في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد 29 آب 2021، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد الطوباوي الشهيد المطران مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، وذلك على مذبح كنيسة دير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي، درعون – حريصا، لبنان.
شارك في القداس أصحاب السيادة المطارنة: مار أثناسيوس متّي متّوكة، ومار ربولا أنطوان بيلوني، ومار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن والمدبّر البطريركي لأبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان، والآباء الكهنة من الدائرة البطريركية ودير الشرفة، والرهبان الأفراميون، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتأمُّلٍ عن الشهداء من صلاة الفرض اليومية في كتاب الإشحيم: «ܣܳܗܕ̈ܰܘܗ̱ܝ ܐܰܢ̱ܬܽܘܢ ܕܺܝܚܺܝܕܳܝܳܐ ܪ̈ܚܽܘܡܰܘܗ̱ܝ ܐܰܢ̱ܬܽܘܢ ܕܒܽܘܟ̣ܪܶܗ ܕܥܶܠܳܝܳܐ. ܕܡܶܛܽܠܳܬܶܗ ܐܶܬܩܰܛܰܠܬܽܘܢ ܘܡܶܛܽܠ ܚܽܘܒܶܗ ܚܰܫ̈ܶܐ ܣܰܝܒܰܪܬܽܘܢ܆ ܘܡܶܛܽܠܳܬܶܗ ܠܕܶܒܚܬܳܐ ܐܶܬܩܰܪܰܒܬܽܘܢ. ܒܪܺܝܟ ܕܰܐܘܪܶܒ ܕܽܘܟ̣ܪ̈ܳܢܰܝܟܽܘܢ»، وترجمته: "يا شهداء الوحيد، يا محبّي البكر الإلهي، الذي من أجله قُتِلتم ومن أجل حبّه تحمّلتم الآلام، ومن أجله قرّبتم ذاتكم ذبيحةً. فمباركٌ هو الذي عظّم ذكراكم".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "في كلّ عامٍ مثل هذا اليوم، نجدّد ذكرى احتفالنا بشهيد كنيستنا السريانية في هذه العصور الحديثة، وهو مار فلابيانوس ميخائيل ملكي الذي استشهد في أبرشيته التي كانت تُسمَّى جزيرة ابن عمر في تركيا اليوم على نهر دجلة، بالقرب من سوريا والعراق، وهو الذي كان يدرك، منذ بداية الاضطهادات والفظائع التي ارتكبها العثمانيون في أوائل القرن العشرين، أنّه سيحين دوره للاستشهاد. لذلك لم يكن يطلب أبداً مجده ومنفعته".
وسرد غبطته قولاً للطوباوي الشهيد كتبه في رسالة له إلى البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني رحماني، إذ يقول الطوباوي: "لستُ أطلب مجدي ومنفعتي في خدمتي للكنيسة، بل مجده تعالى، وإعلاء شأن كنيسته... الموت ولا مخالفة الطاعة".
ولفت غبطته إلى أنّ "هذا المطران الشهيد عاش أسقفيته التي لم تدم أكثر من سنتين ونصف، لأنّه رُسِم مطراناً هنا في بيروت في كاتدرائيتنا، كاتدرائية مار جرجس في الخندق الغميق، مع المطران جبرائيل تبّوني (البطريرك بعدئذٍ) عام 1913، واستُشهِد شهيدنا البارّ بعد سنتين ونصف".
وأكّد غبطته على أنّ "لنا هذا الإيمان القوي أنّ شهداءنا الأبرار الذين قدّموا ذواتهم حبّاً بالرب يسوع، معلّمهم ومثالهم في الفداء، هم حقيقةً في الملكوت السماوي. نفتخر بهم، ونطلب شفاعتهم، ونحاول كلّ جهدنا كي نبقى أمناء للرسالة التي قبلوها هم على نفسهم".
وأشار غبطته إلى أنّه "كان بإمكان المطران الشهيد أن يهرب، لأنّ الاضطهادات كانت قد بدأت قبل أشهر، لكنّه ظلّ في أبرشيته، وقُتِل ورُمِي جسده في نهر دجلة، ولم يبقَ لنا منه سوى التاج الأسقفي الذي كان يحمله، فأضحى لنا الذخيرة الوحيدة منه. وحين احتفلنا بتطويبه في هذا الدير قبل ستّ سنوات، وزّعنا صوراً وجزءاً من القماش الذي كان قد وُضِع على هذا التاج - الذخيرة، لأنّه للأسف لم يبقَ لنا أيّ ذخيرة أخرى منه، إذ قد رموه في نهر دجلة، وقضوا على كلّ ما كان لديه في أبرشيته".
وشدّد غبطته على أنّنا "عندما نعود ونحتفل بذكرى استشهاد شهيدنا البارّ، نؤكّد على أنّنا كنيسةٌ شاهدةٌ، أي تشهد للإنجيل، وشهيدةٌ محبّةً بالرب. وتعرفون جيّداً ماذا يجري في كنيستنا اليوم، سواءً في العراق أو في سوريا، واليوم وللأسف الشديد في لبنان، هذا البلد الذي كنّا نعتقد أنّه سيبقى ملاذاً آمناً، بعدما مرّ بصعوباتٍ وأزماتٍ وحروبٍ، وأنّه سيبقى المأوى والملجأ للمسيحيين".
وذكّر غبطته الحاضرين ومن خلالهم جميع المؤمنين أنّنا "مدعوون في كلّ وقتٍ كي نجدّد ثقتنا بالرب، مهما كانت الآلام والضيقات التي نعانيها، غير ناسين أنّ يسوع قَبِلَ أن يُصلَب ويكون ذبيحة خلاصٍ وفداءٍ لنا، وهذا ما نسمّيه سرّ الفداء".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الفادي الإلهي أن يثبّت رجاءنا مهما كانت الظروف التي نعيشها، ويقوّي فينا المحبّة والأمانة لدعوتنا، أكانت أسقفيةً أو كهنوتيةً أو رهبانيةً أو أكنّا مؤمنين علمانيين، لإعلاء مجده تعالى ورفع شأن الكنيسة. فنحن مدعوون، ليس فقط أن نشهد للإنجيل بالكلام، بل أن نكون مستعدّين كي نقدّم ذواتنا قرباناً لمحبّته تعالى، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، والطوباوي مار فلابيانوس ميخائيل الشهيد، وكذلك مار يوحنّا المعمدان الذي نحتفل اليوم بحسب طقسنا بتذكار قطع رأسه واستشهاده، وجميع القديسين والشهداء".
|