البطريرك يونان: "تعاونّا مع المطران يوسف حنّوش ووجدنا فيه أخاً عزيزاً وراعياً غيوراً على رسالة الكنيسة ومدافعاً صلباً عنها في أحلك الظروف"
في تمام الساعة الحادية عشرة قبل ظهر يوم السبت 11 نيسان 2020، وبتكليف خاص من غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، ترأّس سيادة المطران جورج شيحان راعي أبرشية القاهرة المارونية، رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات مار اقليميس يوسف حنّوش مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان للسريان الكاثوليك، في كاتدرائية سيّدة الوردية المقدسة، الظاهر – القاهرة، مصر، وذلك بعدما تعذّر على غبطته ترؤّس الرتبة شخصياً بسبب استحالة السفر في الظروف الراهنة من جراء محنة انتشار وباء كورونا.
شارك في الرتبة صاحب الغبطة البطريرك ابراهيم إسحق سدراك بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، وصاحب السيادة المطران Nicola THEVENINالسفر البابوي في مصر، ومطران القاهرة والإسكندرية للأرمن الكاثوليك كريكور أوغسطينوس كوسا، وأصحاب السيادة المطارنة من الكنيسة القبطية الكاثوليكية: الأنبا كيرلّس وليم مطران أبرشية أسيوط، والأنبا بطرس فهيم مطران أبرشية المنيا، والأنبا باخوم نائب البطريرك للأبرشية البطريركية في القاهرة، والأنبا دانيال لطفي مطران أبرشية الإسماعيلية، والأستاذ جرجس صالح منسّق العلاقات بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكنائس الشرق الأوسط، وكهنة أبرشية القاهرة السريانية الكاثوليكية، وعدد من الآباء الكهنة من مختلف الكنائس في القاهرة، إلى جانب حضور بعض المؤمنين ومن بينهم أفراد عائلة المثلّث الرحمات، بسبب الإجراءات الاحترازية التي تتّخذها الدولة للوقاية من انتشار وباء كورونا. وقد جرى نقل الرتبة مباشرةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتمكّن المؤمنون في الأبرشية والعالم من متابعتها وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على راعيهم الذي أحبّهم وأحبّوه، ولو كان ذلك عن بُعد.
خلال الرتبة، تليت الصلوات والترانيم والقراءات بحسب الطقس السرياني وسط تأثُّر المشاركين للرقاد المفاجئ لهذا الحبر الجليل، الذي ترك برحيله فراغاً كبيراً عمّ الأبرشية والكنيسة في مصر.
وبعد الإنجيل المقدس، تلا سيادة المطران جورج شيحان الكلمة التأبينية البليغة والمؤثّرة التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بعنوان: "كن أميناً إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2: 10)، أعرب فيها غبطته عن الأسى البليغ والحزن العميق بتلقّي النبأ المفجع برقاد المطران يوسف حنّوش الذي "أسلم الروح مستودعاً إيّاها بين يدَي خالقها الذي أحبّه بقلبٍ طيّبٍ وديعٍ وروحٍ بشوشةٍ وبسمةٍ لم تفارقه حتى ساعاته الأخيرة، رغم ما عاناه من أوجاعٍ وآلامٍ أنهكت جسده الضعيف، فخارت قواه واستسلمت أخيراً بعد مقاومة آثار المرض الذي ألمّ به في الأشهر الأخيرة، وتحمّله بصبرٍ عجيبٍ وإيمانٍ متينٍ ورجاءٍ وطيدٍ، تلمّس خلاله حضور الله وتدخُّله معه، وتحسّس لمسته الشافية في كلّ مراحل المرض".
وأشار غبطته إلى أنّ المثلّث الرحمات أضحى "المثال للمؤمن الحقيقي الذي يتماهى مع آلام الفادي، متيقّناً أنه إذا شاركه بآلامه سيشاركه بمجده أيضاً، وحتّى إن مات معه فسيقوم معه أيضاً. وهل أفضل للمؤمن من أن يموت مع المسيح ليلة آلامه وموته، ليقوم معه بالمجد في قيامته. هكذا خارت قواه الجسدية، إلا أنّ قواه الروحية استمرّت محلّقةً في رحاب الإيمان"، منوّهاً إلى أنّ المطران حنّوش عاش "حتّى النفس الأخير الأمانة لثلاثة: الأمانة للرب يسوع وإنجيله، البشرى السارّة التي طبعت حياته بالفرح والبهجة والالتزام، والأمانة للكنيسة المقدسة وعقائدها وتعاليمها، وبخاصّة كنيسته السريانية الأنطاكية التي شغف بحبّها وتغنّى بترانيمها بصوته الشجيّ العذب، والأمانة لدعوته الكهنوتية والأسقفية، راعياً صالحاً للنفوس التي أُوكلت إليه، فخدمها بروحه الطيّبة ولطفه ودماثة خلقه وطيب معشره ومحبّته التي تشمل الجميع، وبسمته التي لا تفارقه زارعاً إيّاها أينما حلّ وفي كلّ مناسبة".
ونوّه غبطته إلى أنّ المطران حنّوش كان "قوياً بإيمانه وروحانيته وخصاله الإنسانية والكهنوتية والراعوية التي وهبه إيّاها المسيح الرب، وبوفاته السريعة والمفاجئة تخسر أبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان كنزاً ثميناً حازته أسقفاً لها منذ أربعٍ وعشرين سنةً"، لافتاً إلى أنّ "كنيستنا السريانية الأنطاكية تفقد حبراً جليلاً وعضواً فاعلاً ومميّزاً في سينودسها، لا بل عميداً للأساقفة العاملين رعاة الأبرشيات، ترك بغيابه جرحاً بليغاً في قلبنا وقلوب إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة آباء السينودس المقدس. ويعظم الجرح بسبب عدم تمكّننا نحن أو أيٍّ من إخوتنا آباء السينودس من الحضور والمشاركة الشخصية في مراسم جنّازه ووداعه الأخير، نظراً للظروف العصيبة التي يمرّ بها العالم من جراء تفشّي وباء كورونا الخبيث، وما تتّخذه الحكومات والجهات المسؤولة من إجراءات لمجابهة هذا الوباء، ضارعين إلى الله أن ينقذ العالم من خطره الداهم".
ووجّه غبطته الشكر الجزيل لغبطة البطريرك ابراهيم اسحق ولسيادة السفير البابوي في مصر ولسيادة المطران جورج شيحان "الذي كلّفناه بترؤّس مراسم الجنّاز باسمنا وتلاوة كلمتنا التأبينية هذه، كما طلبنا منه أن يقوم بجرد موجودات المطرانية ومكتب المثلّث الرحمات. فقام سيادته مشكوراً بهذا العمل، وسيتابع مهمّته في الإشراف على دار المطرانية والأبرشية ريثما يلهمنا الرب إلى اختيار مدبّرٍ بطريركي يرعى الأبرشية، ليصار بعدها إلى انتخاب راعٍ صالح يخدمها بالروح والحق والمحبّة المتفانية، ليكون خير خلف لخير سلف".
وعرض غبطته سيرة حياة المثلّث الرحمات بإسهاب، من ولادته ودراسته المدرسية والجامعية والإكليريكية والفلسفية واللاهوتية، وصولاً إلى سيامته الكهنوتية وأبرز المهام الراعوية التي قام بها خلال خدمته الكهنوتية في أبرشية القاهرة، ثمّ رسامته الخوراسقفية، وانتخابه من السينودس السرياني المقدس أسقفاً لأبرشية القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان "بفضل ما تميّز به من صفاتٍ راعويةٍ وفضائلَ كهنوتيةٍ واستعداداتٍ داخليةٍ قلبيةٍ وروحية"، لافتاً إلى أنّ "المطران حنّوش تسلّم رعاية أبرشية القاهرة من سلفه المطران موسى داود الذي كان قد نظّم الشؤون الإدارية فيها. فتابع المطران حنّوش العمل بحماسٍ رسولي وجهدٍ راعوي وحسٍّ إداري تدبيري، بروح الراعي الصالح الذي ينشر حوله الفرح والوداعة".
وأسهب غبطته متناولاً أعمال المطران حنّوش وخدمته الأسقفية وأبرز إنجازاته في رعاية الأبرشية وإدارتها، فضلاً عن اهتمامه بتعزيز الشؤون الروحية والراعوية في الرعايا، "إيماناً منه بأنّ الهدف الأسمى هو خلاص النفوس الموكلة إلى رعايته"، محتضناً الكهنة، ومشرفاً على عملهم، ومؤسِّساً الأخويات والحركات الرسولية وفرق الكشّاف، ومولياً الشبيبة اهتماماً خاصاً، ومعزِّزاً العمل الراعوي في الأبرشية بعد تراجُع عدد الدعوات الكهنوتية فيها، باختياره ثلاثة شمامسة من جنسيات مختلفة من إكليريكية "أمّ الفادي" "Redemptoris Mater"، التابعة لطريق الموعوظين الجدد، حيث تابع تنشئتهم وسامهم كهنة لخدمة الأبرشية، وكان بصدد تهيئة شمّاس رابع أيضاً.
ولفت غبطته إلى أنّ المطران حنّوش "امتاز بروحه المرحة وقربه من أبناء أبرشيته بمختلف رعاياها، فأحّبهم جميعاً، وبادلوه الحبّ والوفاء. وما الأصداء الرائعة والمؤثّرة التي سمعناها في اليومين الأخيرين سوى دليل ساطع على مدى محبّة الناس له وتعلّقهم به وتقديرهم الكبير لعطاءاته وخدمته"، مقدّماً "أحرّ التعازي باسم آباء سينودس كنيستنا وإكليروسها ومؤمنيها في العالم إلى أبرشية القاهرة العزيزة، إكليروساً ومؤمنين، وخاصّةً أفراد عائلة المثلّث الرحمات وأقربائه وأنسبائه، متشاركين التعزية مع إخوتنا الأساقفة ورؤساء الكنائس في مصر".
وخلُص غبطته إلى القول: "كان المطران يوسف حنّوش الراعي الصالح الذي "يعرف خرافه وخرافه تعرفه، ويدرك بكلّ دقّة تفاصيل الرعايا والأوقاف وحاجاتها، فواصل النهضة الروحية والراعوية والإدارية في الأبرشية. ونشأت بينه وبين الجسم الكهنوتي مشاعرُ محبّة، وتعاونٌ مخلِص. ونَعِمَ بثقة كلّ أبناء الأبرشيّة ومحبّتهم واحترامهم لشخصه ولتوجيهاته وقراراته، وقد لمسنا ذلك خلال زياراتنا الراعوية العديدة التي قمنا بها إلى أبرشية القاهرة العزيزة".
وأردف غبطته: "في السينودس المقدس، حاز محبّة آباء السينودس واحترامهم وثقتهم وتقديرهم، وقد برز ذلك جلياً باختيارهم له عضواً في السينودس الدائم اعتباراً من حزيران / يونيو من العام الماضي. أمّا نحن، فقد تعاونّا معه ووجدنا فيه أخاً عزيزاً وراعياً غيوراً على رسالة الكنيسة ومدافعاً صلباً عنها في أحلك الظروف".
وختم غبطته كلمته التأبينية مشيراً إلى أنّ المطران حنّوش رقد بالرب "بعد أن أدّى رسالته الكهنوتية والأسقفية كاملةً، منتقلاً إلى بيت الآب ليسلّم بين يدي الربّ الوزنة التي أودعه إيّاها مضاعفةً، وينضمَّ إلى طغمة الأحبار الأنقياء في مجد السماء، ويشفع، بملء الكهنوت إلى الأبد، بالكنيسة والأبرشية والعائلة. وها هو ينعم مع الرب يسوع الذي دعاه إليه عشية موته الفدائي على الصليب، ليقوم معه عن يمينه في ملكوته السماوي، وينال الطوبى التي وعد بها الرب الرعاةَ الصالحين والوكلاء الأمناء" (تجدون النص الكامل للكلمة التأبينية البليغة التي وجّهها غبطته في خبر آخر على موقع البطريركية الرسمي هذا).
ثم قرأ سيادة السفير البابوي رسالة التعزية التي بعث بها نيافة الكاردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية، وفيها أعرب عن حزنه وتعزيته، ومسلّطاً الضوء على الصفات الراعوية التي تحلّى بها المثلّث الرحمات.
بعدئذٍ ووسط الترانيم، حمل كهنة الأبرشية جثمان المثلّث الرحمات وطافوا به في زيّاح مهيب حول المذبح الرئيسي ثلاث مرات، مودِّعاً المذبح والكنيسة، إكليروساً ومؤمنين، وسط جوٍّ من الرهبة والخشوع.
وفي نهاية الرتبة، نُقِل الجثمان ليوارى في مثواه الأخير في مدفن الأحبار والكهنة الراقدين قرب الكاتدرائية.
|