البطريرك يونان: "إنّ المسؤولين الذين يدّعون الزعامة المسيحية في لبنان لم يكونوا على مستوى هذه المسؤولية التي أولاهم إيّاها الشعب... وعلى عاتقهم يقع جزءٌ كبيرٌ من المسؤولية عمّا وصل إليه لبنان في ظلّ هذا الوضع المعيشي والاجتماعي والسياسي المؤلم والذي لم نكن لنتوقّعه أبداً"
في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد ١٣ كانون الأول ٢٠٢٠، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد الجلَيان (البيان) ليوسف، وعيد القديسين الشهيدين مار بهنام وأخته سارة، وذلك في كنيسة مار بهنام وسارة - الفنار.
عاون غبطتَه في القداس صاحبُ السيادة مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة، بحضور ومشاركة الأب جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة - الشرفة، والأب روني موميكا والأب كريم كلش أمينَي السرّ المساعدَين في البطريركية، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين من أبناء الرعية.
خدم القداس الشمامسة وجوقة الرعية، وقد ساعد في تهيئة هذا الاحتفال وتنظيمه أخوية الحبل بلا دنس في الرعية والتي تحتفل بعيدها السنوي، وحركة مار بهنام وسارة.
في موعظته بعد الإنجيل المقدس، قال غبطة أبينا البطريرك: "جئنا اليوم إلى بيت الله في هذه الكنيسة المباركة رغم التحدّيات التي تجابهنا، سواء هنا وفي لبنان كلّه وفي العالم، تحدّيات هذا الوباء، فيروس كورونا الذي انتشر ويزرع الرعب أينما كان"، معرباً عن فرحه بالاحتفال "بعيد القديسين الشهيدين مار بهنام وأخته سارة، شفيعَي الرعية، اللذين قدّما ذاتهما مع أربعين من رفاقهما، ذبيحةً تشارك الحمل الإلهي، ذبيحة الاستشهاد، في القرن الرابع الميلادي".
وتحدّث غبطته عن "دير مار بهنام في سهل نينوى، هذا الدير القديم جداً والعريق، والذي حلّت به نكبات كثيرة، لا سيّما على أيدي المجرمين التكفيريين الإرهابيين الذين احتلّوا الدير، ولكنّ نعمة الرب استرجعته لنا"، مشيراً إلى أنّ "رهباننا الأفراميين يعيشون اليوم ويخدمون في هذا الدير، وفي عيد مار بهنام وسارة يتوافد إليه الآلاف من المؤمنين، كي يطلبوا شفاعة بهنام وأخته سارة لدى الله، أكان في أيّام الألم والمآسي، أو في زمن الأفراح".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "اليوم حسب طقس كنيستنا السريانية نحتفل أيضاً بأحد الجلَيان (البيان) لمار يوسف، إذ كشف الله لهذا المختار البارّ وخطيب مريم العذراء هذا السرّ العظيم الذي هو الحبل بكلمة الله في أحشاء العذراء".
ولفت غبطته إلى أنّنا "كنّا ونبقى أمناء للرب يسوع على مدى العصور، لسنا جدداً في الإيمان، بل نحن نحمل في قلوبنا ونفوسنا شعلة الإيمان التي أورثنا إيّاها آباؤنا وأجدادنا في الماضي، ونحن نعتزّ أن نحافظ على الأمانة لهذا التراث الروحي الذي ورثناه من أسلافنا البررة الذين عاشوا حياتهم بشكل يومي مضطهَدين ومظلومين، وحاولوا أن يبقوا دائماً أمناء للرب يسوع ولتعاليم الإنجيل وللوديعة والتراث والكنز الروحي في إيماننا المسيحي"، مشيراً إلى أنّنا "نعتزّ بالشهيدين بهنام وسارة اللذين كانا على المستوى البشري أمراءً، لكنّهما ضحَّيا بكلّ ما هو أرضي من أجل الفوز بالإيمان بالرب يسوع ونيل السعادة الأبدية".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط: "نمرّ اليوم بأزمات كثيرة، مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية. إنّنا نتذكّر أنّ المسيحيين، إن كانوا في سوريا أو في العراق، تحمّلوا ولا يزالون يعانون ويتحمّلون الكثير، لأنّهم أقلّيات ومكوّنات صغيرة، ونحن نفتخر أنّهم ظلّوا متجذّرين في أرضهم رغم كلّ الويلات التي حلّت بهم"، منوّهاً إلى أنّ "هذه التجرية التي يتعرّضون لها هي ترك البلاد التي لم تعرف أن تحميهم، لكنّنا نظلّ نذكّرهم ونذكّر الجميع أنّ آباءنا وأجدادنا تعذّبوا كثيراً من أجل التمسّك بإيمانهم بالرب يسوع، ونحن لن نتخلّى أبداً عن بلادنا في الشرق، عن لبنان وسوريا والعراق ومصر والأراضي المقدسة والأردن، بسبب الضغوطات المتنوّعة التي نتعرّض لها من جراء الإرهاب الذي حلّ في السنوات الأخيرة".
وأكّد غبطته أنّنا "نرافق إخوتنا وأخواتنا الذين لم يجدوا حلاً ومنفذاً سوى التهجير، نرافقهم بصلواتنا وأدعيتنا، ونسأل الرب أن يكون دائماً الحامي لهم وسبب سعادتهم في الحياة الدنيا"، لافتاً إلى أنّنا "يجب أن نكون ذوي مصداقية، فالمسيحيون في لبنان، هذا البلد الذي كان يجب أن يكون الملجأ لجميع المظلومين، لم يعرفوا للأسف أن يستقبلوا إخوتهم من البلاد التي تهجّروا منها ويوفّروا لهم الأمان والضمانة كي يعيشوا في لبنان بالحرّية الدينية الحقيقية والكرامة الإنسانية".
وذكّر غبطته "أنّ المسيحيين كان لهم الدور الكبير في تأسيس لبنان، لبنان الكبير، والذي نعلم كيف ضحّى هؤلاء المسيحيين كي يبقى لبنان مشعلاً للحرّية"، متأسّفاً لأنّه "لم تكن لدى المسيحيين الرؤية الحكيمة والشجاعة كي يعرفوا أن يستمرّوا بالحفاظ على لبنان الرسالة، لبنان الحرّية، لبنان الوطن لجميع المواطنين بالمساواة وبدون تمييز".
وتابع غبطته متناولاً الوضع في لبنان: "يحب أن نقرّ ونقرع صدورنا، لأنّ المسؤولين الذين يدّعون الزعامة المسيحية في لبنان لم يكونوا على مستوى هذه المسؤولية التي أولاهم إيّاها الشعب، وجميعنا نتكلّم، سواء سراً فيما بيننا أو علناً، مدركين أنّ على عاتق الزعماء والمسؤولين المسيحيين يقع جزءٌ كبيرٌ من المسؤولية عمّا وصل إليه لبنان في ظلّ هذا الوضع المعيشي والاجتماعي والسياسي المؤلم والذي لم نكن لنتوقّعه أبداً"، مشدّداً على أنّنا "مع ذلك كلّه، سنبقى شعب الرجاء، وسنبقى تلاميذ الرب يسوع، غير ناسين ما يذكّرنا به مار بولس القائل: إن كان الله معنا فمن يقدر علينا".
وختم غبطته موعظته بتجديد الثقة بالرب والتأكيد على أنّنا "سنبقى نصلّي ونتضرّع إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم العذراء سيّدة لبنان، متشفّعين أيضاً بقدّيسينا وقدّيساتنا الشهداء والشهيدات، كي نظلّ أمناء لدعوتنا المسيحية، متيقّنين بحماية أمّنا السماوية وخطيبها مار يوسف البارّ والقديسَين الشهيدَين بهنام وأخته سارة ورفاقهما الشهداء الأربعين".
وكان الأب ديفد ملكي قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطته، مثمّناً حضوره الشخصي وترؤسّه هذا الاحتفال الروحي رغم الظروف الصحّية العصيبة، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد والتوفيق في رعاية الكنيسة، مرحّباً أيضاً بصاحب السيادة والآباء الكهنة والحضور، شاكراً جميع من عاونه في التحضير لهذا الاحتفال، ومهنّئاً الجميع بهذا العيد.
وفي نهاية القداس، منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية بذخيرة القديس بهنام، وكان غبطته قد أحضر هذه الذخيرة معه من دير مار بهنام الشهير في سهل نينوى بالعراق لدى احتفاله بعيده في العام الماضي. وخصّ غبطته كنيسة مار بهنام وسارة في الفنار بهذه البركة المميّزة، أن تضمّ ذخيرة من قبر القديس بهنام، لتكون بركةً وحمايةً للكنيسة والرعية وأبنائها وبناتها.
|