البطريرك يونان: "نحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم"
في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 5 آذار 2022، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي الحبري الرسمي بمناسبة عيد مار أفرام السرياني شفيع كنيستنا السريانية وملفان الكنيسة الجامعة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه في القداس أصحابُ السيادة المطارنة: مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، ومار فولوس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي في كندا، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن والمدبّر البطريركي لأبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بحضور ومشاركة صاحب السيادة مار غريغوريوس بطرس ملكي، والآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان الأفراميين والراهبات الأفراميات والإكليريكيين طلاب إكليريكية دير سيّدة النجاة – الشرفة، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعايا السريانية في أبرشية بيروت البطريركية، ومن إرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين والسوريين في لبنان.
حضر القداس صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وصاحب السيادة المطران جوزف سبيتيري السفير البابوي في لبنان، وصاحب السيادة المطران جورج أسادوريان المعاون البطريركي للأرمن الكاثوليك ممثّلاً صاحب الغبطة رافائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك.
كما حضر أيضاً صاحب النيافة مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس، وأصحاب السيادة: ميشال قصارجي مطران الكلدان في لبنان، وسيزار أسيايان النائب الرسولي للاتين في لبنان، وبيتر كرم المعاون البطريركي للموارنة، والخوارسقف يثرون كوليانا وكيل رئيس الكنيسة الآشورية في لبنان، والأب أندراوس الأنطوني راعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في لبنان، وعدد من الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيات، والخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس، وحشد من فعاليات الطائفة وأصدقائها.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة بعنوان "اثبتوا في محبّتي... بهذا يتمجّد أبي، أن تأتوا بثمر كثير وتكونوا تلاميذي"، تحدّث فيها غبطته عن القديس مار أفرام، شفيع كنيستنا السريانية وملفان البيعة الجامعة، متوجّهاً "باسمنا، وباسم إخوتنا المطارنة الأحبار الأجلاء الذين يعاونوننا في هذا القداس، بالتهنئة القلبية من جميع أبناء كنيستنا وبناتها في كلّ أنحاء العالم، في الشرق وبلاد الانتشار، ضارعين إلى الرب إلهنا، بشفاعة هذا القديس العظيم، أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته".
وتكلّم غبطته عن القديس مار أفرام كنّارة الروح القدس، وكوكب الكنيسة، والناسك القديس، ومخزن الفضائل والصالحات، والراهب المثال في التكرّس والصوم والصلاة، يتنسّك ويرشد ويعلّم، فيفيض المواهب الإلهية أمام المؤمنين. وكان رائداً، فألّف جوقة تراتيل من الفتيات، واقتدت به الكنيسة شرقاً وغرباً.
وتأمّل غبطته بمار أفرام "الروحاني المتعمّق في الكتاب المقدس، وقد أشبع أسفاره درساً وتفسيراً، حتّى قيل إنّه لو فُقِدت نُسَخُ الكتاب المقدس بالسريانية، لاستطعنا جمعها ثانيةً من مؤلّفات مار أفرام وتفاسيره. إنّه ملفان البيعة الجامعة وعامودها، أغنى الكنيسة بكتاباته، من ميامر (أشعار) ومداريش (أناشيد ونصوص مكتوبة)... وهو الشاعر الملهَم والمُتيَّم بمديح العذراء مريم، والمدافع الصلب عن إيمان الكنيسة وعقائدها، والعاشق للغة السريانية، لغة الرب يسوع ووالدته العذراء مريم ورسله".
ونوّه غبطته إلى أنّه "لأهمّية تعاليم مار أفرام وتأثيرها في حياة الكنيسة والمؤمنين، أعلنه قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920 ملفاناً للكنيسة الجامعة. إنّه الشمّاس الخادم المكرَّس الذي يتحسّس بأوضاع المؤمنين... وبعد أن أسّس مدرسة نصيبين، أسّس مدرسةً أخرى في الرها كانت مقراً للعلوم والمعارف. وعندما حلّت المجاعة في هذه المدينة ومات عددٌ كبيرٌ من أهلها، راح مار أفرام يطوف منازل الأغنياء ويحثّهم على عمل الرحمة، جامعاً الصدقات وموزّعاً إيّاها على الفقراء. وإثر الجوع، انتشر وباء الطاعون، فراح مار أفرام يعتني بالمرضى ويشجّعهم، حتّى أصيب بالمرض، واحتمل الآلام صابراً، إلى أن فاضت روحه عابقةً برائحة القداسة. إنّه وبحقّ شمس السريان اللامع الذي يضيء الدرب أمامهم، بل أمام الكنيسة بأسرها في كلّ جيل".
ولفت غبطته إلى أنّ "الرب يسوع يدعونا في إنجيله اليوم إلى الثبات والإتّحاد به، كما تتّحد الأغصان بالكرمة وتزهر ثماراً يانعة. هكذا نحن، إن ثبتنا بالرب، نزهر بالمحبّة والفضيلة، فنشعّ بنور تلاميذ المسيح... فنحن الذين آمنّا به، نتّكل عليه، ولا نستطيع أن نصنع الخير والصلاح من دونه. وبالثبات به، نثمر ثمار الأعمال الصالحة والحياة المسيحية البارّة، فنكون تلاميذ حقيقيين للمعلّم الصالح الذي بذل ذاته من أجلنا. لقد ثبتنا بالرب، إذ بالمعمودية أصبحنا هيكلاً له، فيه يسكن، وبالإفخارستيا، سرّ المحبّة الإلهية، اتّحدنا بفادينا الإلهي اتّحاداً نغذّيه بتسليم ذواتنا له، عاملين بوصاياه، إذ لا نستطيع أن ننفصل عنه أبداً".
وأكّد غبطته على أهمّية "أن نبقى أمناء لكلام الرب يسوع وتعاليمه ونعمته التي حلّت فينا. فنشهد له في حياتنا، في كلامنا، وفي مَثَلِنَا الصالح. لقد كان آباؤنا السريان، ومار أفرام في طليعتهم، روحانيين وواقعيين متبصّرين، أدركوا أنّ المسيحية روح وحياة. فثبتوا بالرب، وكانوا قوّةً تسند الكنيسة رغم كلّ التجارب والضيقات والإضطهادات. ونحن مدعوون اليومَ على غرارهم كي نبقى ثابتين بالرب يسوع رغم كلّ ما نعيشه من المحن والأزمات والتحدّيات والنكبات. نتبع الرب وعيوننا شاخصة إليه، كي ننال لنا وللآخرين نِعَم الخلاص، واثقين بوعده الدائم لنا أنّه في وسط الكنيسة فلن تتزعزع أبداً".
وأشار غبطته على أنّنا "سنبقى ثابتين في كنيستنا، نغرف من كنوزها في مسيرتنا الأرضية. نعيش الشركة الروحية بالمشاركة الفاعلة وروح الإرسالية، لا سيّما ونحن نعيش هذه المسيرة السينودسية مع إخوتنا المؤمنين في الكنيسة على امتداد المعمورة، فنستعدّ للسينودس الروماني الذي سيُعقَد برئاسة قداسة البابا فرنسيس في العالم المقبل".
وشدّد غبطته على أنّنا "نحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم، الذي أضحى عرضةً للخوف واليأس من المستقبل، ولم يجد الكثيرون سوى الهجرة سبيلاً لهم، لا سيّما في صفوف الشباب والطاقات المنتجة".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في لبنان، مذكّراً "بأهمّية متابعة التحقيق بشفافية في قضية تفجير مرفأ بيروت، وهي جريمة ضدّ الإنسانية، ووجوب قيام الحكومة بالإصلاحات اللازمة للنهوض بالبلاد من قعر الهاوية التي أضحى يتخبّط بها، ومساءلة المسؤولين عن سرقة ودائع الناس في المصارف ومحاسبتهم، والتأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها الدستورية، والتشديد على مشاركة جميع المواطنين في الاستحقاق الإنتخابي، لإنتاج سلطة جديدة تحكم بالعدل والحقّ، وتعيد البلد إلى سابق عهده من التقدّم والازدهار".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الله أن ينير قلوب المسؤولين وعقولهم في بلادنا وفي الشرق والعالم، كي يعملوا على تحقيق خير الأوطان والعيش الكريم للمواطنين. ونضرع إليه تعالى، وهو ملك السلام، أن ينشر سلامه وأمانه في كلّ مكان. فتنتهي الحروب والفتن، وتزول الأحقاد والضغائن، ويحلّ السلام والأمان، وتسود المحبّة والألفة، ولا سيّما من أجل انتهاء الحرب في أوكرانيا، وعودة السلام إلى هذا البلد وجيرانه" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته في خبر خاص على صفحة الأخبار هذه في هذا الموقع الرسمي للبطريركية).
وبعد البركة الختامية، تقبّل غبطة أبينا البطريرك التهاني بالعيد من أصحاب الغبطة والسيادة والإكليروس والمؤمنين.
|