البطريرك يونان: "نحتاج إلى الاستقرار والاتّفاق والتوافق الحقيقي، ليس بالكلام ولكن بالفعل، وإلى الإيمان بأنّ من واجبنا أن نبذل كلّ جهد كي تنهض سوريا حرّةً بأبنائها وبناتها، وسوريا حضارية، تستطيع أن تؤمّن الحقوق المدنية والإنسانية لجميع المواطنين"
البطريرك يونان: "سنبقى في هذه الأرض الطيّبة لأنّنا أبناء هذا البلد ولنا حقوق كما علينا واجبات كالآخرين، أكنّا بعدد صغير أو كبير، ويجب علينا أن نتكاتف جميعنا بالمحبّة"
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت 11 كانون الأول 2021، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي على مذبح كنيسة مار بطرس وبولس في مدينة القامشلي – سوريا، وخلاله قام غبطته برسامة الشمّاس عاصي عاصي كاهناً للرعية وللخدمة في أبرشية الحسكة ونصيبين، باسم الأب يوسف عاصي.
عاون غبطتَه صاحبُ السيادة مار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، والخوراسقف جوزف شمعي المدبّر البطريركي لأبرشية الحسكة ونصيبين، والذي اتّخذه الكاهن المرتسم عرّاباً له، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية. وخدم القداس شمامسة الرعية والجوق بإشراف الراهب الأفرامي الأب بطرس سلمان الذي يقوم حالياً بخدمة الرعية. وشاركت في القداس والرسامة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء وبنات الرعية والأبرشية عموماً، ومن مختلف الكنائس في الجزيرة السورية عامّةً، جاؤوا بلهفة وشوق ليتباركوا من غبطته وقد انتظروا زيارته بفارغ الصبر، وكذلك ليعبّروا عن محبّتهم وفرحهم برسامة الكاهن الجديد.
وحضر وشارك في هذه المناسبة، صاحب النيافة مار موريس عمسيح مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، وعدد كبير من الخوارنة والكهنة الذين يمثّلون كلّ الكنائس الموجودة في القامشلي.
كما حضر الأستاذ سهيل رهاوي رئيس بلدية القامشلي، والعميد لطفي سمعان رئيس القسم الشمالي في قيادة شرطة محافظة الحسكة، وفعاليات المنطقة.
تلا غبطته الإنجيل المقدس، وخلاله نفخ في وجه المرتسم نفخة الروح القدس.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "سيكون لكم ضيق في العالم، لكن ثقوا أنا غلبتُ العالم"، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن عميق فرحه وسروره بالقيام بهذه الزيارة: "نعم، مجيئا إليكم في هذا اليوم هو مدعاة لفرحنا أن نلتقي بكم بعد سنوات، وكانت آخر زيارة لنا إلى هذه الأبرشية المباركة عام 2012، وقبلها زيارتنا الرسمية الأولى كبطريرك، حيث توجّهنا بعدها إلى جنوب شرق تركيا في ماردين وقلعة مرا، وإلى جزيرة ابن عمر مروراً بمديات وآزخ، وعدنا إلى الجزيرة"، منوّهاً إلى أنّ: "نعم زيارتنا هذه مدعاة للفرح، لأنّنا أولاد الله، وقد دُعينا لنعيش الفرح مهما ألمّ بنا من ضيقات ومصائب، ومدعاة فرح لأنّنا نرى أنّكم صمدتم رغم كلّ التحدّيات والمِحَن والأهوال التي شنّتها حرب شعواء على هذا البلد الطيّب، سوريا الحبيبة".
وأردف غبطته: "نريد أن نذكر أنّ قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية، والذي كان قد التقى بنا البارحة في دمشق في جلسة أخوية، دعا للكاهن الجديد بكلّ خير وبالنِّعَم والبركات، وهو اليوم ممثَّل بيننا بصاحب النيافة أخينا العزيز سيّدنا موريس عمسيح مع كهنته الأفاضل، كذلك رؤساء الكنائس في الجزيرة. ونهنّئ الخوراسقف جوزف شمعي المدبر البطريركي والأبرشية برمّتها بهذا الحفل الروحي برسامة الكاهن الجديد، ونشكر الراهب الأفرامي الأب بطرس سلمان الذي قام بخدمته الكهنوتية أفضل قيام أثناء هذه الفترة العصيبة التي مرّت بها الأبرشية، طالبين منه أن يتابع عيش حياته الرهبانية بالنعمة والقداسة دائماً".
ولفت غبطته إلى أنّه "من ناحية ثانية، هذا الفرح يشوبه بعض القلق والحزن لما نراه من تَبِعات هذه الكارثة التي حلّت بسوريا، ولا سيّما في هذه المحافظة، محافظة الجزيرة في شمال شرق سوريا، حيث نحتاج إلى الاستقرار والاتّفاق والتوافق الحقيقي، ليس بالكلام ولكن بالفعل، وإلى الإيمان بأنّ من واجبنا أن نبذل كلّ جهد كي تنهض سوريا حرّةً بأبنائها وبناتها، وسوريا حضارية، تستطيع أن تؤمّن الحقوق المدنية والإنسانية لجميع المواطنين، بقيادة المسؤولين الذين يضحّون من أجل هذا البلد الحبيب".
وأشار غبطته إلى أنّ "اليوم احتفال برسامة كاهن جديد هو عاصي عاصي، وهو من أبرشية حمص، وقد قدّم ذاته كي يأتي ويخدمكم هنا في هذه الرعية، رعية مار بطرس وبولس في القامشلي، وصمّم وأكّد على أنّه برسامته الكهنوتية سيكون الكاهن الفاضل والتقي، والذي دُعي للخدمة لا للتسلّط، وللانفتاح على الجميع، وسيكون مثالاً وشاهداً للرب يسوع الراعي الصالح".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "جئنا نصلّي من أجل الكاهن الجديد وقد اختار اسم القديس يوسف، كي يستطيع أن يقوم بهذه المسؤولية الروحية والراعوية والتربوية بشكل لا يقبل أيّ شرط ولا يحتمل أيّ تردّد. نصلّي من أجله ونهنّئه، كما نهنّئ زوجته وولديه وذويه الذين أتوا من حمص كي يشاركوا في هذا الاحتفال".
ووجّه غبطته "الشكر إلى جميع الحاضرين من روحيين ومدنيين، ومن مسؤولين في هذه المحافظة التي عانت وتعاني الكثير، ونسأل الرب أن يبارك الجميع بنِعَمِه الوافرة وبعزائه في الضيقات، لا سيّما في هذا الزمن المرير، زمن الوباء الوخيم كورونا، ويجعلنا دوماً أبناء الرجاء، لا نفقد أبداً رجاءنا، لأنّنا أولاد أولئك الذين شهدوا للمسيح حتى سفك الدم على مدى السنوات والعصور".
وختم غبطته موعظته مؤكّداً على أنّنا "سنبقى في هذه الأرض الطيّبة لأنّنا أبناء هذا البلد ولنا حقوق كما علينا واجبات كالآخرين، أكنّا بعدد صغير أو كبير. ويجب علينا أن نتكاتف جميعنا بالمحبّة، حتّى عندما يرانا الآخرون أننّا نحبّ بعضنا بعضاً، يعترفون بأنّنا مؤمنون بالرب يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، ومار يوسف خطيبها الذي نتذكّر ونعيّد الجليان والبيان له في هذا الأحد قبل عيد الميلاد، وبشفاعة مار بطرس وبولس، وجميع القديسين والشهداء".
وكان الخوراسقف جوزف شمعي قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطته في زيارته الراعوية المباركة إلى هذه الرعية المتشوّقة إلى نيل بركته، منوّهاً إلى أنّ غبطته نال الرسامة الأسقفية في هذه الكنيسة منذ خمس وعشرين سنة، وهو اليوم يحتفل بيوبيله الكهنوتي الذهبي ويوبيله الأسقفي الفضّي، مهنّئاً غبطته بهذه المناسبة، وداعياً له بالصحّة والعافية والعمر الطويل في رعايته للكنيسة التي تخطو خطوات جبّارة بجهوده وخدمته ورعايته الصالحة. كما قدّم التهنئة للكاهن الجديد برسامته الكهنوتية.
وقبل المناولة، ترأس غبطة أبينا البطريرك رتبة الرسامة الكهنوتية بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، مستهلاً إيّاها بالتوصيات والتوجيهات للمرتسم، موجّهاً إليه أسئلةً أجاب عنها مجاهراً بإيمانه وواضعاً يده على الإنجيل والصليب. ثمّ توالت الصلوات والترانيم، وتلا غبطته صلاة دعوة الروح القدس، مغطّياً المرتسم ببدلته الحبرية وناقلاً إليه بركة الأسرار المقدسة. وبعدئذٍ وضع غبطته يمينه على هامة الشمّاس عاصي عاصي، ورقّاه إلى درجة الكهنوت المقدس، وأطلق عليه اسم "يوسف"، وسط جوّ روحي خشوعي مهيب، يعبق بالترانيم السريانية.
ثمّ ألبس غبطتُه الكاهنَ الجديدَ الأب يوسف الحلّة الكهنوتية، وسلّمه المبخرة. فطاف الكاهن الجديد في زيّاح خشوعي داخل الكنيسة، ومعه عرّابه، وسط التهاليل والتصفيق الحادّ وجوّ من الفرح الروحي العارم والبهجة والسرور.
وبعد المناولة، أكمل الكاهن الجديد القداس الإلهي.
وقبل الختام، ألقى الكاهن الجديد الأب يوسف عاصي كلمة الشكر، استهلّها بالآية التي اتّخذها شعاراً لمسيرته ودعوته الكهنوتية: "الرب نوري وخلاصي"، شاكراً الرب على هذه النعمة العظيمة، مقدّماً الشكر الجزيل والامتنان لغبطته على مرافقته لدعوته وعلى توجيهاته الأبوية ومحبّته ودعمه وتشجيعه، وكلّ ما يقدّمه وما يبذله من تضحيات، شاكراً أيضاً الأساقفة والكهنة وجميع الحاضرين، وكلّ من تعب معه في مسيرته، ولا سيّما أبرشية حمص وحماة والنبك التي يتحدّر منها، وجميع الذين أرادوا المشاركة في هذه المناسبة ولم يستطيعوا بسبب الأوضاع الصحّية الراهنة وبسبب صعوبة السفر ومشقّاته، خاصّاً بالشكر زوجته وابنيه وأهله وذويه، سائلاً الله أن يبارك خدمته الجديدة كي تأتي بالثمار المرجوّة لمجد الله وخير الكنيسة والمؤمنين الموكَلين إلى عنايته، طالباً صلاة الجميع من أجله كي يكون أميناً على الدعوة التي دُعي إليها، ومتعهّداً بالطاعة البنوية لغبطته والإخلاص للرسالة المقدسة التي ائتُمِن عليها.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، انتقل بموكب حبري مهيب إلى صالة الرعية، على وقع عزف فرقة الكشّاف السرياني في القامشلي، واستقبل المؤمنين الذين هنّأوا الكاهن الجديد، وجدّدوا التهنئة لغبطته ونالوا بركته في جوّ من الفرح الروحي.
|