يطيب لنا أن ننشر فيما يلي نص الكلمة – النداء الذي وجّهه قداسة البابا فرنسيس إلى الشعب اللبناني في ختام مقابلته الأسبوعية العامّة في الفاتيكان صباح اليوم الأربعاء 2 أيلول 2020، بمناسبة مئوية إعلان دولة لبنان الكبير ومرور شهر على الإنفجار المروِّع في مرفأ بيروت، داعياً إلى تخصيص يوم الجمعة في الرابع من أيلول الجاري يوم صلاة وصوم من أجل لبنان:
"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
بعد شهرٍ على المأساة التي عصفت بمدينة بيروت، لا يزال فكري يتوجّه إلى لبنان العزيز وسكّانه الذين يعانون. وهذا الكاهن الموجود هنا (المرسَل اللبناني الماروني الأب جورج بريدي) قد حمل علم لبنان إلى هذه المقابلة العامّة. واليوم أكرّر أنا أيضاً ما قاله القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني لثلاثين سنةٍ خلت في لحظة حاسمة من تاريخ البلاد: "إزاء المآسي المتكرّرة التي يعرفها جميع سكّان هذه الأرض، ندرك الخطر الشديد الذي يهدّد وجود هذا البلد. لا يمكننا أن نترك لبنان في عزلته. منذ أكثر من مائة عام، كان لبنان بلد الرجاء. حتّى في أحلك فترات تاريخهم، حافظ اللبنانيون على إيمانهم بالله وأظهروا القدرة على جعل أرضهم مكاناً فريداً للتسامح والاحترام والتعايش في المنطقة. وبالتالي يصبح حقيقةً التأكيدُ على أنّ لبنان يمثّل شيئاً أكثر من دولة: لبنان هو رسالة حرّية، وهو مثال على التعدّدية بين الشرق والغرب".
من أجل خير لبنان، وإنّما من أجل خير العالم أيضاً، لا يمكننا أن نسمح بضياع هذا التراث. وبالتالي أشجّع جميع اللبنانيين على الاستمرار في الرجاء، وإيجاد القوّة والطاقة اللازمتين للبدء من جديد. أطلب من السياسيين والقادة الدينيين أن يلتزموا بصدق وشفافية في أعمال إعادة الإعمار، والتخلّي عن المصالح الحزبية، والنظر إلى الخير العام ومستقبل الأمّة. كما أجدّد دعوتي إلى المجتمع الدولي من أجل دعم البلاد لمساعدتها على الخروج من هذه الأزمة الخطيرة، دون التورّط في التوتّرات الإقليمية. أتوجّه بشكلٍ خاص إلى سكّان بيروت الذين تعرّضوا لتجربة قاسية من جراء الانفجار. تشجّعوا أيّها الإخوة! وليكن الإيمان والصلاة قوّتكم. لا تتركوا بيوتكم وتراثكم، ولا تتخلّوا عن حلم الذين آمنوا بمستقبل بلد جميل ومزدهر.
أيّها الرعاة والأساقفة والكهنة والمكرّسون والمكرّسات والعلمانيون الأعزّاء،
واصلوا مرافقة مؤمنيكم! ومنكم، أيّها الأساقفة والكهنة، أطلب أن تتحلّوا بالغيرة الرسولية، كما أطلب منكم الفقر، لا الرفاهية، الفقر مع شعبكم الفقير الذي يعاني. كونوا أنتم مثالاً للفقر والتواضع. ساعدوا المؤمنين وشعبكم على النهوض، وكي يكونوا روّاد ولادةٍ جديدة. كونوا جميعاً صانعين للوئام والتجديد باسم المصلحة المشتركة، ولثقافة لقاء حقيقية، وللعيش معاً في سلام، وللأخوّة، وهي كلمة عزيزة جداً على قلب القديس فرنسيس. ليكن هذا الوئام تجديداً للمصلحة المشتركة. وعلى هذا الأساس، يمكن ضمان استمرارية الوجود المسيحي ومساهمتكم القيّمة للبلاد والعالم العربي والمنطقة بأسرها، بروح أخوّة بين جميع التقاليد الدينية الموجودة في لبنان.
أرغب في أن أدعو الجميع لعيش يوم عالمي للصلاة والصوم من أجل لبنان، يوم الجمعة القادم، في الرابع من أيلول/سبتمبر الجاري. كما أنوي أن أرسل ممثّلاً عنّي إلى لبنان في ذلك اليوم من أجل مرافقة السكّان. في ذلك اليوم سيذهب أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان باسمي، الكردينال بييترو بارولين، ليعبِّر عن قربي وتضامني مع لبنان وشعبه. لنرفع صلاتنا من أجل لبنان بأسره ومن أجل بيروت. لنكن قريبين أيضاً من خلال الالتزام الملموس لأعمال المحبّة، كما هو الحال في المناسبات المماثلة الأخرى. كما أنني أدعو الإخوة والأخوات من الطوائف والتقاليد الدينية الأخرى للانضمام إلى هذه المبادرة بالطرق التي يرونها مناسبة، ولكن لنكُن جميعاً معاً.
والآن، أسألكم أن توكلوا إلى العذراء مريم، سيّدة حريصا، أحزاننا ورجاءنا، ولتعضد الذين يبكون أحبّاءهم، ولتمنح الشجاعة لجميع الذين فقدوا بيوتهم ومعها جزءاً من حياتهم. ولتشفع لدى الربّ يسوع كي تزهر أرض الأرز مجدّداً وتنشر أريج العيش معاً في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
والآن أدعو الجميع كي يقفوا بصمت ويصلّوا من أجل لبنان!".
|