في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الإثنين 13 كانون الأول 2021، لبّى غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، دعوة سعادة محافظ الحسكة اللواء غسّان خليل، إلى حفل استقبال أقامه سعادته على شرف غبطته بمناسبة زيارته الراعوية والأبوية إلى أبرشية الحسكة ونصيبين، وذلك في مقرّ المحافظة في مدينة الحسكة – سوريا.
رافق غبطتَه صاحبا السيادة والنيافة مار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، ومار موريس عمسيح مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، والخوراسقف جوزف شمعي المدبّر البطريركي لأبرشية الحسكة ونصيبين، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، والأب يوسف عاصي كاهن رعية مار بطرس وبولس في القامشلي.
حضر هذا الحفل عدد منالقيادات السياسية والروحية والعسكرية والأمنية والإدارية ورجال الدين الإسلامي في المحافظة.
رحّب سعادة المحافظ بغبطة أبينا البطريرك ترحيباً حارّاً بين أهله ومحبّيه، مؤكّداً أنّ محافظة الحسكة اليوم ليست كما كانت بالأمس، فهي اليوم جريحة، وهي الأمّ المريضة، ولكنّها - كما تعافت المحافظات الأخرى من الإرهاب والإجرام - ستلتحق بأخواتها من باقي المحافظات، وستتعافى ممّا هي عليه الآن بفضل تضحيات جيشها وصمود شعبها، مهنّئاً غبطته وجميع المسيحيين بقدوم عيد الميلاد المجيد.
وأعتبر سعادته إلى أنّ زيارة غبطته إلى محافظة الحسكة هامّة جداً لأنّها تدلّ على التلاحم واللحمة الوطنية بين أبناء سوريا، ومدى محبّتهم لوطنهم، وحرصهم على أن تبقى أواصر المحبّة والوئام والتآخي التي تربط بين مكوّناتهم، فتشكّل لوحة فسيفسائية في غاية الجمال، ومن الواجب المحافظة عليها.
أمّا غبطة أبينا البطريرك، فشكر سعادته على حفل الاستقبال هذا الذي دعا إليه على شرف غبطته، منوّهاً إلى أنّ "هذه المحافظة الجريحة تعاني من الظم والاستنزاف المادّي والمعنوي، ولكنّها ستبقى صامدةً تجاه الأعداء، إن كانوا منظورين أو غير منظورين"، مشيراً إلى أنّه "سعيد جداً أن أعود على مدينتي ومسقط رأسي التي مرّت أيضاً في السابق بامتحاناتٍ عديدةٍ، والتي استطاعت أن تنهض وأن تكون نوعاً من المخزن المادّي والزراعي والطبيعي لسوريا الحبيبة، وهذا كلّه شهدناه نحن شخصياً منذ أكثر من سبعين عاماً".
ولفت غبطته إلى أنّ "هناك الإنتهاكات والظلم ومحاولة الإستنزاف معنوياً ومادّياً وسياسياً واقتصادياً لهذا البلد الحبيب، ونحن بقينا دوماً عيوننا موجّهة نحو هذا الشعب الذي يعاني من ظلم البعيدين والقريبين، ولكنّه ظلّ صامداً طوال هذه السنوات من المحنة المجرمة التي فُرِضت عليه. ونحن ندعو العالم كلّه أن يلتفت حقيقةً وبنزاهة نحو آلام هذا الشعب الطيّب. ودعونا وسندعو دوماً للكفّ عن التدخّل في مصير هذا الشعب في هذا البلد، والكفّ عن الابتزاز بالعقوبات الدولية، لأنّ هذا الشعب، مهما فُرِض عليه من معاناة، سيبقى صامداً بمسؤوليه وشهامة جيشه وشعبه ومواطنيه كافّةً".
وأكّد غبطته أنّنا "سنبقى دوماً الصوت الصارخ، وإن كان في أوقاتٍ كثيرةٍ صوتاً صارخاً في البرّية، سنبقى الصوت الذي يدافع عن حقوق الإنسان وحقوق هذا الشعب الطيّب الذي لا يري إلا الخير لجيرانه، ويشهد لحضارته العريقة. فسوريا كانت دوماً محطّ أنظار الغزاة والمعتدين، ولكنّها بقيت صامدةً بقوّته وحكمته تعالى".
وتوجّه غبطته إلى سعادة المحافظ: "نشكركم لاستقبالكم، وندعو لكم ولمعاونيكم والذين يخدمون هذه المحافظة الممزَّقة والجريحة بكلّ خي وتوفيق، ولقد دعوتُ مطران الموصل السابق كي يرافقني ليشهد أنّ سوريا، ولو أصيبت بالجراح الكثيرة كما العراق الجار أيضاً، ستبقى صامدةً رغم كلّ شيء. وهذا المطران قبل سبع سنوات اقتُلِع من أرض آبائه وأجداده في سهل نينوى بسبب هذا الإرهاب التكفيري المجرم، مع كهنته ورهبانه وراهباته وشعبه بعشرات الألوف إلى كوردستان، وبقوا لسنتين، إلى أن عادوا إلى أرضهم عام 2016".
وشدّد غبطته على أنّنا "سنبقى أبناء هذا البلد الذي يشهد لحضارة الآباء والأجداد الذين سبقونا، ومعروفٌ أنّه شعلةٌ في الحضارة والعلم ونشر اللغة، والمدافع عن حقوق جميع المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وفي البلاد العربية المجاورة"، سائلاً "الرب أن يبارككم ويقوّيكم كي تتحمّلوا كلّ هذه المعاناة التي فُرِضت عليكم في هذا الزمن، زمن الظلم. ولكنّ أشعّة النور هي في آخر النفق، وبمعونته تعالى ستنهض سوريا الحبيبة بمواطنيها وشعبها الطيّب، وتكمل رسالتها في المنطقة والعالم".
وكانت كلمات لعدد من الشخصيات تناولت الأوضاع الراهنة في محافظة الحسكة، مع التأكيد على أهمّية الوحدة بين أبناء الوطن، للصمود وتخطّي المرحلة وإعادة البلاد إلى سابق عزّها وازدهارها.
وفي نهاية الحفل، تحدّث غبطته إلى وسائل الإعلام، فقال: "جئنا إلى الأرض التي وُلِدنا ونشأنا فيها، والتي ستبقى دوماً عزيزةً على قلبنا، وعندما نعود إلى الحسكة نعود إلى بيتنا وأهلنا وأحبابنا. هذه الزيارة هي زيارة الراعي الروحي لأبنائه أينما كانوا، لا سيّما في هذه المحافظة الجريحة التي تعاني الكثير من الضغوط من المحتلّين والطامعين في هذه الأرض الطيّبة".
وأردف غبطته: "أتينا إلى هذه المحافظة الحبيبة كي نطمئن أولادنا أنّنا دوماً ملتصقون بأرضنا رغم كلّ التحدّيات والصعوبات، ونحن نطلب من أهلنا وأولادنا أن يبقوا متجذّرين في أرضهم مهما كانت الصعوبات والمعاناة، ونطمئنهم أنّه لا بدّ وأن تشرق الشمس، شمس الحرّية والسلام والوحدة التي تستحقّها سوريا، والتي من أجلها عانينا الكثير. ندعو إلى الله أن يحفظ هذه المحافظة وجميع المسؤولين فيها، والذين يودّون أن يبقوا هنا رغم كلّ التحدّيات والصعوبات، ويخدموا هذا الشعب الطيّب".
ونوّه غبطته إلى أنّ "كلّ إنسان ذي ضمير حيّ يتألّم لما يلقاه ويجده على أرض هذه المحافظة مِن تمزُّق واستغلال الظروف لمتابعة هذا التمزّق في هذه المحافظة. ونحن نأسف ونتألّم لما يجري فيها، وندعو الله تعالى أن يجمع القلوب والنفوس، ويذكّر جميع المواطنين أنّ الوطن هو غالٍ، وأنّ عليه أن يكون واحداً".
وأشار غبطته الجميع أنّه "أنا ابن والدَين لجآا إلى سوريا مع عشرات الألوف منذ أكثر من مئة عام، وسوريا استضافتهم ورحّبت بهم، كما رحّبت مؤخّراً بإخواننا من العراق لسنواتٍ طويلة. وهذا يشهد به جميع مَن كانوا هنا مِن العراقيين الذين كانوا يشعرون أنّ سوريا وطنهم، وأنّهم لم يفقدوا وطنهم عندما جاؤوا إلى سوريا. إنّنا نطالب العالم كلّه أن يحترم شرعة حقوق الإنسان بأنّ كلّ بلد له ظروفه، وعليه أن يجابه التحدّيات، ونطلب ألا يتدخّل الغريب ولا القريب في شؤون هذا الوطن العزيز والحبيب".
وختم غبطته حديثه أمام وسائل الإعلام لافتاً إلى أنّ "قلوبنا مدماة بسبب هذا التمزُّق الذي رأيناه في مدينةٍ كانت دائماً عنوان الألفة والأخوّة والوحدة في القلوب والنفوس. وإن شاء الله نحن كرعاةٍ روحيين نصلّي إلى الله كي يرحم هذا البلد بعدما عانى الكثير، وأن يحلّ أمنه وسلامه في جميع مناطقه".
وفي الختام، استعرض غبطته وسعادته وجميع الحاضرين والمدعوين فرقة الكشّاف التي حضرت خصّيصاً للترحيب بغبطته.
|