في تمام الساعة الواحدة من ظهر يوم الأحد 24 تشرين الأول 2021، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي لإرسالية مار بهنام وأخته سارة الشهيدين السريانية الكاثوليكية في العاصمة الألمانية برلين – ألمانيا.
عاون غبطتَه صاحبُ السيادة مار تيموثاوس حكمت بيلوني الأكسرخوس الرسولي في فنزويلا، والخوراسقف مارون حيصا كاهن إرساليتَي برلين وهامبورغ، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية. وخدم القداس الشمامسة وجوق الإرسالية، بحضور ومشاركة جمع كبير من المؤمنين الذين حضروا لنيل بركة غبطته، مع التقيّد بالشروط الصحيّة المفروضة من الدولة بسبب انتشار فيروس كورونا.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس باللغتين العربية والألمانية، وجّه غبطة أبينا البطريرك الشكر إلى الخوراسقف مارون حيصا على "كلماتك اللطيفة والمعبّرة والمليئة بالرجاء لكنيستنا هنا، والمؤسَّسة على اسم الشهيدين مار بهنام وأخته سارة، والجميع يعرفون أنّ لدينا دير في سهل نينوى بالقرب من قره قوش، هو دير مار بهنام وسارة، ويعود بناؤه إلى القرن الرابع، ونحن نفتخر أنّه بعد تحرير الدير من أيدي إرهابيي داعش الذين هاجموه وطردوا الرهبان وهدموا قسماً كبيراً من الدير وفجّروا ضريح الشهيدين، استطاعت الكنيسة أن ترمّمه، ولو أنّ هناك مجالاً بعد، أو بالأحرى احتياجاً كبيراً لترميم ما هدمه أولئك الكفّار الظالمون".
وتوجّه غبطته إلى أطفال المناولة الأولى الذين نالوا المناولة حديثاً، مرشداً إيّاهم كي يثبتوا بالرب يسوع ويتعلّقوا به، ويتأمّلوا بكلامه في الكتاب المقدس، ويشاركوا في القداس، فيتغذّوا من سرّ جسده ودمه الأقدسين، ويتابعوا التعليم المسيحي، ليكونوا تلاميذ حقيقيين للرب يسوع في خضمّ تحدّيات العالم المعاصر.
وأشار غبطته إلى "ما سمعناه من القراءة من مزمور داود النبي، والذي كان راعياً، واختاره ربّنا كي يكون الملك لشعبه. لذلك نسمّيه النبي والملك داود، ونعرف أنّه مرّ بصعوباتٍ كثيرة، وإذ كان هارباً من أعدائه، كان يلتجئ في خضمّ الصعوبات إلى الرب قائلاً: يا رب أنتَ ملجأي، أنتَ حصني".
ولفت غبطته إلى ما جاء في رسالة مار بولس الثانية إلى تلميذه تيموثاوس، حيث "يذكّر بولسُ تيموثاوسَ أنّ على الراعي أن يرعى شعب الله بالمحبّة والصبر والوداعة، حتّى يرافق هذا الشعب نحو ميناء الخلاص، نحو الرب يسوع. ومن واجبنا اليوم أن نشكر جميع الرعاة الذين خدموا كنائسنا، إن كان في الشرق أو في كنيسة الانتشار، فخدموا وضحّوا كي يؤسّسوا، وأملنا كبير أن يتابع الخوراسقف مارون وجميع الرعاة والكهنة خدمتهم لتمجيد اسم الرب والأمانة لكنيستنا السريانية المقدسة، كي يجعل جميع المؤمنين من يسوع رفيقاً لهم، كالكنز الكبير الذي يملأ قلوبنا ونفوسنا بالفرح".
ونوّه غبطته إلى "ما ورد في إنجيل مار لوقا البشير الذي تُلِيَ على مسامعكم في بداية القداس، عن أحد علماء اليهود آنذاك، والذي جاء إلى يسوع، قد يكون ذلك كي يجرّبه، أو أنّه كان صادقاً ويريد أن يعرف كيف يصل إلى ملكوت السماوات. فوجّه السؤال إلى يسوع: ماذا عليّ أن أعمل كي أرث ملكوت السماوات، وكان يسوع يعلم أنّ ذاك الذي كان يسأله هو من علماء اليهود الذين لم يكونوا يقبلون أنّ يسوع الإنسان هو ابن الله وكلمته، والذي جاء ليخلّصنا، مع أنّه كان يصنع العجائب، وهو البريء من كلّ خطيئة، ويعلّم التعليم الإلهي".
وتأمّل غبطته بجواب يسوع لهذا الرجل: "لماذا تدعوني صالحاً؟ أنتَ تعرف أنّ الله وحده هو الصالح، إذ أنّ يسوع والآب واحد، ومن الصعب تقبُّل هذا السرّ"، متوقّفاً عند قول يسوع: لديك الوصايا، وجواب هذا الشخص بأنّه يتبع الوصايا منذ صغره، أي هو من عائلة، قد يكون من الكتبة والفريسيين الذين يتبعون الكتاب المقدس ووصايا الرب، إلا أنّه لم يكتفِ بذلك، بل سأل مشورة يسوع الذي أكّد له أنّه إن أراد أن يكون كاملاً حقيقةً بنيّة صالحة، فعليه أن يتبع يسوع كما تبعه التلاميذ، مع أنّ تلاميذ يسوع كان فقراء، كانوا صيّادين، في حين أنّ هذا الرجل كان غنياً. لذا يقتضي اتّباع يسوع التخلّي عن كلّ شيء، وهذا الأمر كان صعباً جداً على هذا الرجل، إذ من الصعب أن يتخلّى الإنسان عمّا في هذه الدنيا".
وذكّر غبطته المؤمنين أنّهم "موجودون اليوم في بلد متقدّم جداً من حيث العلم والقوّة، أكانت عسكرية أو إعلامية، ولديه كلّ المجالات كي يؤمّنها للمواطنين وغير المواطنين القادمين إليه. لكنّكم تعلمون أنّ هناك تجارب كثيرة تجابهها شبيبتنا خاصّةً، وهي أنّ الشباب يفكّرون أنّ كلّ هذه الأمور المادّية العالمية تغنينا عن الله"، مشدّداً على أنّه "علينا أن نفهم، أيّها الأحبّاء، أنّنا نحن المسيحيين الموجودين هنا في الشرق أبناء أناسٍ مؤمنين ضحّوا على مرّ العصور بكلّ شيء كي يبقوا أمناء للرب يسوع. فقد كان بإمكانهم في زمن الإضطهادات أن ينكروا إيمانهم ويتبعوا دياناتٍ أخرى، وهكذا يكونون كالآخرين، لكنّهم لم يقبلوا أن يتخلّوا عن الرب يسوع الذي هو المخلّص والذي يعطي المعنى لحياتنا".
وختم غبطته موعظته بالقول: "نتابع قداسنا بكلّ خشوع وفرح وأمل أنّنا نحن الذين نعيش في هذا البلد الذي منحَنا كلّ شيء من حرّية وكرامة إنسانية، يمكننا أن نفكّر بإخوتنا الموجودين في بلادنا المشرقية، أكان في العراق أو سوريا أو لبنان، وأنتم تدركون الصعوبات والضيقات التي يمرّون فيها. لذا علينا أن نعرف أن نكون حقيقةً الجماعة الكنسية المتّحدة برباط الإيمان والرجاء والمحبّة، بشفاعة أمّنا مريم العذراء ومار بهنام وأخته سارة وجميع القديسين والشهداء".
وكان الخوراسقف مارون حيصا قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطة أبينا البطريرك، معرباً عن سروره "باستقبال غبطته في زيارته الأبوية والراعوية الثالثة لهذه الإرسالية التي تزيّنت بالأطفال والشباب والآباء والأمّهات الذين يكنّون لغبطته مشاعر الحبّ والاحترام والتقدير"، منوّهاً إلى "الرعاية الأبوية لغبطته وغيرته الرسولية ومحبّته للجميع، إذ يشارك غبطته أبناءه حيثما كانوا، ويحمل همومهم في المشرق الجريح، وما يعانونه اليوم من انعدام السلام العادل، وغياب الأمن والاستقرار".
وثمّن الخوراسقف مارون ما يقوم به غبطته من أعمال جليلة، مطبّقاً شعاره "صرتُ كلاً للكلّ: تشاركون المحزونين أحزانهم، تبكون مع الباكين، تقفون إلى جانب المظلومين، تدينون كلّ عنف وبغض وكراهية، وتفرحون مع الفرحين، وتولون أيضاً الاهتمام بأبنائكم في المهجر من المؤمنين والكهنة الذين لا تبخلون بأيّ جهد أو عناء لزيارتهم وتفقُّد أحوالهم. تتحمّلون مشقّات وتعقيدات السفر، خاصّةً في ظلّ تفشّي وباء كورونا، فكم نشكركم على هذه الالتفاتة الأبوية المفعمة بالحبّ"، لافتاً إلى أنّ "إرسالية مار بهنام وسارة في برلين تأسّست ببركتكم وتشجيعكم وبهمّة المؤمنين الغيورين على كنيستهم وإيمانهم المسيحي، وبهمّة الكهنة الذين تاجروا بالوزنات وزادوها"، واضعاً "رجاءنا بربّ الجلجلة والقيامة، ذاك الرجاء الذي زرعه فينا سرّ العماد المقدس، والذي لا يرتكز على معطيات بشرية، ولا تحصرُه سلبيات ومطبّات وحدود دنيوية".
وقبل البركة الختامية، وجّه الخوراسقف مارون حيصا أيضاً كلمة بنوية إلى غبطته هنّأه فيها، باسم إرسالية برلين، بمناسبة يوبيل غبطته الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضّي، سائلاً الله "أن يبارك خدمة غبطتكم ويديمكم كما عهدناكم دائماً، أباً، وراعياً مضحّياً، تقودون قطيعكم وتبنونه، وتذودون عنه بحزم وفطنة، وتسهمون في بناء المجتمع كلّه بالمحبّة".
ثمّ قدّم الخوراسقف مارون هدية لغبطته باسم إرسالية برلين بهذه المناسبة.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، قطع قالب الحلوى الذي أعدّته الإرسالية بهذه المناسبة المباركة. ثمّ انتقل غبطته إلى صالة الكنيسة، فالتقى بالمؤمنين الذين عبّروا عن شوقهم وفرحهم بلقاء أبيهم الروحي ونيل بركته الأبوية.
|