البطريرك يونان: "نضرع إلى الله أن يوقظ ضمائر المسؤولين ليقوموا بواجباتهم كي ينهض لبنان بالنموّ والازدهار والسلام والعيش الواحد"
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس ٦ كانون الثاني 2022، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد الدنح أي الظهور الإلهي (الغطاس)، وهو عيد عماد الرب يسوع على يد يوحنّا المعمدان في نهر الأردن، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف - بيروت.
عاون غبطتَه في القداس المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بمشاركة الشمامسة، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين.
في بداية القداس، أقام غبطة أبينا البطريرك رتبة عيد الدنح وتبريك المياه بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، حيث طاف في زيّاح مهيب، وشّح خلاله غبطتُه شابّاً بخمارٍ أبيض ليمثّل إشبين الرب يسوع بحسب العادة المتَّبعة، فيحمل قنّينة الماء التي يعلوها الصليب المقدس.
ثمّ بارك غبطته المياه المُعَدَّة ليتبارك منها المؤمنون، وتكون لصحّة النفوس والأجساد، والحماية من المضرّات، ومَعين القداسة والخيرات، ومصدر المعونة والتعزية. كما أقام غبطته بركة الجهات الأربع بالصليب المقدس والمياه المبارَكة.
وفي موعظته بعد الرتبة، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن "عيد الدنح، وهي كلمة سريانية (دِنحو) تعني الظهور، وهذا الاحتفال المهيب بعيد الدنح أي عيد ظهور يسوع مخلّصنا ابن الله بعدما اعتمد على يد مار يوحنّا في نهر الأردن، وعيد العماد هو من أقدم أعيادنا بعد القيامة، وبعده جاء تحديد يوم عيد الميلاد في 25 كانون الأول. فإذن عيد العماد كان في اليوم نفسه مع عيد ميلاد الرب يسوع، لكن كي نعطي الأهمّية الكافية لميلاد الرب يسوع في بيت لحم، اختارت الكنيسة يوم 25 كانون الأول حتّى نحتفل بهذا الحدث الخلاصي، تأنُّس الرب يسوع المسيح بالجسد بقوّة الروح القدس في أحشاء مريم العذراء الطاهرة".
ولفت غبطته إلى أنّنا "سمعنا من قراءة سفر أعمال الرسل عن فيلبّس الذي عمّد الحبشي، والحبشة كانت من أوائل البلاد التي اعتنقت المسيحية، وحافظت على الإيمان على مدى هذه السنوات الطويلة، أي منذ أن عمّد فيلبّس وكيل ملكة الحبشة وشرح له آيات نبوءة إشعيا، وقَبِلَ هذا الوكيل، الذي كان يهودياً، أن يعتمد بعدما اعترف بأنّ يسوع المسيح هو ابن الله المخلّص. وهذا الأمر يدفعنا كي نفكّر أنّ هناك شعوب قبلت المسيحية منذ القدم، وبلاد الحبشة تعاني اليوم نوعاً من الفتن الداخلية والحرب الأهلية. نسأل الرب أن يحمي هذا البلد ويجمع قلوب مواطنيه بالتآخي الحقيقي والاتّفاق، وبما نسمّيه عيشاً مشتركاً صادقاً ونزيهاً، لأنّ الحبشة بلد كبير ولا يتكوّن من شعب واحد فقط، بل من عدّة فئات إتنية ولغوية، لذلك يحتاج أيضاً إلى صلواتنا، والحبشة كانت عائدة كنسياً إلى كرسي الإسكندرية، ثم أصبحت كنيسةً مستقلّةً".
وأشار غبطته إلى أنّه "في رسالة مار بولس إلى تلميذه تيطس، والتي تُلِيت علينا، يذكّرنا رسول الأمم أنّه، مهما كانت العصوبات والضيقات حولنا، يجب أن نكون مؤمنين حقيقةً وليس فقط بالإسم، بأنّ الرب يسوع خلّصنا وهو معنا، وهو يبقى مع كنيسته مهما اشتدّت العواصف، ومهما ازداد الشرّ في العالم".
ونوّه غبطته إلى أنّ "يوحنّا هو سابق يسوع والذي مدحه يسوع بأنّه أعظم مواليد النساء، لأنّ يوحّنا كان شبيهاً بالرب يسوع، عدا عن أنّه كان نسيبه، وقد وُلِد بأعجوبة، لأنّ والديه كانا طاعنين في السنّ، وظلّ يتكرّس لإعلان ملكوت الله، حتّى أنّه ضحّى بنفسه ولم يقبل أن يستسلم للضغوطات ويسكت عن البشارة بملكوت العدل والسلام، ونعلم أنّ هيرودس قطع رأسه وأصبح شهيداً. يوحنّا هو النبي الشهير الذي يجمع بين العهدين القديم والجديد، وكان له إكرام كبير في الكنيسة الأولى، إذ بُنِيَت كنائس كثيرة على اسم يوحنّا المعمدان، ومن بينها اليوم الجامع الأموي في دمشق الذي كان كنيسة على اسم مار يوحنّا".
وشدّد غبطته على أنّه "في عماد يسوع في نهر الأردن كُشِفَ سرّ الثالوث الأقدس وتجلّى للحاضرين بأوضح صورة: الآب يعلن هذا هو ابني الحبيب، والابن يعتمد في نهر الأردن، والروح القدس يحلّ بشكل حمامة مرفرفاً فوق رأس الابن".
وشرح غبطته معاني رتبة عيد الدنح وتبريك المياه، وهي رتبة هامّة وفريدة، متوقّفاً عند أهمّية المعمودية كسرّ ومفاعيلها في حياة المؤمن، ومذكّراً المؤمنين بحضور الرب يسوع في الصليب الذي يحمله الإشبين في قنّينة أثناء الرتبة، وهو يرمز إلى يسوع بالذات، نور العالم الذي يضيء في الظلمات منيراً حياة المؤمنين والعالم.
وختم غبطته موعظته مؤكّداً على أنّنا "في هذه الأوضاع الصعبة، علينا أن نلجأ إلى الرب يسوع كي يقوّينا ويثبّتنا بالإيمان ويجعلنا راسخين بالرجاء مهما كانت الصعوبات والضيقات والأوجاع. إليه نضرع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء وشفاعة مار يوحنّا المعمدان، أن يوحّد قلوبنا ونفوسنا، ويوحّد قلوب ونفوس العائلات كلّها وأبناء وبنات الوطن، ويوقظ ضمائر المسؤولين ليقوموا بواجباتهم كي ينهض لبنان بالنموّ والازدهار والسلام والعيش الواحد".
وبعد البركة الختامية، تمّ توزيع قناني المياه المبارَكة على المؤمنين، بركةً لهم ولعائلاتهم ومنازلهم.
|