداس مباشرةً على الصفحة الرسمية للبطريركية على الفايسبوك كي يتسنّى للمؤمنين في لبنان والعالم المشاركة في القداس، سيّما أولئك الذين يتعذّر عليهم ذلك بسبب الإجراءات الوقائية والاحترازية من وباء كورونا.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن القديس مار يوسف خطيب مريم العذراء ومربّي الرب يسوع وحامي العائلة المقدسة وشفيع الكنيسة الجامعة، شاكراً جميع من قدّم له التهنئة بهذا العيد، ومهنّئاً بدوره كلّ من يحمل اسم هذا القديس أو يتشفّع له، متأمّلاً بصفات القديس يوسف ومزاياه، مشيراً إلى أنّ الإنجيل لا يذكر عنه سوى أنه "رجل بارّ"، وبأنّ "البارّ في الكتاب المقدس يعني الشخص الذي يريد أن يطبّق كلّ ما يريده منه الله في حياته، ليس في أقواله فقط، ولكن في أعماله وسيرته اليومية، فقد كان مثالاً للأبرار الذين سلّموا حياتهم بين يدي الله، فهو الزوج الأمين، والمربّي الحكيم، والمستسلم لمشيئة الله، وهو الذي كان ينتظر عزاء الله لشعبه المختار".
ونوّه غبطته إلى أنّ "مار يوسف مثالٌ لنا بالوداعة والتواضع والصمت وبتحمّله الآلام. نحن في هذا الزمن المخيف الذي نمرّ به، كم نحتاج إلى شفيع لنا وقديس قدير بشفاعته، فمار يوسف كان قريباً جداً من يسوع ومربّياً له. عاش مع يسوع ومريم، وانتقل إلى السماء ما بين يديهما"، سائلاً الله، بشفاعة مار يوسف، "أن يقوّينا في هذه الأيّام الكالحة التي يتخبّط فيها العالم، ويعطينا الشجاعة كي نتقبّل ما يحدث بإيمان ووعي، ونبذل كلّ جهدنا لنعيش المحبّة التي علّمنا إيّاها الرب يسوع، حتّى نبلغ القداسة التي إليها دُعينا"، طالباً "نعمة الصحّة والعافية، خاصّةً في هذا الزمن المخيف والعصيب الذي حلّ ببلادنا وبالعالم كلّه، بانتشار وباء فيروس كورونا"، ومصلّياً من أجل الكثيرين الذين "يعطون من ذواتهم، لا سيّما الذين يرافقون المرضى المصابين بهذا الوباء، في المستشفيات وفي المصحّات وفي المنازل، ويبذلون كلّ ما بوسعهم ليخفّفوا عنهم الأوجاع ويساعدوهم كي ينالوا الشفاء".
وتضرّع غبطته إلى الله في زمن الصوم هذا، أن يمنحنا "المغفرة منه تعالى على ما ارتكبناه من المعاصي والنقائص والخطايا، بسبب الأنانية والتكبّر والاستئثار الفردي والجماعي بمقدّرات الخليقة، متناسين الضعفاء والفقراء والمهمَّشين في مجتمعاتنا"، مؤكّداً أنّ دعوتنا هي أن "نكون قديسين، وأن نتذكّر أنّ حياتنا على الأرض هي مسيرة نحو الملكوت، ومن مار يوسف نتعلّم كيف نقدّم كلّ شيء للرب. علينا إذن أن ننسى ذواتنا من أجل الآخرين، ونحاول أن نكون نزيهين، ونعلّم الحق بضمير صالح، ونسعى أن نحترم الآخرين، ولكن في الوقت عينه، علينا أن نتذكّر ونذكّرهم أننا شعب الله".
وتطرّق غبطته إلى ما يقوم به كثيرون من السياسيين الذين "يستغلّون قوّتهم السياسية والعسكرية كي يستبدّوا بالشعوب الضعيفة، هؤلاء السياسيين الذين يجب أن يكونوا خدّاماً لشعبهم بروح مار يوسف، بمعنى البذل والعطاء، ولكنّهم أرادوا أن يبعدوا شعوبهم عن الله"، رافعاً "الصوت باسم جميع الرعاة الروحيين الأمناء على الوديعة الإيمانية، تجاه الظلم والاستكبار، تجاه الاستحواذ على قوى المال، من قِبَل عظماء هذا العالم"، ومستذكراً مسألة الإلحاد وما يُسمّى موت الله، والتي نتجت "في بلاد كان يجب أن تكون بلاداً مسيحية بالفعل، ولكن للأسف الشديد تركوا الله ونشروا الإلحاد واللامبالاة الدينية".
وذكّر غبطته أنّ هؤلاء السياسيين "بمقدورهم أن يكونوا أقوياء بالعلم وبالسلاح والاختراعات، ولكنّنا نجدهم اليوم ضعفاء مثل غيرهم أمام هذا الوباء الذي يتفشّى في العالم بشكل مريع"، مشدّداً على أنّ هذا "الوباء الذي عمّ المسكونة هو تحذيرٌ لأولئك الذين تناسوا الله، وخنقوا صوت الضمير، فاستعملوا قوّتهم السياسية والعسكرية لتحقيق مآربهم ومصالحهم الأنانية".
وتناول غبطته الوضع الراهن في لبنان حيث الحاجة ماسّة "إلى العودة التائبة إلى الله في هذه الفترة التي نجتازها مع كلّ المواطنين، فنتضافر كي نغلب الشرّ بالخير، وآفة وباء الكورونا بالوعي والتضامن، والنزاهة والمحبّة. ويجب علينا أن نلتزم جميعنا بكلّ ما يوجّهه لنا المسؤولون من إرشادات كي نتلافى العدوى، وأن نشعر بتضامننا الأخوي والإنساني".
ووجّه غبطته النداء إلى المسؤولين "كي يؤسّسوا صندوقاً تضامنياً في الوقت الذي نجد فيه لبنان يعاني أزمةً خانقةً، وكثيرون يجاهرون أنّ البلد يجتاز وضعاً مخيفاً من الناحية الاقتصادية والمالية"، على أن "يكون صندوقاً تعاضدياً للموجوعين والمحتاجين والذين يعانون أزمة البطالة وقد حُرِموا من أعمالهم، وذلك بفتح باب التبرّعات أمام جميع المواطنين الأسخياء"، مذكّراً "أولئك السياسيين الذين سرقوا الشعب مستغلّين نقائص النظام الطائفي في لبنان، فسلبوا المال من الفقراء والموجوعين ومن الذين ليس لهم عمل ليعتاشوا منه، بأنّ لديهم فرصة للمساهمة في هذا الصندوق بأكثر ما يمكن من المال المسروق".
وختم غبطته موعظته مهنّئاً جميع المؤمنين "في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدسة والأردن ومصر وتركيا والخليج، وكنيسة الانتشار في أوروبا والأميركتين وأستراليا" بهذا العيد المبارك، لا سيّما كلّ من يحمل اسم القديس يوسف ويتشفّع به، سائلاً الرب "أن يحفظهم بالصحّة والعافية، وأن يملأهم فرحاً وقداسةً وسلاماً" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته في خبر آخر على صفحة الأخبار في موقع البطريركية الرسمي هذا).
وفي نهاية القداس، ابتهل غبطته إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم العذراء سيّدة النجاة ومار يوسف البارّ، كي يمنح الشفاء التامّ للمصابين بوباء كورونا، ويزيل هذا الوباء من العالم، ويمنّ على الجميع بالخير والبركة والسلام والأمان.
ثمّ منح غبطته البركة الرسولية لأبناء الكنيسة وبناتها في كلّ مكان.
|