صباح يوم الأربعاء 12 كانون الثاني 2022، استقبل قداسة البابا فرنسيس غبطةَ أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، في لقاء خاص، وذلك قُبَيل المقابلة الأسبوعية العامّة التي يجريها قداسته في قاعة البابا القديس بولس السادس في الفاتيكان.
خلال هذا اللقاء، عبّر قداسة البابا عن متابعته الحثيثة للأوضاع الأليمة التي يمرّ بها الشرق الأوسط، لا سيّما لبنان وسوريا والعراق، هذه البلدان الثلاثة التي تعاني من أزمات خانقة، ومناداته المستمرّة، والتي عبّر عنها بشكل خاص في الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء السلك الدبلوماسي يوم الإثنين المنصرم في الفاتيكان في 10/1/2022، وفيها طالب قداسته أن يعمل العالم على مساعدة هذه البلدان المتألّمة، كي يحلّ فيها السلام الحقيقي والألفة بين مختلف مكوّناتها.
وشكر غبطتُه قداسةَ البابا على تعاطفه وتضامنه وتفهُّمه للمعاناة المستمرّة في بلدان الشرق، وبنوع خاص قيامه بزيارته التاريخية إلى العراق في آذار 2021، والتي دعا فيها إلى السلام والأخوّة والتضامن لنهضة بلاد ما بين النهرين التي طالت معاناة شعبها. وعبّر غبطته لقداسته عن عميق تقديره للرجاء الذي نقله للشعب العراقي عامّةً وللمسيحيين خاصّةً خلال هذه الزيارة.
كما وجّه غبطتُه الشكر إلى قداسته على دعمه المتواصل لإحلال السلام والوئام في سوريا التي عانت الكثير من قتل ودمار وتهجير، والتي تحتاج إلى الوحدة للنهوض بها من جديد، كي تعود إلى سابق عهدها من الازدهار.
ونوّه غبطتُه بما بقوم به قداسته من مبادرات هامّة لإنقاذ لبنان من الهوّة السحيقة التي انحدر إليها من جراء سلوك المسؤولين والحكّام فيه، معرباً عن تأثّره بما يبديه قداسته من تألُّم لما يحصل في لبنان، نتيجة الخلافات السياسية والأزمات المعيشية، وتداعياتها الخطيرة على هذا البلد، وأهمّها الهجرة المتزايدة، لا سيّما في صفوف الشباب، وهم شريان الحياة والقلب النابض للوطن.
وتحدّث غبطة أبينا البطريرك بإسهاب عن أحوال الكنيسة السريانية الكاثوليكية، مفاتحاً قداسته حول كيفية التعامل مع الصعوبات التي تجابهها وسعيها للتخفيف من الأزمات الأمنية والاقتصادية ومعاناة السكّان متوسّطي الحال والأكثر احتياجاً دون تمييز، وتشجيع المؤمنين على البقاء والتجذّر في أرض آبائهم وأجدادهم. فأكّد قداسته قربَه الروحي في الصلاة، كي ينتهي دربُ معاناتها.
ونقل غبطته إلى قداسته دعوةَ كنيسته السريانية الكاثوليكية إلى عيش الروح السينودسية الحقّة، وسعيه الدؤوب لمراجعة ليتورجية القداس الإلهي، والعمل الجدّي لبناء علاقات مسكونية منفتحة مع الكنائس الشقيقة، وبنوع خاص مع الكنيسة الشقيقة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية.
وتناول غبطته أهمّ الأعمال التي تقوم بها البطريركية في لبنان، والزيارات الراعوية العديدة لغبطته إلى الأبرشيات والرعايا والإرساليات السريانية في سوريا والعراق ومصر والأراضي المقدسة والأردن وتركيا، وإلى بلاد الإنتشار، منوّهاً إلى الازدياد الكبير لعدد المؤمنين في بلاد الإغتراب، ولا سيّما في أوروبا، حيث تبرز الحاجة الماسّة إلى المزيد من الاعتناء وتقديم الخدمات الروحية، وإلى حضور رئيس كنسي مباشر يرعى المؤمنين ويهتمّ بشؤونهم.
وبعد اللقاء الخاص مع غبطة أبينا البطريرك، خرج قداسة البابا مع غبطته لاستقبال الوفد المرافق، والمؤلَّف من صاحبي السيادة مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا والمدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماة والنبك، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
ثمّ قدّم غبطته إلى قداسته نسخة من كتاب "أكثر من نصف قرن من الخدمة والعطاء"، والذي أعدَّتْه ونشرَتْه البطريركية بمناسبة اليوبيل الكهنوتي الذهبي واليوبيل الأسقفي الفضّي لغبطته.
فعبّر قداسته عن سروره بهذه الهدية، مثمّناً إحياء الكنيسة السريانية الكاثوليكية لهذه المناسبة المبارَكة والمميَّزة، محتفيةً برأسها وأبيها وراعيها ورمز وحدتها، منوّهاً بالخدمات الجليلة التي أدّاها ولا يزال يؤدّيها غبطته للكنيسة طوال أكثر من نصف قرن، كاهناً وأسقفاً وبطريركاً، وداعياً لغبطته بالعمر المديد والصحّة والعافية، كي يتابع رعايته الصالحة للكنيسة السريانية رغم الظروف العصيبة في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
كما أهدى قداسته إلى غبطته كتاباً جديداً بعنوان "Pourquoi êtes-vous si craintifs? N’avez-vous pas encore la foi?(لماذا أنتم خائفون؟ أليس لكم الإيمان بعد؟)"، والمستوحى من الصلاة التي أقامها قداسته في الفاتيكان في 27 آذار 2020 إبّان تفشّي وباء كورونا في العالم. فشكره غبطتُه، معرباً عن التقدير الكبير الذي تكنّه الكنيسة السريانية الكاثوليكية لقداسته، إكليروساً ومؤمنين، سائلاً الله أن يحفظه ويديمه بالصحّة والعمر الطويل، ليكمل رعايته للكنيسة الجامعة بما حباه الله من روح الراعي الصالح والمدبّر الحكيم.
وفي الختام، منح قداستُه الكنيسةَ السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، بركته الرسولية عربون محبّته الأبوية. ورفع قداسته الصلاة مع غبطة أبينا البطريرك من أجل إحلال السلام والأمان والطمأنينة والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، ومن أجل أن يفيض الرب بخيراته وبركاته على الكنيسة والمؤمنين في كلّ مكان.
|